تطوّرات النيجر: تمريغ أنف الاستعمار توازياً مع مبادرة سلام

تطوّرات النيجر: تمريغ أنف الاستعمار توازياً مع مبادرة سلام

أعلن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، عن مبادرة جزائرية مقترحة لحل الأزمة في النيجر، من 6 نقاط تشمل فترة انتقالية لمدة 6 أشهر لاستعادة النظام الدستوري بقيادة شخصية توافقية وتغليب الخيار السلمي والحل السياسي بمشاورات بين جميع الأطراف، ورفض الخيارات العسكرية أو الحرب الأهلية. ويأتي ذلك في وقت يميل فيه ميزان القوى العالمي والإقليمي في القارة السمراء أيضاً ضدّ الغرب الاستعماري وخاصةً قوته التقليدية هناك، فرنسا، التي يبدو أن عنادها ينقلب ضدّها وتمريغاً لأنفها على الأقل عبر تطوّرين مهمّين مؤخراً: رفع الحصانة عن سفيرها في النيجر والاستعداد لطرده بعد رفضها سحبه من البلاد، وإجبارها على التفاوض مع النيجر لسحب قواتها ولو جزئياً على الأقل في الوقت الراهن.

من الواضح أنّ مبادرة الجزائر إضافة إلى أنها تعكس وزن هذا البلد العربي الإفريقي المهم ودوره، فإنها تنطلق أيضاً من مصالحها الوطنية في تقليل احتمالات المزيد من المخاطر التي تحيط بها وقد تصيب المنطقة وتصيبها، فيما عبر عنه وزير خارجيتها بأنّها «حذّرت أشقاءها في المنطقة من مغبة تغليب منطق القوة على منطق الحل السياسي، وشدد على أنه من المجازفة تغذية صراعٍ طائفي يلوح في الأفق، والدفع بجحافل النيجريين إلى النزوح والهجر وخلق بؤرة صراع جديدة في المنطقة، مما سيفتح الباب أمام الإرهاب والجريمة المنظمة».

رغم أن التاريخ له حسابات تختلف عن حسابات «الدول» و«شرعياتها» وأنّ الصراع مع الاستعمار تحديداً كثيراً ما لا يتخذ شكلاً «سلمياً»، لكن بالنسبة لمبادرة الدولة الجزائرية كان طبيعياً أن ترفض المنطق «الانقلابي»، ولكنها تختلف بالوقت نفسه مع منطق «القوة» على المقلب الآخر، أي تختلف عن سلوك دول «إيكواس»، على الأقل بموقفها الأولي «الحربجي» المتشدد – التي يبدو أنها تتراجع جزئياً عنها الآن – والطروحات الغربية التي لوّحت لعدوان العسكري على النيجر وأخذت تحشد له، والتي هي سلوكيات تابعة لفرنسا الاستعمارية التاريخية ومصالحها.

وجاءت مبادرة الجزائر بعد جولة قام بها وزير خارجيتها لعدة بلدان إفريقية بما فيها النيجر نفسها، وقال إنّ معظم الدول التي تم التشاور معها ترفض التدخل العسكري في النيجر، وأنّ الجزائر ستبدأ اتصالات مع كل الأطراف الداعمة لحل الأزمة السياسية، بما فيها داخل النيجر وثانياً الإيكواس ومحيط النيجر. وتنص المبادرة أيضاً على إدانة ورفض التغيير غير الدستوري في النيجر تماشياً مع مقتضيات الإطار القانوني الإفريقي، والمطالبة بالعودة للنظام الدستوري واحترام المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

تطورات معاكسة لمصالح الاستعمار

في أحدث التطورات، حتى الخامس من أيلول الجاري، صرّح رئيس وزراء النيجر، علي محمد الأمين زين، بأنّ المناقشات مع «إيكواس» تسير في الاتجاه الصحيح. وربما يعكس ذلك ميزان القوى الإقليمي والدولي الذيّ يضيّق الخناق على مشروع العدوان العسكري والبقاء الاستعماري في النيجر.

وخاصة مع اتخاذ عدة دول في الجوار مواقف محدّدة، فتشاد رفضت التدخل العسكري. ومالي وبوركينا فاسو سبق أن أعلنت في وقت باكر بعد الانقلاب، أنّ العدوان على النيجر هو عدوان عليها وبادرت بالاستعداد للدعم العسكري للمجلس العسكري الجديد فيها. كذلك يتصاعد الموقف الشعبي النيجري احتجاجات ضد الوجود الفرنسي الاستعماري في بلادهم والمطالبة بانسحاب القوات، فضلاً عن إشارات الصداقة لروسيا ورفع أعلامها بالنظر إليها كدولة صديقة.

تمريغ الأنف الاستعماري الفرنسي

أفادت صحيفة لوموند الفرنسية الثلاثاء 5 أيلول 2023، نقلاً عن مصادر فرنسية «مطلعة» بأن المناقشات بدأت بشأن سحب جزء من القوات الفرنسية في النيجر. رغم أن فرنسا ما تزال تصر حتى الآن على عدم الاعتراف بالسلطات الجديدة في البلاد وتدعو إلى إعادة الرئيس المعزول الموالي لها محمد بازوم إلى السلطة.

ورغم التأطير الإعلامي للحدث من جانب الصحيفة الفرنسية إيحاءً بأنّ القوة الاستعمارية «تحفظ ماء وجهها» لأنها تجري مباحثات مع «جيش النيجر» وليس مع «المجلس العسكري الانقلابي»، ومن أجل «تسهيل حركة الأصول العسكرية الفرنسية المجمدة منذ تعليق التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب» – لكن هذا لا يغيّر من حقيقة أنّ مجرّد إجبار فرنسا على سحب قواتها، ولو جزئياً في الوقت الراهن، هو كسرٌ جديد لأنفها الاستعماري المتعجرف في إفريقيا. وجاء تأكيد لذلك من الجانب النيجيري، بتصريح رئيس الوزراء المعيّن من المجلس العسكري في النيجر محمد الأمين زين، الإثنين 4 أيلول، بأن هناك «مباحثات جارية لانسحاب القوات الفرنسية»، وأضاف أيضاً بأنّ «انسحاب القوات الفرنسية من النيجر سيكون سريعاً».

يضاف إلى ذلك قيام سلطات النيجر الجديدة، وردّاً على العناد والعدوانية الفرنسية، بتجريد السفير الفرنسي من حصانته الدبلوماسية هو وعائلته، مع أنباء عن احتجازه أو اعتقاله في مقر إقامته بالعاصمة نيامي، والأكيد أنه تم إصدار قرار من القضاء النيجيري بطرده بعد تعنّت بلاده التي رفضت سحبه «بالتي هي أحسن».