الصين ومشروع أوراسيا العالمي
آندريه كورنييف آندريه كورنييف

الصين ومشروع أوراسيا العالمي

بمعزل عن تقييمه أيديولوجياً واستراتيجياً، أثبت النموذج الصيني للتنمية الاقتصادية فعاليته الكبيرة في العالم، وبشكلٍ خاص، خلال السنوات الثلاثين الماضية. ونجاح النموذج الصيني خلال تلك السنوات، قد سمح بوضع فكرة «التفوق الاقتصادي الغربي» موضع الشك، بالنسبة إلى أعداد كبيرة من النخب العالمية.

على مدى السنوات الـ30 الماضية، تحولت جمهورية الصين الشعبية، بنموذج التنمية الاقتصادية السلمية الذي تتبعه، إلى واحدة من القوى العالمية الأكثر نفوذاً. وفي ضوء ذلك، اكتسى مشروع «طريق واحد، حزام واحد» أهمية بالغة.

 شارك عدد من الخبراء الروس والصينيين والكازاخستانيين في مؤتمر جرى عقده في جامعة موسكو الحكومية، تحت عنوان: «سياسة الدولة الروسية نحو التوجه شرقاً: التحديات والفرص»، وفي سياق الاجتماع، ناقش الحضور التقرير التحليلي الذي قدمته الصين حول «مشروع أوراسيا العالمي».

الربط.. الربط.. ثم الربط..!

إن مسألة الربط بين مشروع بكين «طريق واحد، وحزام واحد»، ومشروع موسكو الأوراسي، لا تزال المسألة الأكثر إلحاحاً بالنسبة لعدد متزايد من خبراء البلدين، وحكومتيهما. وإننا في هذا الصدد، نتفق اتفاقاً كاملاً مع الاستنتاجات التي أدلى بها واضعو التقرير التحليلي الصيني، حول أن إنشاء «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، والمزيد من التقارب مع الصين، هي مؤشران على تغييرات كبيرة على المستوى الدولي، وفي خدمة أوراسيا العظمى.

ووفقاً للأكاديميين المشاركين، فإن مواصلة تشكيل روسيا، كمركز سياسي مستقل على الصعيد العالمي، يعتمد بدرجة كبيرة على نجاح تنفيذ الربط بين «طريق واحد، حزام واحد»، والمشروع الأوراسي. وعلاوة على ذلك، فإن هذا النهج الروسي، سوف يساهم في مساعدة موسكو على حل المهمة الاستراتيجية، المتمثلة في مواصلة تطوير البلاد، ورفع النسب النمو الاقتصادي فيها.

الصين عصية على العقوبات

وفي هذا الصدد، لا يمكن إنكار أن مشروع الصين «طريق واحد، حزام واحد» يملك بعداً جيوسياسياً كبيراً، إذ تنظر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها إلى الصين باعتبارها «تحدياً صعباً» بشكل متزايد. كما أن التنمية الاقتصادية السريعة والسلمية للاقتصاد الصيني، قد أجبرت الكثيرين على دحض الفرضية الغربية الأساسية على صعيد الاقتصاد، والتي تقول بأن الاقتصاد الجيد، والازدهار، ممكنان فقط في حال اعترفت الدول بـ«تفوق النموذج الغربي» واتبعته.

وعلاوة على ذلك، فإن اقتصادات الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، قد غدت مترابطة بشكلٍ كبير، إذ أنه، وفي حال اشتدت وتيرة الخلافات السياسية بين بكين والغرب، فسوف يكون من الصعب للغاية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أن يتخذا تدابير عقابية بحق جمهورية الصين الشعبية، مماثلة لتلك التي جرى اعتمادها بحق روسيا الاتحادية.

واشنطن تحدٍ موضوعي لبكين

يرى العدد الأكبر من الخبراء الصينيين أن العقبة الأكبر في وجه سياسة بكين السلمية والتنموية تجاه آسيا والمحيط الهادئ تتمثل في الممارسات الأمريكية في هذه المنطقة، ويشيرون إلى حقيقة أن واشنطن تعتبر بكين عدواً رئيسياً لها، وتحاول، بناءً على ذلك، احتواء وتطويق الصعود الصيني الكبير، من خلال تصعيد الترويج لنظرية غير موجودة تقول بـ«التهديد الصيني». وبحسب الخبراء، فإن هذه التطورات تدفع بكين، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، نحو التركيز على نقل سياستها الخارجية من «الدفاع» إلى «التصعيد الدبلوماسي». وفي هذا السياق، باتت خطوات بكين نحو تنشيط سياستها الخارجية في إطار «طريق واحد، حزام واحد» أكثر وضوحاً ومباشرةً.

وباتت الصين تقدّم مفهومها الخاص للتنمية الاقتصادية- كطرح قابل للتطبيق بديلاً عن النموذج الغربي- بشكلٍ مباشر إلى عددٍ من الدول الآسيوية. ويمكننا القول أن بكين تقترح مفهوم التنمية المشتركة، مدعومة بموارد مالية كبيرة، إلى هذه الدول. والاجتماع الـ20 الذي عقد مؤخراً لقادة مجموعة «APEC»، في ليما، البيرو، كان مظهراً واضحاً من مظاهر هذا الميل الصيني في السياسة الخارجية التي تحمل الكثير من المؤشرات المباشرة على خلق نظامٍ بديل عن نظام القطب الأمريكي الواحد.

الولايات المتحدة:

OUT of ASIA

على نحوٍ لافت، عبّر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على هامش اجتماع «APEC»، عن ضرورة التعاون الوثيق بين روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، في إطار «APEC»، من أجل تعزيز النمو الاقتصادي العالمي.

وتعليقاً على ذلك، فقد أكد الخبراء المجتمعون في موسكو على أن النمو الاقتصادي الصيني السلمي، وزيادة النفوذ السياسي المستند إلى هذا النمو الكبير، من شأنهما أن يؤديا إلى «تداعيات استراتيجية رئيسية خلال العقود المقبلة»، كما لاحظ الخبراء، ضرورة الانتباه إلى حقيقة أن التطورات والموازين الدولية قد سمحت للامتداد الاستراتيجي لكلٍ من الصين وروسيا أن ينمو خارج المجالات التقليدية المعتادة، وهو ما يؤشر إلى أن أمام الدولتين مهام كبيرة محفوفة بالتصعيد وردود الفعل الغربية التي تتأذى بطبيعة الأحوال، كنتيجة منطقية لانهيار العالم الغربي أحادي القطب.

كما أن التراجع الموضوعي في القوة الجغرافية والاقتصادية الأمريكية في قارة آسيا- بالتوازي مع الزيادة الكبيرة الملحوظة في المبادرات التي يقدمها الحليفان الروسي والصيني- سيكون له آثار استراتيجية كبرى في العقود المقبلة. ففي حين أنه من المرجح للولايات المتحدة الأمريكية أن تتراجع عن مشاريعها الاقتصادية في آسيا، لا سيما بعد ظهور تيار سياسي يميل نحو إعطاء الداخل الأمريكي الأولوية الأساسية على الصعيد الاقتصادي، فإن تقدم الصين بمبادرات جيواقتصادية واعدة، كـ«طريق واحد، حزام واحد»، سيضمن للصين ترسيخاً وتعميقاً لموقعها الاستراتيجي في المجال الآسيوي.

«APEC»: الغلبة لتعدد الأقطاب

إن المزاج المحيط بقمة «APEC» المنعقدة مؤخراً، يعكس إدراكاً متزايداً لدى الدول المشاركة، بأن الانكماش الاقتصادي الأمريكي سيسمح في المدى المنظور، برؤية الغلبة الأمريكية في آسيا تتآكل، على حساب التنامي المتواصل في القوة الجغرافية والاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية.

وأكد القادة المجتمعون في بيرو، عبر بيانهم الختامي، على أنهم سيعملون على إقامة منطقة تبادل تجاري حر متكاملة لدول منطقة آسيا والمحيط الهادئ على الأمد الطويل، وأبدى المجتمعون استعدادهم لتطوير التعاون في قطاع الطاقة مؤكدين ضرورة اعتماد الاستقرار والشفافية في أسواق الطاقة العالمية، لا سيما في قطاع الطاقة المتجددة، من أجل تهيئة الظروف المناسبة لنمو النشاط التجاري والاستثمار والتنمية الاقتصادية.

كما رحب زعماء «APEC» باعتماد برنامج مشترك في مجال الأمن الغذائي وتغير المناخ، حيث ورد في البيان الختامي: «نحن عازمون على تطوير التعاون بين اقتصاداتنا، في تنفيذ استراتيجيات للرد على التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي وتغير المناخ، مع مراعاة الخصوصيات الوطنية لاقتصادات محددة، ونرحب باعتماد برنامج أبيك في مجال الأمن الغذائي وتغير المناخ».

 

*نائب مدير معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في جامعة موسكو الحكومية