جنيف: عراك سياسي أميركي ـ روسي

جنيف: عراك سياسي أميركي ـ روسي

المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي في عراء ديبلوماسي، من دون غطاء أميركي - روسي لمتابعة السير على "جنيف 1".

لم تفلح المحاولة الإبراهيمية لجر الروس والأميركيين إلى احترام تعهداتهم، وتقديم خدماتهم كل مع حليفه، لإنقاذ "جنيف ١". اكتشف الوسيط الدولي أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان ونائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، يشبهان كثيرا في خطابهما، ما يقوله رئيس وفد "الائتلاف" هادي البحرة، أو رئيس الوفد الحكومي السوري بشار الجعفري.

الاستنجاد بالروسي والأميركي لم يكن فكرة موفقة. وبحسب مصادر ديبلوماسية فقد تحول الاجتماع الثلاثي، بين الإبراهيمي وغاتيلوف وشيرمان، إلى عراك شبيه بكل عراك تشهده الاجتماعات السورية. وواجه الإبراهيمي المصاعب نفسها لإيجاد أرضية مشتركة بين الروس والأميركيين، الذين وقف كل منهم عند خط تماس وخندق حليفه، "الائتلافي" لدى شيرمان، والحكومي لدى غاتيلوف.

وخلال الاجتماع الذي دام ساعتين طويلتين، لم يتوقف الروس والأميركيون عن الدفاع عن مواقف حلفائهم، بدلا من التوافق على وساطة تعين الإبراهيمي، وتستجيب لطلبه الضغط على الطرفين السوريين لتقديم تنازلات، لا بد منها للتفاوض. فركزت شيرمان على أولوية البحث بـ"هيئة الحكم الانتقالية" وآلياتها، ودافعت عن وجهة نظر "الائتلافيين"، باللغة نفسها التي يدافع بها أعضاء الوفد "الائتلافي" عن مواقفه. وحملت الطرف الحكومي والروسي المسؤولية عن إخفاق الإبراهيمي في العثور على مدخل، لا يزال بعيدا عن مفاوضات جدية.

ودافع غاتيلوف عن موقف الحكومة السورية، وصواب موقفها بضرورة مباشرة المفاوضات بترتيب تسلسلي، بدءا من البحث بوقف العنف ومكافحة الإرهاب. وحمل "الائتلافيين" والأميركيين مسؤولية الطريق المسدود الذي وصلت المفاوضات إليه.

وقال مصدر ديبلوماسي إن الإبراهيمي محبط من إقناع الراعيين بالتصرف كقوى دولية صاحبة المبادرة إلى جنيف. وتحول النقاش إلى مواجهة بين الإبراهيمي ومعه شيرمان من جهة، وغاتيلوف من جهة أخرى.

وعبر الروس عن استيائهم من تدخل الإبراهيمي، وخروجه من موقع الحيادي المفترض، وابلغ احدهم السوريين عن تحدثه "بتعال" عن أداء الوفد الحكومي السوري. وقال مصدر روسي إن الإبراهيمي انضم إلى الأميركيين واتهم بشار الجعفري بتحمل المسؤولية عن فشل الجولة الثانية، بسبب إصرار الجعفري على عدم البحث بأي بند من جدول الأعمال الذي تقدم به المبعوث الأممي، إلا بند وقف العنف ومكافحة الإرهاب.

وأجاب غاتيلوف انه لا يرى أولوية أهم واكبر من التحدث ببند مكافحة الإرهاب حاليا. وردت شيرمان بالقول إن البحث بالحكومة الانتقالية يبرهن عن الجدية في تناول المفاوضات والسير بالعملية السياسية. وقال غاتيلوف، لمحادثيه شيرمان والإبراهيمي، إن النافذة تضيق، والوقت يضيع، ويزداد التوتر خلال هذا الوقت، ليس في سوريا وحدها، وإنما في المنطقة بأسرها.

ورفض غاتيلوف عرضا من شيرمان بالدخول اليوم إلى جلسة مشتركة بين الوفدين السوريين والإبراهيمي، لممارسة ضغوط مباشرة، والتدخل في المفاوضات خلال الجلسة. وقال غاتيلوف انه من غير المقبول الدخول على اجتماع سوري ـ سوري، كما أن "جنيف 1" لا ينص على ذلك، وهو تصرف يمس بالسيادة السورية، التي لا يمكن تجاوزها.

وقال مصدر ديبلوماسي إن الإبراهيمي اضطر إلى وقف الاجتماع، ورفع الجلسة بعد تصاعد الخلافات بين الأميركيين والروس، وتحولها من جلسة لطلب وساطتهما، إلى جلسة عاصفة اضطرت الإبراهيمي إلى التوسط بينهما. وطلب المبعوث الأممي من الطرفين الاتصال بـ"الائتلاف" والحكوميين لإقناعهم بالبقاء على تعهداتهم بمواصلة المفاوضات، شريطة العودة إليها بنيات صادقة، لطرح موضوعي وقف العنف وهيئة الحكم الانتقالي، بطريقة متزامنة، وان ينخرطوا في العملية بطريقة جدية.

وقال الإبراهيمي، في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع الثلاثي، "قدمت لهما تقريرا مفصلا حول المباحثات التي أجريناها، وما زلنا نجريها مع الطرفين السوريين، وجددا تأكيد دعمهما ووعدا بالمساعدة هنا وفي عاصمتيهما على حلحلة العقد، لأننا حتى الآن لم نحقق تقدما كبيرا". وأضاف "الفشل يحدق دائما في وجوهنا. في ما خص الأمم المتحدة، لن نترك حجرا واحدا من دون تحريكه إذا كان ثمة إمكانية للتقدم. وفي حال عدم وجود هذه الإمكانية، سنقول ذلك". وقال إن الطرفين "باتا أكثر تقبلا لفكرة وجود الطرف الآخر، لكن لا اعتقد أن أي صداقات قد عقدت".

وليلا، ابلغ غاتيلوف وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأحداث الجلسة الثلاثية، ووصفها بأنها كانت سيئة ومعقدة وصعبة جدا.

وكما كان منتظرا لن يغير الروس من دعمهم للمقاربة السورية لمفاوضات جنيف، ومواصلة العمل على إطلاق المفاوضات من نقطة مكافحة الإرهاب. ويبدو بعيدا عن الواقع أن يعمل الروس على إقناع حليفهم السوري بالتراجع عما بات مطلبهم، وعنوان هجومهم في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار ينص على مكافحة الإرهاب. ويسعى القرار إلى إلزام الأتراك والسعوديين والقطريين بوقف تمويل البؤر "الجهادية" على المقلب السوري - التركي، والذي يرى فيه الروس تهديدا مباشرا لأمنهم القومي، وامن الجمهوريات المتحالفة معهم في آسيا الوسطى.

ولا يبدو أن الروس سيلبون طلب الإبراهيمي بالضغط على حليفهم السوري، إذ ابلغ غاتيلوف الجانب السوري، ضرورة أن يواصلوا المطالب نفسها، والتمسك بمطلب مكافحة الإرهاب قبل كل شيء. وبحسب مصادر عربية في جنيف، قال غاتيلوف للمعلم انه تلقى توجيهات من وزير الخارجية سيرغي لافروف بعدم ممارسة أي ضغوط على الجانب السوري، والبقاء على المواقف نفسها.

وقال المعلم، خلال لقائه غاتيلوف، "إننا مستمرون في هذه الجولة بكامل الجدية والجهوزية والمسؤولية لتطبيق بيان جنيف واحد، ومواصلة الحوار حول إنهاء العنف ومكافحة الإرهاب". وأضاف "مازلنا مستمرين بالمسار السياسي وفق بيان جنيف وسنحضر الجولة المقبلة عندما يتم الاتفاق معنا على موعدها".

وفي المقابل، قالت مصادر في المعارضة "الائتلافية" إن شيرمان أبلغت وفدا منهم خلال اجتماع في فندق "الانتركونتيننتال"، أن الاجتماع الثلاثي مع الإبراهيمي وغاتيلوف كان سيئا جدا، وغير بناء أو مثمر، وان الروس حاولوا "تحميلنا" مسؤولية الفشل، والتهرب من الأسئلة الحقيقية. وأبلغت شيرمان "الائتلافيين" أن الروس والحكوميين لن يتزحزحوا عن مواقفهم، وان الروس رفضوا ممارسة أي ضغط على الوفد الحكومي، وان الولايات المتحدة ستعمل على خطة بديلة تبلغهم إياها في اقرب وقت ممكن. كما ابلغتهم انه لن يتم تحديد موعد للجلسة الثالثة الا بعد ان يكون الابراهيمي قد تقدم بتقريره الى مجلس الامن الاسبوع المقبل. وقال عضو في الوفد "الائتلافي" في جنيف إن الأميركيين لم يعد لديهم حول أو قوة للتأثير في الموقف الروسي لتغيير مجرى المفاوضات.

وليلاً، أبلغ مسؤول غربي "الائتلافيين"، أنهم وجهوا تحذيراً إلى الروس بأنه إذا لم يحصل أي تطور إيجابي في موقفهم خلال الساعات المقبلة، فقد لا تعقد الجولة الثالثة من المفاوضات.

ويبدو العراء الديبلوماسي للأخضر الإبراهيمي كبيرا، بعد امتداد معارك السوريين إلى الروس والأميركيين أنفسهم، وانفضاض العون الدولي من حوله. ورغم ذلك لن يستقيل الديبلوماسي المخضرم، ولن يتخلى عن مهمته السورية المستحيلة. ويعود الوفدان إلى جلسة منفصلة اليوم، تسدل فيها الستائر على الجولة الثانية، وتنتهي بمؤتمر صحافي للابراهيمي.

 

المصدر: السفير