التسويف لا ينفي المسؤولية!

التسويف لا ينفي المسؤولية!

تسويف جديد لمعالجة تراكمات الاكتتاب على المساكن لدى المؤسسة العامة للإسكان، سيطول 7 أعوام هذه المرة وفق برنامج زمني كـ"خطة" لمعالجة هذه التراكمات ، وأيضاً على حساب المواطنين.

فقد ورد عبر وسائل الإعلام أن مدير عام المؤسسة العامة للإسكان كشف عن برنامج زمني يبدأ العام القادم وينتهي بعام 2024، وذلك على أنه خطة لمعالجة تراكمات الاكتتاب المتعلقة بمساكن مواطنين تأخر إنجازها في مشروعات إسكان الشباب وسكن العاملين في الدولة والبرنامج الحكومي للإسكان وسكن الإدخار وتنفيذ التزاماتها بهذا الخصوص، والتي تستهدف 62794 مسكناً.

لا مسؤولية ولا محاسبة

الكشف أعلاه، وبغض النظر عن طريقة عرضه من قبل المدير العام، فيه اعتراف مبطن وموارب عن تقصير المؤسسة وعدم تنفيذها لالتزاماتها، وعلى الرغم من إدراج عدد المساكن التي تأخر تنفيذها، تفنيداً رقمياً لكل منها حسب تسميته ونوعه، إلا أن مدة التأخر في التنفيذ لم يتم تبيانها في الاعتراف الموارب أعلاه، كما لم يتم عرض أسباب هذا التأخير، وعلى من يقع عاتق ومسؤولية ذلك؟، علماً أن بعض المكتتبين من المواطنين مضى على اكتتابهم أكثر من 13 عاماً حتى الآن ولم يتم تخصيصهم!.

وبحسب الأرقام المعلنة فإن خطة المعالجة تستهدف 39336 مسكناً متراكماً في إسكان الشباب، ومن سكن العاملين في الدولة 12557 مسكناً، ومن البرنامج الحكومي للإسكان 6152 مسكناً، ومن سكن الإدخار تستهدف معالجة 4719 مسكناً، وبقيمة إجمالية تقدر بحوالى 470.5 مليار ليرة.

وعلى هذا المستوى لم يتم تبيان فارق القيمة التقديرية الاجمالية المعلن عنه حالياً مع القيمة التقديرية عند وضع الخطط السابقة بحال تم التقيد بمواعيد تنفيذها المعلنة عند إقرارها، والتي ربما تقدر بعشرات المليارات، وعلى من تقع مسؤولية هذا الفارق الرقمي الكبير؟!.

الحلقة الأضعف

الأسهل، وكما جرت العادة، فإن المواطن هو الحلقة الأضعف في البرامج الحكومية وخططها التنفيذية على مستوى السكن والاسكان، حيث يتم تحميله مسؤولية وأوزار التأخر بالتنفيذ على محورين: 

المحور الأول هو عمر المواطن الذي يتم استنفاذه على قارعة الانتظار واللامبالاة الرسمية بهذا العمر المهدور. 

والمحور الثاني هو ارتفاع التكاليف التقديرية للمشاريع بين الحين والآخر بسبب عدم التقيد بالمواعيد التنفيذية، وكل مرة بذريعة وسبب، والتي تحصد بالنتيجة من جيب هذا المواطن، وعلى حساب معيشته المستنفذة أصلاً، بظل غياب المسائلة والمحاسبة.

فقد ورد من جملة ما تضمنه الكشف أعلاه عن برنامج السنين السبع القادمة، أن المؤسسة اقترحت زيادة القسط الشهري للمكتتبين على مشروعات السكن الشبابي وسكن العاملين في الدولة والبرنامج الحكومي للإسكان والادخار من أجل السكن وباقي المكتتبين الآخرين، علماً بأنها سبق وأن زادت بعض هذه الأقساط في فترات سابقة، كما غيرت من بعض شروط الدفعات.

وعلى هذا المستوى ربما يجب ألا نُغيب دور التجار والسماسرة الذين ينشطوا استغلالاً للمواطنين على هامش عاملي الزمن والتكلفة، ليبدو أخيراً أن رفع السعر وتسويف التنفيذ يصب عملياً بمصلحة هؤلاء بالنتيجة.

خطط الإسكان لمصلحة من؟

ما سبق يثبت أن عشرات الآلاف من المساكن تم الاعتراف بالتأخر بتنفيذها رسمياً، وإن كان بهذا الشكل الموارب، كما يوضح أنه وبكل بساطة من الممكن التهرب من مسؤولية عدم التقيد بمواعيد التنفيذ والتسليم وفق آلية إعادة جدولة المدد الزمنية تسويفاً مكرراً لا يخلو من الذرائعية، كما يؤكد أن حقوق المواطنين مهدورة، ليس على مستوى أعمارهم فقط، بل وعلى مستوى معيشتهم عبر إعادة احتساب التكلفة المرتبطة عملياً بالتأخر في التنفيذ الذي لم يكونوا سبباً به بحال من الأحوال.

وبظل هذا النمط من التسويف الرسمي، وبظل استمرار غياب المحاسبة والمسائلة، ودخول التجار والسماسرة والفاسدين على هامش بعض البرامج السكنية المعلنة، وبعمق بعضها الآخر، نتساءل عن الخطط الحكومية على مستوى دورها بمجال السكن والاسكان، ولمصلحة من بالنتيجة؟

خاصة بعد تسجيل غياب دور الدولة الطويل على حل مشكلة السكن والاسكان منذ عقود طويلة، ما أدى لزيادة تعقيد المشكلة عبر تكاثر العشوائيات، وما أفرزته من تداعيات وسلبيات كان ضحيتها المواطن أولاً وآخراً، وخاصة أيضاً أنه من المفترض أن خطط السكن والاسكان ستكون كبيرة خلال مرحلة إعادة الإعمار القادمة، والترويج للتشاركية بهذا الملف مع القطاع الخاص، المحلي والدولي، يمضي على قدم وساق!.

 

آخر تعديل على الإثنين, 20 تشرين2/نوفمبر 2017 14:10