أولادنا.. ووقت الفراغ.. غياب دور الجهات التربوية والتعليمية

أولادنا.. ووقت الفراغ.. غياب دور الجهات التربوية والتعليمية

يعرّف الأطفال واليافعون وقت فراغهم، بأنه ذلك الوقت الذي يقضونه بعيداً عن الدراسة والفروض المدرسية، وغالباً ما يقسمون أنشطة وقت الفراغ إلى:

- النشاط الذي يمارسونه أثناء الموسم الدراسي.

- النشاط الذي يمارسونه في العطلة الصيفية.

وبعيداً عن مفهوم الأطفال واليافعين لوقت الفراغ وكيفية قضائه، فإن لوقت الفراغ أهمية تتأتى من أنه مصدر ضروري لتجديد الطاقة والنشاط، وأمر ضروري لتنمية الشخصية وتطوير المعارف والقدرات، بالإضافة إلى أنه يساعد على كشف الهوايات والمهارات وغيرها..

وفي الكثير من الحالات، عندما لا يستحوذ هذا الوقت على اهتمام الأهل والمدرسة والجهات التربوية المعنية، ولا يخضع لتوجيههم ورقابتهم العلمية السيكولوجية البعيدة عن الإملاء والتعسف، وعندما يتشوه مفهومه وكيفية قضائه، يعطي نتائج سلبية يصبح من الصعب استدراكها أو علاجها.

وكمثال على بعض النتائج السلبية من كل ذلك، سأعرض هنا مجموعة من الاستنتاجات التي حصلت عليها لدى سؤالي مجموعة من الأطفال واليافعين (ذكوراً وإناثاً)، تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 16 سنة، عن كيفية قضائهم لوقت فراغهم:

 كانت خيارات الفتيان أوسع من خيارات الفتيات، فيما يتعلق بالأنشطة التي يمارسونها، فالفتيان يمارسون نشاطات متعددة مثل العزف على آلة موسيقية، الخروج مع أصدقاء، الالتحاق بدورات ونواد صيفية... بينما اقتصرت أغلب أنشطة الفتيات على مساعدة الأم في المنزل، ومشاهدة التلفاز... وبالتأكيد، هذا التباين يرجع إلى نظرة المجتمع التي ما تزال في أكثر الأماكن والمناطق والشرائح ترى في الفتاة «ضلعاً قاصراً»، مما يجعل إمكانية خروجها خارج المنزل أو بقائها بعيداً عنه لوقت متأخر لممارسة نشاط شخصي أمراً صعباً، وبالتالي تعذر إمكانية مشاركتها أو استفادتها من العديد من النشاطات. كما أن الأعراف المتوارثة والتفرقة بين الذكر والأنثى حتى على مستوى القوانين، منحت الذكر فرصاً أوسع، حيث نجد أن الأهل قد يسمحون للذكر اليافع بالسفر أو حتى النوم خارج المنزل، وهو أمر مستحيل بالنسبة للأنثى اليافعة، وإن كان مسموحاً لدى بعض الشرائح الصغيرة، يكون مقيداً بشروط مثل موافقة ولي أمرها، وبالتالي يتقلص حجم ودور المرأة في المجتمع بشكل عام نتيجة لقلة حيلتها الاجتماعية، وبالتالي ضعف إمكانياتها العلمية والمهنية.

 ارتفعت نسبة من يمارسون نشاط مشاهدة التلفاز واستخدام الحاسوب، ولوحظ أنه نشاط يمارسه معظمهم أثناء المدرسة وفي العطلة الصيفية.. وقد ذكر أحد اليافعين أنه يقضي ما بين 6 إلى 7 ساعات من وقته أمام الحاسوب، علماً أنه يترتب على الممارسة الطويلة لهذا النشاط آثار جسدية ونفسية منها: ضمور بعض العضلات عند الأطفال أو إصابتهم بالسمنة نتيجة قلة الحركة اللعب، الإرهاق الشديد لحاسة البصر، الكسل والخمول الجسدي والعقلي، فيتحول الطفل والمراهق إلى شخص متلق فقط، والأخطر من كل ذلك هو تلك الظاهرة التي أصبحت تنتشر مؤخراً بين صفوف الطلاب والتلاميذ وهي العنف الجسدي، حيث يمارسون على بعضهم البعض صوراً مختلفة من العنف تتمثل بالضرب والعراك والإيذاء الجسدي، وهم يقلدون بذلك شخصيات تلفزيونيه أو شخصيات البرامج الحاسوبية (الأتـاري، Play Station).

كانت بعض الأنشطة التي يمارسها بعض الأطفال واليافعين أثناء المدرسة هي نفسها التي يمارسونها بعد انتهاء المدرسة (كالخروج مع الأصدقاء ـ استخدام الحاسب)، ويدل ذلك على ضيق الخيارات الذي قد يرجع إلى الحالة المادية الضيقة للأهل والتي لا تسمح بانتساب أولادهم إلى نواد وأنشطة صيفية منظمة، وعدم اهتمام المدرسة، وبالتالي المؤسسات المجتمعية الرسمية والأهلية بوقت فراغ الطلاب والتلاميذ، وترك ذلك لجشع المؤسسات الربحية.

 ابتعد جميع الأطفال واليافعين تقريباً، عن اعتبار القراءة نشاطاً يملؤون به وقت فراغهم، فهم إن أرادوا القراءة يجدون صعوبة في الحصول على الكتب من مكتبة المدرسة، وكثيراً ما لا يجدون الكتب التي يريدونها في السوق المحلية أو في مكتبة العائلة( إن وجدت)، وهي وإن توافرت تكون غالية جداً. ويعد هذا عاملاً في تعطيل قدرة الأجيال على التفكير الممنهج والمفتوح، ويوقف النمو العقلي، ويضعف المهارات اللغوية والإبداع..

 بالنسبة لنشاط ممارسة الرياضة، ذكر بعضهم أنهم لا يجدون الأمكنة الرياضية المناسبة من ملاعب ونواد مجهزة في المدرسة.. مبينين حقيقة قائمة وهي أن المدرسة لا تعد مادة الرياضة مادة أساسية أو مهمة، وهم إن أرادوا ممارسة الرياضة خارج المدرسة، لا يجدون إلا الشوارع والطرقات والتي غالباً ما تكون خطرة، كما أن التحاقهم بالنوادي الرياضية يكون مكلفاً، لذلك يفضل الأهل إلحاقهم بدورات دراسية صيفية يستفيدون منها بدلاً من «إضاعة الوقت والمال» في النوادي الرياضية.

كان خيار الخروج مع الأصدقاء، هو أكثر نشاط يمارسه الفتيان اليافعون، ويعتبر هذا النشاط خطراً، فهو لا يخضع لرقابة الأهل أو المدرسة، وقد يقودهم إلى ممارسة أفعال وأنشطة لا تحمد عقباها، وربما ترجع ممارسة هذا النشاط إلى انعدام وجود بدائل أخرى، يقضي فيها هؤلاء اليافعون وقت فراغهم.

خلاصة

إن تضافر جهود كل من الأهل والمدرسة والجهات التربوية للاهتمام بموضوع وقت فراغ أولادنا والاستفادة القصوى منه، أمر ملح وضروري لأهميته لدى الطلبة والتلاميذ والمجتمع، ولاشك أنَّ وضعه تحت رقابة الأهل والمجتمع عبر لغة الحوار والتواصل بين الأهل والأبناء، يتمكن الأهل من مساعدة الأبناء على اختيار أنشطة مناسبة لهم، ويتمكن الأطفال من النمو والتهيؤ للإبداع جسدياً ومعرفياً. وإنه لمن الضروري أن يشارك الأهل أبناءهم ببعض الأنشطة بين الحين والآخر كمشاهدة التلفاز أو استخدام الحاسوب للتعرف على البرامج والمواقع الإلكترونية التي يتصفحها الأبناء، ولا بد من تفعيل دور المدرسة لتساهم في ملء وقت الفراغ، عبر تزويد المدارس بالمرافق والملاعب والمكتبات والأجهزة، وهو ما سيمكن الطلاب من ممارسة أنشطة تكشف هواياتهم وقدراتهم، وتوفّر لهم المتعة والتسلية في الوقت نفسه.

وفي العطلة الانتصافية، يمكن لوزارة التربية أن تأخذ على عاتقها إقامة المعسكرات الترفيهية أو العلمية بأسعار رمزية، تحمي فيها الطلاب من أنشطة غير مرغوبة، وتخفف عبء الضغوط المادية على الأهل من ذوي الدخل المحدود جداً.

وقت الفراغ، أو وقت الأنشطة (وهو الأدق)، فسحة زمنية هامة لتنمية طاقات أولادنا ووضعهم على الدرب السليم المؤدي إلى الارتقاء بالمجتمع..