تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
رياح جنيف تفتح باب «الهدنات» للمدن السورية..  برزة / المعضمية.. الطريق «سالك»!!

رياح جنيف تفتح باب «الهدنات» للمدن السورية.. برزة / المعضمية.. الطريق «سالك»!!

أكثر من شهر هو عمر «الهدنة» في حي برزة الدمشقي الذي أنهكته آلة الحرب الدائرة في سورية. يتجمع عدد من أهالي حي برزة الذين بقوا داخل سورية على مدخل حيهم ويتركون سياراتهم مركونة في إحدى الساحات ليتجهوا سيراً على الأقدام إلى داخل حي برزة، حيث يقيم الجيش العربي السوري حاجزاً على مدخل الحي، ويقوم على تدقيق أوراق الداخلين إلى الحي، وبعد أمتار عديدة يقيم المسلحون حاجزاً ثانياً، وهو أيضاً يدقق بهوايات وأوراق المواطنين الداخلين إلى الحي. 

تعود اليوم «أم خالد»، سيدة في الأربعينيات من عمرها، مع زوجها لتفقد ما تبقى من جنى العمر. وتحدثت لـ«قاسيون» عن مدى معاناة عائلتها بحسرة وألم قائلة «أنا وزوجي نعمل موظفين، وكل ما نملكه وضعناه في منزلنا، آخر الأخبار الواردة تقول إن المنزل تلقى ضربتين وهناك غرفتان فقط لم تتضررا، واليوم لا أتأمل خيراً».

عائدون رغم المأساة والرهاب

يمشي «بشير» على مهل وهو عائد من داخل الحي، ويحمل بيده أكياس نايلون. لم تقوى «أم بشير»، سيدة في عقدها الخامس، على الدخول إلى الحي بعد أن هالها مشهد الدمار حيث انهارت تماماً، وبقيت تنتظر عودة ابنها وابنتها اللذين دخلا لجلب بعض الحاجيات من منزلهم حيث خرجوا دون أن يحملوا سوى بعض الملابس.

فقدت «أم بشير» زوجها أثناء القصف الذي تعرض له الحي. واضطرت إلى الإقامة عند أقاربها كونها لا تملك أي دخل، كما أضطر «بشير» ابنها إلى ترك جامعته والعمل كسائق تكسي ليؤمن دخل للعائلة. ابتسامة «بشير» الباردة لم تثلج صدر والدته، التي علمت أن منزلها نهب، فلم يبق من أثاث المنزل سوى بعض الكتب والملابس القليلة. مع ذلك تقول «أم بشير» بكل ثقة وإصرار لـ«قاسيون» ما أن يصبح الوضع مستقراً سوف تعود إلى منزلها حتى ولو جلست على البلاط.

في حين تحدثت «أم عادل» عن الرهاب الذي أصاب عائلتها قائلة «يرفض أبنائي فكرة العودة إلى منزلنا في برزة، حيث لازالت ابنتي ذات العشر سنوات تعاني من حالة خوف شديدة عند سماع أي صوت عنيف، كما أنها فقدت عدداً من رفاقها لذلك لن تعود قبل عودة الجميع». وتضيف أم عادل «أرغب بالعودة كي أخفف القليل من المصاريف حيث ترتب علينا عدد من الديون بعد أن احترق محل زوجي وأصبح من دون عمل وهجرنا من منزلنا، فالمساعدات التي تقدم لنا لا تلبي سوى جزء بسيط من احتياجاتنا والإقامة في منزلنا رغم تعرضه للسرقة يبقى أرحم من دفع الإجار».

هل ستجد الإصلاحات طريقها للتنفيذ؟

كان يقطن في حي برزة الدمشقي قرابة 75 ألف نسمة قبل الأزمة. نزح معظم سكان الحي ولم يبق منهم سوى القليل داخل الحي. وفي الخامس من شهر كانون الثاني 2014 تم التوصل إلى هدنة في حي برزة. بعد اقتتال دام أكثر من سنة ونصف حيث توصلت الأطراف المتنازعة إلى «هدنة» لازالت فعالة.

بلغت الأضرار التي لحقت بالحي ملياري ليرة سورية بشكل تقريبي، بحسب محافظة دمشق. 

«أبو عدنان» واحد من الأشخاص الذين تطوعوا للعمل من لجان الحي، يقول «وعدتنا المحافظة بتأمين معدات لترحيل الأنقاض، كما هناك ورشات صيانة تعمل على إعادة التيار الكهربائي وشبكة المياه والصرف الصحي للحي وأكشاك لبيع الخبز»، ويضيف «بالفعل باشرت بعض الورش عملها لكننا لن ننتهي في وقت قريب، وذلك نظراً لحجم الدمار الحاصل في الحي».

بادرة حسن نية تصبح «هدنة»

تحولت بادرة حسن النية التي أطلقت في 25/12/2013 في مدينة المعضمية إلى هدنة ومن ثم مصالحة. فقد اتفقت الأطراف المتقاتلة في المعضمية على وقف إطلاق النار ثم رفع العلم السوري وإدخال المواد الغذائية إلى المعضمية وإجلاء المرضى والنساء والأطفال إلى خارج المعضمية. 

واليوم تشاهد عدد من العائلات التي قررت العودة إلى منازلها تنتظر عند المدخل الشمالي لبلدة المعضمية، تحمل هذه العائلات حاجياتها بانتظار السماح لها بالدخول إلى داخل البلدة لتفقد ممتلكاتهم.

تقف «أم أمجد» مع بناتها على رصيف مدخل مدينة المعضمية وتقول «خرجنا منذ سنة تقريباً من المعضمية، وأقمنا في مركز للإيواء لكننا تعرضنا لمشاكل كثيرة لذلك اضطررنا أن نستأجر منزلاً في حي جديدة عرطوز المجاور، واليوم نحاول الدخول لرؤية منزلنا وقد أحضرنا أدوات لتنظيف المنزل، حيث أخبرنا الجيران الذين دخلوا قبل أيام إلى الحي أن منزلنا قائم لكنه تعرض للحريق بعد أن نهب وسرقت محتوياته». 

في حين يقول أحد المشرفين على الهدنة في منطقة المعضمية «لم يكن من الممكن إدخال الأهالي إلى داخل الحي قبل التأكد من أن الحي أصبح آمناً، وذلك بعد أخذ تعهدات من الأطراف جميعها بوقف إطلاق النار». ويضيف «نحن نعمل على إزالة الأنقاض ونحاول إعادة التيار الكهربائي بشكل تدريجي وكذلك شبكة المياه وجميع الخدمات. لكن هناك أحياء كاملة تعرضت لدمار شديد ولذلك فإن قاطنيها لن يتمكنوا من العودة قريباً إليها». 

خوف من «القادم»!

يقف عناصر من الجيش العربي السوري على مداخل المدن والبلدات التي شهدت توقيع هدنة أو مصالحات، وتبقى الفصائل المسلحة داخل الأحياء ويؤمن الجيش السوري المداخل والطرقات. 

يقول المواطن «حسام .س»، وهو من سكان برزة، «طالما أن الطرفين اتفقا على وقف القتال لماذا لا يعود كل منهما إلى أماكنهم الصحيحة، حيث يتوجب على المسلحين من غير الجيش العربي السوري إلقاء سلاحهم ويعود الجيش العربي السوري إلى ثكناته، لكن بقاءهما على وضعهما الحالي لا يبعث على الاطمئنان ويبقي الأهالي في حالة تأهب من اندلاع الاشتباكات وتجدد المواجهات».

بدوره تحدث «ساري .ز»، طالب جامعي من سكان المعضمية، عن معاناة عائلته بالنزوح والتنقل وتحمل أعباء المعيشة المرهقة، قائلاً «لقد عانيت كثيراً وعائلتي من كثرة الترحال بين منطقة وأخرى. واليوم لم نعد نستطيع دفع إجار المنزل الذي نقيم فيه، لذلك تعود عائلتي لكنني لن أتمكن من العودة وذلك خشية من تجدد الاشتباكات وانقطاع الطريق، كما أن الأوضاع الأمنية مازالت متوترة، ولن أخسر فرصتي الأخيرة في مواصلة تعليمي الجامعي، بعد أن ضاعت سنتي الماضية دون جدوى نتيجة الأوضاع الأمنية التي كانت سائدة». 

وعود التعويض..!

وتحدث المواطن «أمجد .ن»، من سكان المعضمية، لـ«قاسيون» عن مدى تقاعس وإهمال الجهات المعنية لحالهم رغم الكارثة التي حلت بهم، قائلاً «لم يتبق له من منزله أو منزل ذويه سوى تلة من الركام»، ويضيف «أرغب بالعودة سريعاً إلى الحي الذي ولدت وكبرت فيه، وأتمنى أن أعيد بناء منزلي الذي أخذ مني عمراً حتى بنيته، لكن ما حدث للحي من دمار كبير والأوضاع الأمنية المتقلبة والغلاء يجعلني أتراجع عن أي خطوة أفكر بالقيام بها، خاصة أننا لم نتلق أي تعويض مادي عن الخسائر التي لحقت بنا، والوعود بالتعويض تقول إننا سنحصل على التعويضات بعد عملية الكشف والتقييم للأضرار، والتي ستقوم بها لجان مختصة من محافظة ريف دمشق». 

في حين يقول «أبو أحمد»، وهو موجه لغة عربية من سكان برزة، «أنا غير متفائل مما يجري من هدن ومصالحات»، ويضيف «هذه جميعها عبارة عن خطوات من أجل جنيف، لذلك لن أعود إلى برزة قبل أن أتأكد من أن الأمور عادت إلى مجراها الطبيعي. ولقد أتيت اليوم لإغلاق منزلي كي لا يصبح ملكاً لشخص ثانٍ، حيث يقوم بعض الناس بالإقامة في المنازل الفارغة غير العائدة لهم». 

يرى العديد من المراقبين للوضع الأمني أن ما يحدث على الأرض هو عبارة عن رسائل من الأطراف المتنازعة في سورية يراد بها إيصال صورة جيدة عن تلك الأطراف. فيما يعتبرها البعض خوفاً من توغل الجماعات المتشددة في المحافظات السورية، وبالتالي التصدي لأي تقدم جديد قد تحرزه هذه العناصر.