أقبية صالحة.. للبقاء

أقبية صالحة.. للبقاء

يتحادث اثنان عن حاجيات الحصار القادم، وربما الحرب القادمة كأسوأ سيناريو محتمل قد تتعرض له البلاد، ويعددان ما يمكن أن يكون من سلع (زوادة) للأيام القاسية التي يعيشها المحاصرون، وأساسيات الأسرة عندما تتوقف الحياة عن دورانها الطبيعي، وتتعطل آليات الإنتاج اليومية، ويكون من الصعب المرور من شارع لآخر، أو الذهاب أبعد من شرفة تطل على ما يجري في الخارج.

لا بد من شراء الدواء الضروري لمرضى السكري والقلب، وعبوات الضغط الشرياني، ولا تنسَ بعض مواد الإسعاف الأولية من (شاش ومعقمات).. يقاطعه الآخر بدهشة واهتمام: (علبة دواء أحمر).. لا يكترث شريك الحوار بالمقاطعة، وأهم ما في الأمر أن الأدوية سيرتفع سعرها، وربما (تنقطع)، وحبة الدواء قد يصبح الحصول عليها بحاجة إلى سوق سوداء وعمولات.

يتوقف قليلاً فيقتنص الآخر الفرصة ليروي: والله منذ البارحة بدأت أشتري بعض المعلبات، وكم كيلو رز وعدس وبرغل، وحتى أختك أم فياض أصرت على كرتونة (شعيرية) فهي تحبها مع الرز، بالإضافة إلى علبتين سمنة، و(تنكة أونا) عيار أربعة كيلوات، وزجاجة زيت زيتون، ونصف كيلو زعتر الأسرة رغم أن ماركة الناصر أفضل لكنه مفقود.

طوال العشرين كيلو متراً في السرفيس المتجه إلى بيتي عدّد الرجلان حاجيات البيت المستنفر، وما يجعل العائلة تعيش في ملجأ صالح للموت فقط وخلال أيام قليلة، وهذه المؤونة على مقياس ما يحضّر لاستقبال الأيام الأولى من رمضان، أو الأيام العادية التي تسبق مرحلة الاستدانة بعد أول الشهر،  ولكنها ربما تختلف بإضافة احتياطي الدواء والإسعاف.

أيضاً مر المواطنان سريعاً - والسبب فيما يبدو الملل – على أزمة المازوت والغاز، والكهرباء التي تقنن، وضيق الأحوال والديون، وقانون التقاعد المبكر، وندم أحدهم على أنه لم يضم خدمة العلم، وبعض السنوات في الإسكان العسكري، والراتب التقاعدي القليل الذي سيخرج به، وأنه ربما لا يعيش ليهنأ به ويتمتع، وربما يقضي سنوات ما بعد الخدمة في المشافي، هذا إذا نجا من الموت أثناء الحرب القادمة، وأن «أبو هيثم» كان مريضاً بالسكري، وخرج براتب تقاعدي بنسبة %65، ولكن المسكين (ذبحه) السكري، ومنذ شهر أصابته جلطتان في الدماغ، الأولى أقعدته بالفالج، والثانية قضت عليه.. الله يرحمه... علّق الآخر.

أروي ما دار بين المواطنين لأدلل على ما يدور بين الناس من هواجس لم تعن مسؤولاً، أو على الأقل لم تبادر الحكومة المعنية بأحوالنا على تبديد هذا الخوف، وترك المواطن رهينة للذعر، وأما على الأرض فيبدو أنها مصرّة على أن يعيش فقط هاجس أن يكون وحيداً في مواجهة أية أزمة قادمة، وربما يجد فقط المختار معنياً بتسجيل اسمه في دور المازوت، وأما دوره في الموت فمتروك له وحده أن يقرر متى وكيف وفقاً لهواجسه، وما يتوفر له من معلومات مفتوحة المصادر، وتجعله يطل على أفق أيضاً مفتوح على عدة مصائر.

المواطنون السوريون يعيشون وسط زحام الاحتمالات، موزعين على آفاق عدة، وفي أبسطها حصار طويل وفقدان لأساسيات الحياة وهم يستشعرونه، وفي أعقده حرب قادمة مجهولة النتائج، وبينهما استمرار حالة التردي والحصار لوقت طويل، وهم تحملوا الكثير طوال العقود الماضية، ولكنهم في هذه المرة يرتبون أقبية للعيش.

ما هو من مطلوب الآن من حكومة الدكتور سفر أن تتواصل مع الناس، وأن تتلمس هواجسهم، وأن تكون شفافة في طرح إمكانياتها، وألا تتركهم كالعادة وحيدين في تدبير مصائرهم، وأزمة المازوت والغاز أثبتت أن الحكومة تأخرت في اعترافها بالأزمة، وتأخرت في وضع حلول سريعة لها.