الرياض: أهلاً وسهلاً بايدن لكن مصالحنا أولاً!

الرياض: أهلاً وسهلاً بايدن لكن مصالحنا أولاً!

بعد كثير من التحليلات والتكهنات لم تعد مسألة زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية محط شكوك، بل جرى الإعلان عن موعدها رسمياً في منتصف شهر تموز القادم. وتأكيدها لا يعني على الإطلاق توقف الحديث حولها، بل على العكس تماماً، فبايدن الذي وعد بتحويل السعودية إلى مكان معزول، يتراجع عن وعوده تحت تأثير التغيرات العالمية العاصفة، فما الذي يمكن توقعه من هذه الزيارة؟

شكّل الإعلان الرسمي عن هذه الزيارة تطوراً طبيعياً لجملة من الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية الحالية، فلدى المملكة السعودية بعض المفاتيح التي من شأنها تنفيس بعض الضغوط التي تتعرض لها واشنطن،  ولكن الرئيس جو بايدن والذي كان تعهد بمعاقبة السعودية بسبب قضية مقتل جمال خاشقجي ووعد بعزل السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان، وجد نفسه مضطراً لتنفيذ التفافة في الاتجاه المعاكس وهو ما خلق ذريعة بالنسبة لخصومه في الداخل فهاجم بعضهم الزيارة ووضع البعض الآخر جملة من المطالب التي تفرض بنوداً محددةً على جدول أعمال الرئيس، مثل طرح قضايا حقوق الإنسان ومقتل جمال خاشقجي، على العلن وأمام وسائل الإعلام لما يشكله هذا من ضغط على السعودية، وهو السلوك الذي لا ينسجم مع جوهر الزيارة الهادف إلى ردم الهوة الكبيرة التي تشكلت بين البلدين في السنوات السابقة.

ما الذي تريده واشنطن؟

يسود رأي في أواسط بعض المحللين السياسيين يفيد بأن الهدف الأساسي من زيارة بايدن هو الضغط على السعودية لتضخ كمية كبيرة من الاحتياط النفطي الذي تملكه في السوق أملاً في خفض النفط، والتي باتت مشكلة كبرى بالنسبة للمستهلكين الأساسيين للطاقة وتعتبر أحد الأسباب الأساسية التي تهدد شعبية الرئيس بايدن في داخل الولايات المتحدة بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار. لكن هذه المسألة ورغم أهميتها لا تكفي لتفسير الدافع وراء هذه الزيارة، فمشكلة واشنطن الآن أنها تحتاج لإعادة جذب القوى المؤثرة إلى جانبها في الصراع الدولي الدائر، وتعد مسألة إنتاج الطاقة مسألة استراتيجية وتحتاج واشنطن لأن تكون قادرة على التحكم في هذه العملية على مستوى العالم، والسعودية كانت اليد اليمنى للولايات المتحدة في هذه المسألة كونها أحد أهم المنتجين وتملك تأثيراً واسعاً داخل منظمة أوبك. لكن السعودية بدأت تنتهج سياسة أكثر استقلالية تبنى في جوهرها على التراجع الأمريكي، ولذلك وجدت فرصاً لبناء شراكات جديدة قائمة على المنفعة المتبادلة مع القوى الصاعدة، وشكّلت صيغة أوبك + (مجموعة دول أوبك بالإضافة إلى روسيا) مسماراً جديداً في نعش الهيمنة الأمريكية على أسواق الطاقة. وشكّل هذا التنسيق بين موسكو والرياض استفزازاً لواشنطن في عدد من المناسبات كونه خاضع لمتطلبات السوق ومصالح المنتجين ولا يأخذ بعين الاعتبار إملاءات واشنطن التي تصاغ على أساس مصالحها وسياساتها الخارجية المسمومة.

في مقال نشرته واشنطن بوست للصحفي ديفيد إغناتيوس، والذي استغل هذه الزيارة لتذكير قرائه بمعنى "السياسية الواقعية" والتي تستند إلى القوة لا إلى المُثل والمبادئ، إغناتيوس حاول إيجاز ما تريده واشنطن، فقال إنه بات من المرجح أن يحكم بن سلمان السعودية لعقود قادمة، ولدى واشنطن مصالح أمنية ومالية تدفعها للحفاظ على شراكتها الطويلة مع السعودية. وأشار أيضاً أنه بالإضافة إلى كون السعودية حليفاً في الجهود المشتركة لاحتواء أعمال إيران، برزت على الساحة عوامل جديد مثل حاجة بايدن للسعودية في مواجهة روسيا، وضرورة دفع السعودية للتوقيع على اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أن الكاتب استبعد حدوث هذا قريباً.

على ماذا ستحصل واشنطن؟

في جوابه على السؤال الأكبر "ما الذي ستحصل عليه إدارة بايدن في مقابل جلستها مع محمد بن سلمان؟"يقدم ديفيد إغناتيوس المقرب من النخب السياسية في واشنطن وابن السياسي الأمريكي المعروف بول إغناتيوس الرئيس السابق لجريدة واشنطن بوست، ووزير للبحرية الأمريكية ونائب وزير الدفاع الأمريكي في ستينيات القرن الماضي. يقدم جواباً مقتضباً وهو: "أن تنفصل المملكة عن روسيا فيما يسمى كارتل منتجي أوبك بلس - وتوافق على إنتاج المزيد من النفط ودعم زيادة إنتاج مماثلة من قبل الإمارات العربية المتحدة. من شأن ذلك أن يخفف أسعار النفط ويعزز الاقتصاد العالمي ويقوض روسيا دفعة واحدة - مما يمنح بايدن دفعة يحتاج إليها بشدة".

أي أن أمل واشنطن النهائي لا ينحصر في خفض الأسعار فحسب، بل يهدف إلى إيقاف الاستدارة السعودية وعكس اتجاهها مرة أخرى، لتتحول إلى مواجهة مفتوحة مع روسيا وهو ما سيحقق نتائج عرضية أخرى مطلوبة بالنسبة لواشنطن فإلى جانب خفض الأسعار، يمكن إنهاء صيغة أوبك+ بل وتهديد صيغة أوبك نفسها وتحويلها إلى شكل جديد ملائم لمصالح واشنطن اليوم.

ماذا عن الرياض؟

يستطيع المراقب البسيط لسلوك السعودية أن يستنتج أن المملكة لا ترى نفسها مضطرة لتقديم تنازلات كبرى، فهي تدرك حجم المأزق الأمريكي وتدرك أن واشنطن هي المبادر لتحسين العلاقات، ومع ذلك ترى السعودية أنها قادرة على تحقيق بعض المكاسب ولكنها لا تبدي حماسة لتقديم تنازلات، ففي مسألة ضخ كميات إضافية في السوق أعلنت صيغة أوبك+ عن زيادة إنتاج شهر تموز بمقدار 648 ألف برميل يومياً، بدلاً من 432 ألف برميل يومياً جرى تحديدها في الأشهر السابقة في اتفاق داخل أوبك+ ، أي أن حجم الزيادة لا يكاد يذكر أمام المطلوب أمريكياً. لا بل إن المقال الذي نشره الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، وسفير سابق للرياض في لندن وواشنطن، لا يترك مجالاً للشك حول طبيعة الموقف السعودي من هذه الزيارة وما رافقها. فالفيصل أكد أن المصالح هي التي دفعت الرؤساء الأمريكيين السابقين لبناء علاقات مع المملكة، وأشار إلى أن الرياض ترى استقبال الرئيس من منظار الفوائد التي قد تعود عليها من هذه العلاقة، أي أن الرياض تبحث عن تبادل للمنفعة لا تقديم خدمات مجانية لواشنطن، وذكر على وجه التحديد بعض المسائل التي تلخص مخاوف السعودية مثل إيران والتطورات في اليمن والمسائل التي ترى الرياض أن واشنطن لا تأخذ فيها مصالح السعودية بعين الاعتبار عند رسم السياسات الأمريكية. الفيصل لم يكتف بهذا القدر بل قال إن بايدن هو من يسعى من خلال لقائه مع ولي العهد السعودي لدعم شرعيته، لا العكس، وخصص نصف مقاله المنشور في (Arab news) للحديث عن الجرائم وانتهاكات واشنطن في معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب وغيرها من الجرائم، لا بل إن عنوان مقاله المشار إليه كان المثل الشعبي المعروف: "من يسكنون بيوتاً من زجاج يجب ألا يرموا الحجارة"، لينهي مقاله بعبارات مدروسة: "أنا متأكد من أن الرئيس بايدن، إذا نزل أخيراً على الأراضي السعودية، سيحصل على كل التكريمات المستحقة التي مُنحت لجميع الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين غادروا هنا. لذلك نقول أهلاً وسهلاً أي (أهلاً بك) سيادة الرئيس".

في الختام

أعدت السعودية لهذه القمة جيداً، ويتضمن جدول أعمالها حضور بايدن لقمة مشتركة بناءً على دعوة سعودية تجمع كل دول مجلس التعاون الخليجي، والملك الأردني والرئيس المصري ورئيس الوزراء العراقي، الخطوة التي أشارت إليها بعض الصحف السعودية بوصفها دليلاً على مكانة السعودية وحجم تأثيرها في المنطقة والذي تستخدمه السعودية هذه المرة كإضافة لوزنها في مقابل واشنطن، فالسعودية لا تظهر أي استعداد للتفريط في مصالحها مجدداً، وعلى الرغم من ترحيبها بالرئيس الأمريكي إلا أنها عازمة على وضع مصالحها هدفاً أساسياً لهذه المشاورات مما يعني، إذا حصل فعلاً, خيبة أمريكية كبرى، وفشلاً جديداً في حشد الدول إلى جانبها في الصراع العالمي الحالي مما يعني إما حيادهم أو انخراطهم في المعسكر المقابل وهما احتمالان سيئان بالنسبة للولايات المتحدة.