ما الذي يعينه انتهاء «حظر السلاح» على إيران؟

ما الذي يعينه انتهاء «حظر السلاح» على إيران؟

انتهى قبل أيام مفعول قرار حظر شراء وبيع الأسلحة على إيران المُطبق منذ عام 2007 من قبل مجلس الأمن الدولي وفقاً للقرار رقم 2231 من ذلك العام، بعد تعديلات أدخلت عليه في اجتماع 5+1 مع إيران عام 2015 والذي خرج عنه ما بات يُعرف بـ«الاتفاق النووي الإيراني» حيث أقر في حينه رفع الحظر بعد 5 سنوات من توقيع الاتفاق.

رغم أهمية ما يعنيه رفع الحظر على إيران الآن بتمكنها قانونياً من شراء وبيع الأسلحة، إلا أن هذا التفصيل يُعد ثانوياً أمام جوهر الحدث؛ فقد جرى كسر هذا الحظر رغماً عن إرادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب أن الاتفاق النووي ككل، ومن حيث الأساس، كان قد سجل بداية لكسر علاقات التبادل اللامتكافئ بين دول المركز والأطراف في مسألة شديدة الأهمية: (الطاقة). إضافةً إلى جملة من القضايا الأخرى الداخلة أو المرتبطة مع تطور الملف النووي الإيراني: عزلة الولايات المتحدة الأمريكية – مشروعية النووي السلمي والتسلح الإيراني بمقابل عدم مشروعية العقوبات الأمريكية.

تتويج لصراع طويل

خاضت إيران صراعاً طويلاً ومريراً بالمعنى الدولي لانتزاع حقها في تخصيب اليورانيوم وتشغيل مفاعلاتها لإنتاج الطاقة النووية، ورغم محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إفشال وتفكيك المشروع النووي الإيراني طيلة سنين وعقود، إلا أن طهران ناورت وقاومت وصولاً إلى نشوء اللحظة التاريخية التي لم يعد بها الغرب قادراً على خنق طهران بسبب أزمته وتراجعه، وبفعل بروز قوى دولية جديدة بسياسات تؤمن وتدفع باتجاه حق الشعوب بتقرير مصيرها وإدارة شؤونها بنفسها فعلاً لا قولاً، ليتوّج الأمر بالنسبة لطهران باتفاق عام 2015 الذي لم تستطع الولايات المتحدة إعاقته.

مع تعاظم مفاعيل الأزمة الرأسمالية وتراجع الولايات المتحدة الأمريكية، التي جاء تيار ترامب معبراً عنها، أعلنت واشنطن في عام 2018 انسحابها بشكلٍ أحادي من الاتفاق، وسط انتقادات كبرى لها من قبل إيران وروسيا والصين، بالإضافة إلى حلفائها الأوروبيين التاريخيين، ليستمر سريان العمل بالاتفاق رغم بعض التصعيدات العابرة، وتزامن هذا الانسحاب مع جملة من الانسحابات الأمريكية الأخرى المماثلة بشكلٍ أحادي من عدة اتفاقيات والتزامات دولية، مما جعل واشنطن أكثر عزلة دولياً.

وصولاً إلى العام الجاري حين ظنّ الأمريكيون أن بإمكانهم تمديد حظر السلاح على إيران، لتجري المهزلة الأمريكية في مجلس الأمن حين رُفض مشروع قرارها -رغم تأييده من قبل جمهورية الدومينيكان- بعد رفض روسيا والصين له وامتناع «حلفائها» الأوروبيين عن التصويت.

عمدت واشنطن بعد ذلك إلى فرض عقوبات أحادية على إيران، بما يشكل خرقاً فاضحاً للاتفاق النووي ومخالفة للقرار الدولي 2231، واضعةً نفسها لا خارج الشرعية الدولية فحسب، بل وفي عزلة تامة (سبق لواشنطن أن تجاوزت الشرعية الدولية مراراً وتكراراً، ولكنها كانت تجد لنفسها في كل مرة دولة أو أكثر من أعضاء مجلس الأمن نفسه، وعدداً غير قليل من الدول خارج مجلس الأمن، تقف بجانبها)... هذا التغيّر وحده بين المخالف/والمشروع، المعزول/ والمنخرط ضمن تحالفات، بات يضع أساساً قانونياً بالنسبة لإيران وحلفائها نحو مزيدٍ من التقدم، وبشكلٍ متسارع.

نحو اتفاق جديد؟

تروج واشنطن الآن عبر تصعيدها، أنها تريد الوصول إلى اتفاقٍ جديد مع طهران (أكثر عدلاً!)، وحقيقة الأمر هي أنّ آلية التصعيد والعقوبات الأمريكية، ليس اتجاه إيران فحسب، بل اتجاه العالم بأسره، باتت واضحة في جوهرها أنها ليست أكثر من معاندة لعقارب الساعة التاريخية، وعمل مقصود لمحاولة إبطاء سيرها الحثيث نحو عالم غير أمريكي...

المعادلات الجديدة بالنسبة لطهران لم تعد كما السابق، والمعادلة الأهم هي معادلة التوازن الدولي نفسه، ما جعل ردها واضحاً اتجاه واشنطن في بيان خارجيتها: «على واشنطن العودة إلى الامتثال الكامل بالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، ووقف الأعمال المخالفة للقانون الدولي وتجاهل النظام الدولي».

دلالات عامة

إنّ رفع الحظر له دلالات أوسع من عنوانه وحدوده الإيرانية، لعل أهمها هو ما يتعلق بتمكن «دولة من دول الأطراف» من كسر الهيمنة الغربية والأمريكية، بعد عقودٍ من تزعّم الولايات المتحدة للعالم في الميزان الدولي القديم. وإذا كان توقيع الاتفاق النووي عام 2015 هو فاتحة كسر العلاقة المعهودة بين المراكز الرأسمالية «المتقدمة والقوية» والأطراف «المتخلفة - الهشة -التابعة»، فإنّ رفع الحظر هو تثبيت تلك الفاتحة وتوسيع الأفق أمامها تمهيداً لتعميمها على دول الأطراف.

لا بد من التأكيد على أن آلية «التبادل اللامتكافئ» بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية اتجاه باقي دول العالم لم ولن تختفي من سياساتها إلا بزوال المنظومة العالمية التي تسمح بهذه الآلية، وكلمة سر تلك المنظومة ليس إلا الدولار نفسه وجملة المؤسسات والقوانين والأنظمة الدولية التي تثبته كعملة عالمية، وتلك مهمة أكبر بكثير من الاتفاق النووي الإيراني أو من رفع حظر السلاح... ولكن ذلك لا يقلل من قيمة هذين الأخيرين، بل يضعهما في سياقهما الصحيح بالمعنى الاستراتيجي

بما يتعلق بمنطقتنا، فإن نجاح إيران بتجاوز حظر السلاح، وبدعم واضح من حلفائها الدوليين، والذي جاء متزامناً مع الانسحابات الغربية والأمريكية خاصةً سواء المباشرة بالمعنى العسكري، أو غير المباشرة بمعنى تراجع النفوذ السياسي، كل ذلك بمجموعه يشكل تهديداً غير مسبوق بالنسبة لتل أبيب وكل من «يغازلها»؛ فبينما يسعى الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة للترويج إلى أحلاف جديدة في المنطقة وعبر «صفقة القرن»، وعبر طنطنة إعلامية مضخمة تحاول أن تجعل من الفأر جبلاً... فإنّ كسر إرادة واشنطن بما يتعلق بإيران بالذات، وبالتعاون الواضح مع روسيا والصين، يشكل فعلاً واقعياً ملموساً أكبر بما لا يقاس من «الصفقة» التي لم يبق منها سوى استعراضات بهلوانية بائسة...