الانسحابات من "إيكواس" ونهاية ما بعد الكولونيالية في أفريقيا

الانسحابات من "إيكواس" ونهاية ما بعد الكولونيالية في أفريقيا

منذ تغير السلطة الأخير في النيجر في نهاية تموز عندما أعلن جيش النيجر عن عزل الرئيس محمد بازوم من السلطة واعتماد دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا خطة طوارئ للتدخل العسكري في النيجر في أوائل آب، تتابعت سلسلة طويلة من ردود الأفعال في غرب أفريقيا ناجمة بشكل رئيسي عن الصدمة التي تلقاها الغرب بانفراط سبحة أهم منظماته (إيكواس) التي يستخدمها للتحكم بالإقليم.

تعتبر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" منظمة إقليمية تضم 15 دولة في غرب أفريقيا، وتأسست عام 1975 بهدف "تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية في المنطقة".

تمتلك "إيكواس" قوات عسكرية مشتركة تعرف بـ "قوة إيكواس لحفظ السلام" ECOWAS Standby Force، أُنشئت في عام 2004 للحفاظ على السلام وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

تتألف "قوة إيكواس لحفظ السلام" من حوالي 7000 جندي من 15 دولة مختلفة. تتوفر لهذه القوة مجموعة متنوعة من التجهيزات العسكرية، تشمل الدبابات والمركبات المدرعة والمدافع والطائرات.

تعتبر نيجيريا في المرتبة الأولى من حيث قدراتها العسكرية ضمن "إيكواس" تليها غانا ثم مالي ثم النيجر ثم بوركينا فاسو.

وتحت الضغط الفرنسي دعمت دول كنيجيريا وبنين التدخل العسكري في النيجر العام الماضي وأيدت التدخل مبدئياً دول مثل السنغال وساحل العاج، بينما رفضت التدخل مجموعة من الدول أهمها مالي وبوركينا فاسو، ثم انضمت إليها غينيا كوماكري والرأس الأخضر، في الوقت الذي لم تعرب فيه بعض الدول عن موقف صريح مثل غامبيا وليبيريا.

بينما، ومن خارج مجموعة إيكواس، كان لتشاد والجزائر موقف رافض قطعياً لأي تدخل عسكري في النيجر.

وكان موقف نيجيريا، رئيسة المجموعة التي تتشارك حدوداً تزيد عن 1600 كلم مع النيجر، هو الأبرز لتأثرها الكبير بالموقف الفرنسي ولكونها أكبر دول "إيكواس" من حيث قدراتها العسكرية، حيث فرضت عقوبات اقتصادية ومالية مشدّدة على النيجر من خلال المنظمة، لكن نفوذ نيجيريا الكبير هذا لم يساعدها على الحفاظ على وحدة "إيكواس".

ويبدو أن الموقف من التدخل في النيجر كان الصاعق الذي فجر الخلاف ضمن "إيكواس" حيث تتداعى اليوم تلك الكيانات السابقة التي بناها المستعمرون السابقون لأفريقيا، وتستمع الدول يوماً بعد يومٍ بشكل أفضل لنداء مصالحها الوطنية والإقليمية بعيداً عن نفوذ المستعمر السابق مع انخفاض نفوذه، أثناء تغير موازين القوى العالمية الراهن.

إذ قامت غانا بتسريح العسكريين الذين كان من المفترض أن يشاركوا في غزو النيجر في تشرين الثاني الماضي. وقامت إيكواس بتعليق النظر في سيناريو غزو النيجر على لسان عبد الفتاح موسى مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في المجموعة.

ونحت دول إيكواس الرافضة للتدخل وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو إلى إنشاء اتحاد كونفدرالي يمهد إلى وحدة بين الدول الثلاث، إثر اجتماع عقده وزراء خارجية هذه الدول في باماكو في نهاية العام الماضي، وأنشأت الدول الثلاث "تحالف دول الساحل" بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية وتقديم الدعم في حال تعرضت السلامة الإقليمية لإحدى الدول للتهديد.

وأعلنت بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد تأييدها للمبادرة الدولية التي اقترحها المغرب لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي والتي تتيح فرصاً كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها.

فيما أعلنت كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، في الثامن والعشرين من كانون الثاني، انسحابها الفوري من مجموعة "إيكواس" في غربي أفريقيا.

وأصدر زعماء دول الساحل الثلاث بياناً قالوا فيه إن مغادرة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "دون تأخير" هو "قرار سيادي".

وأكدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، انسحاب الدول الثلاث من صفوفها، بعدما هددت هذه الدول مراراً بالانسحاب من مجموعة "إيكواس" على خلفية موقف الأخيرة من الوضع في النيجر.

فيما أعلنت "إيكواس" أنها مستعدة لإيجاد "حل تفاوضي" بعد إعلان الانسحاب، وقالت المجموعة في بيان إن الدول الثلاث "أعضاء مهمون في المجموعة" وأضافت أنها لا تزال تنتظر "إبلاغاً رسمياً ومباشراً" بهذا القرار.

بعد أن قررت باريس إغلاق سفارتها في النيجر بسبب عدم قدرتها على "العمل بشكل طبيعي" على حد تعبيرها، وانسحبت القوات الفرنسية من النيجر بطلب من حكومة النيجر في نهاية العام الماضي. يبدو أن هذا الانقسام الخطير في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، هو المرحلة الأخيرة من انهيار الإمبراطورية الفرنسية ما بعد الكولونيالية في أفريقيا، وهذه ليست مجرد ضربة لفرنسا، كما يكتب الكثيرون.

آخر تعديل على السبت, 03 شباط/فبراير 2024 16:28