الصفقة الهندية-الإماراتية خطوة في المسار العالَمي لتحطيم أنياب الدولار

الصفقة الهندية-الإماراتية خطوة في المسار العالَمي لتحطيم أنياب الدولار

أجرت الهند والإمارات العربية المتحدة في الرابع عشر من آب الجاري أوّل صفقة نفطية بينهما بالعملات المحلّية ولا مكان للدولار فيها. حيث دفعت شركة تكرير النفط الهندية (IOC.NS) بالروبية الهندية لشراء مليون برميل نفط من شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك). وذلك في أعقاب صفقةٍ مماثلة باع فيها أحد المصدّرين الإماراتيين 25 كيلوغراماً من الذهب إلى مشترٍ هنديّ مقابل 128.4 مليون روبية (1.54 مليون دولار تقريباً).

تأتي الصفقة تنفيذاً لاتفاقية رسمية هندية-إماراتية أبرمها البلدان في وقت سابقٍ من شهر تموز الماضي للتسويات التجارية الثنائية بالروبية، عوضاً عن الدولار الذي لطالما كان هو المهيمن والرابح الأكبر في شكله كـ«بترودولار» على حساب كلّ المنتجين والمستهلكين غير الأمريكيين، في إطار هيمنته على منظومات «التبادل اللامتكافئ» في التجارة الدولية.

ومن المتوقع أن تقلل هذه الخطوة الاستراتيجية بشكل كبير التكاليف الإضافية للمعاملات من خلال إلغاء الحاجة للتحويل إلى دولار.

وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قام بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث اتفقت الدولتان على إنشاء بوابةٍ تتيح الدفع في الوقت الفعلي، بهدف تبسيط التحويلات المالية عبر الحدود.

وأعلن وزير التجارة الهندي أنّ كلا البلدين اتفقا على تعزيز التجارة الثنائية غير البترولية أيضاً لتصل إلى ما يعادل 100 مليار دولار بحلول عام 2030، بعد أن سجلت التجارة الثنائية لعام 2022 مبلغاً قدرهُ 84.5 مليار دولار. وكان حجم التجارة الثنائية بين الهند والإمارات بلغ 1.41 تريليون درهم في 10 سنوات.

وكان الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحث مع مودي خلال زيارته لأبوظبي «تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين»، وشهدا «تبادل مذكرات تفاهم بشأن اتفاق البلدين على التبادل التجاري بالعملتين المحليتين (الدرهم والروبية)، والذي يمثل دفعة قوية لحركة التجارة بين البلدين»، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإمارتية الرسمية (وام).

وفي السياق نفسه أشار البنك المركزي الهندي، في بيان، إلى أنّ «بنك الاحتياطي الهندي والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة وقّعا مذكّرتَي تفاهم في أبو ظبي، من أجل إنشاء إطار لتعزيز استخدام الروبية الهندية والدرهم الإماراتي في المعاملات عبر الحدود، والتعاون لربط أنظمة الدفع والرسائل الخاصة بهما». وأضاف البيان أنّ «إنشاء نظام تسوية العملات المحلية من شأنه أن يمكّن المصدرين والمستوردين من إصدار الفواتير والدفع بعملاتهم المحلية، الأمر الذي سيتيح بدوره تطوير سوق صرف العملات الأجنبية بالروبية الهندية والدرهم الإماراتي».

ثورة ضدّ الدولار

اكتسبت عمليّات «نزع الدولرة» زخماً مؤخّراً، حيث بدأت الكثير من الدول التي تريد تحقيق استقلالية عن البطش والنهب الأمريكي بالبحث عن مخارج وبدائل تجنّبها أضرار العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على كثير من البلدان؛ إمّا لأنّ حكوماتها لا تلتزم بتنفيذ الإملاءات الأمريكية (والتي جزء منها يمرَّر عبر مؤسساتٍ كصندوق النقد والبنك الدّوليَّين)، أو لأغراض التخريب والتدمير اقتصادياً وسياسياً.

ومؤخَّراً أعلنت دول البريكس، والتي تضمّ حتى الآن البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، عزمها إنشاء عملةٍ خاصة بالتكتل، وهي من الأمور الأساسية المطروحة على جدول أعمال قمّتها بين 22 و24 آب الجاري في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا. هذا إضافة إلى تقدّم أكثر من 20 دولة بطلبات الانضمام للتكتل 20، من بينها الإمارات، مما قد يشيرُ إلى اقتراب الدول المؤسسة من تحقيق أهدافها المتمثلة بمنافسة مجموعة السبع وقلب الموازين الاقتصادية والسياسية ونزع الدولرة.

تأتي هذه الخطوة الهندية-الإماراتية في سياق سلسلة من الخطوات التي تتقدم بثبات في العالم الجديد الذي يتشكل فيما بعد عصر الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم، ولا شكّ أنّ خطوات كهذه تمهيدية وتعطي إشارات قوية قبل قمة بريكس التي تنعقد في جنوب إفريقيا في ظل ظرف دولي معقّد في ظلّ التوترات بين واشنطن والناتو من جهة وبين روسيا، وخاصة عقب الحرب في أوكرانيا، وكذلك العملاق الاقتصادي الصيني. ولا شك أن أنياب العقوبات الأمريكية ستتلقّى ضربة أشدّ إيلاماً قد تحطّمها أو تقتلعها نهائياً بعد أن يأخذ مسار استبدال الدولار عالمياً الوقت والزخم الكافيين نحو عالمٍ أكثر عدالة.

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 آب/أغسطس 2023 17:40