«بلطجة على مستوى عالمي»
أجرت الحوار: يلينا يتخونوفا أجرت الحوار: يلينا يتخونوفا

«بلطجة على مستوى عالمي»

استكمالاً لحوارنا مع الخبير السياسي والشخصية الاجتماعية السياسية رامي الشاعر، الذي نشرناه في الأعداد رقم /49/ و/52/ عام 2018، ورقم /6/ و/15/ عام 2019، بادرنا هذه المرة بالقول: «أكثر ما يثير دهشة هو الأسلوب الذي تتصرف فيه السلطات الأمريكية في الساحة الدولية، فهي توسع وجودها أولاً في هذا البلد أو ذاك، ثم تقوم بعد ذلك (باستنزاف) أمواله بحجة حمايته والدفاع عنه ضد أطماعها نفسها وتطاولاتها عليه. ومن يطاوعها تنعم عليه، أمّا إذا عارضها فالويل له!».

أجرينا هذا الحوار مع رامي الشاعر حول الأحداث السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط الآن، وحول المحاولات التي تبذلها واشنطن وحلفاؤها من أجل إحباط الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في هذه المنطقة.

لفتة (كرم و سخاء)

س: في الأسبوع الماضي فاجأنا دونالد ترامب بتوقيعه، كما يقال بـ ( جرة قلم)، على الاعتراف بشرعية اغتصاب أراضي، لا يملكها، لصالح إسرائيل.

وقوبل هذا التصرف بالانتقاد في موسكو وبروكسل وطهران ودمشق. كيف تقيمون هذا الأمر؟

ج: توقيع الرئيس الأمريكي على قرار، يعترف بمرتفعات الجولان جزءاً تابعاً لإسرائيل، كان حدثاً مثيراً، بصريح القول، لكنه لم يكن مفاجأة.

فهناك حقيقة هامه لا بدّ من الإشارة إليها، وهي أن هذه الهضبة الجبلية تاريخياً تعتبر جزءاً من محافظة (القنيطرة) السورية، وجرى إحتلال الجولان سنة 1967 خلال حرب الأيام الستة التي شنتها إسرائيل، لتغتصب وقتها الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة، ومن ضمنها القدس الشرقية. وبعد مرور 14 سنة أعلنت إسرائيل ضمها لمرتفعات جولان، وإعلانها جزءاً من أراضيها بشكل منفرد. نددت الأمم المتحدة بهذا القرار، وأصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات، دعا فيها تل أبيب إلى رد مرتفعات الجولان لسورية. لكن دونالد ترامب ضرب عرض الحائط بالقانون الدولي، وأعلنت أمريكا بأن الجولان مملوكة لإسرائيل.

وإزاء ذلك لا يسعني إلّا أن أقول: عندما نرى جميعاً شيئاً يؤخذ عنوة من شخص ويسلم إلى شخص آخر بأن هذه بلطجة واضحة.

ما نراه من أحداث اليوم يثبت بلا جدل بأن الأمريكان يريدون بشتى الطرق السيطرة على الكون وعلى موارده. لكن البيت الأبيض يدرك بأن هذه الخطة مستحيلة التنفيذ بدون السيطرة على روسيا، وهذا لا يتأتى إلّا إذا كان الشرق الأوسط تابعاً للولايات المتحدة وخاضعاً لها. وفي هذه اللعبة تصلح تل أبيب بامتياز لتنفيذ مآرب واشنطن، ولذا لم يكن من العبث اختيار الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بالذات كحليف إستراتيجي.

واليوم هذه هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك السلاح النووي التكتيكي. ولا شك أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمرتفعات الجولان والقدس الشرقية تابعتين لإسرائيل، هو لفته سخية من شأنها أن تساعد على تعزيز تحالف الشراكة بينهما.

س: عقب اكتشاف حقول النفط والغاز قرب سواحل لبنان، جذب هذا البلد اهتمام واشنطن بشكل خاص، حيث توجه إليها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في زيارة عمل كان موضوعها الرئيس، هو مناقشة الخطر المسلط على لبنان من قبل إيران، هل نتوقع ظهور قاعدة عسكرية للناتو هنا في القريب العاجل؟

ج: الولايات المتحدة الأمريكية لا تغفل أيضاً عن هذا البلد، وتريد الاستيلاء على ثرواته، ويرجح أن يكون هذا هو السبب الرئيسي للزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي إلى لبنان. وأوّد هنا أن أكرر مرة أخرى ما سبق أن قلته: بأن حلف شمال الأطلسي وعلى رأسه واشنطن ولندن يسعى بالدرجة الأولى إلى (شفط) الأموال والثروات من بلدان الخليج العربي، التي اقتنت خلال السنوات الخمس الأخيرة 18% من كل العتاد العسكري والأسلحة المنتجة للتصدير في العالم بمئات مليارات الدولارات. والكل يعلم بأن هذا التسليح المكثف لدول الشرق الأوسط ليس اعتباطاً، فالبنتاغون ينظر إلى جيوشها كـ(احتياطي قتالي جاهز) يمكن الإستعانة بها حتى أثناء خوض النزاعات والصدامات القتالية الكبيرة، الأمر الذي يحول الخليج كله إلى هدف للرد المسلح ضده، هذا من ناحية. ومن الناحية أخرى انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية الآن من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وقد تتوجه الآن إلى نشر الصواريخ المتوسطة المدى في بلدان الشرق وأوروبا، مما يشكل خطراً كبيراً على روسيا.

وفي ظل هذه الاحتمالات المطروحة واقعياً لا يجب أن نغفل الحقيقة القائلة: بأن دول الخليج عندما تسمح لدول الناتو بتوسيع قواعده، وتمول بسخاء البرامج المشتركة معه، فإنها في هذه الحالة تعمل ضد مصالح روسيا وتهدد أمنها، الأمر الذي يسوقنا إلى تساؤل مشروع: هل يعقل أن يغفل بعض الساسة إلى هذه الدرجة بأن بلدانهم تتحول إلى (ورقة محروقة) في هذه اللعبة الخبيثة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية؟!

«المملكة على (خطاف)!»

س: حتى العام 1983 كانت علاقات موسكو الدبلوماسية في الخليج العربي مقتصرة فقط على الكويت، أمّا اليوم فإن مجال تعاونها يشمل كل دول الخليج. وفي شهر مارس قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة قطر والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، كيف كان رد فعل واشنطن على هذه الجولة؟

ج: الاستخبارات الأمريكية والبريطانية تبذل كل ما في وسعها لتشويه تصريحات الوزير الروسي حول إنشاء مناطق خالية من المنازعات في الخليج، بل وتحاول أيضاً اتهام روسيا بالعدوانية. وهنا لا أستبعد أبداً لجوء أمريكا من جديد إلى أساليب قطاع الطرق.

وهذا القول ليس مبالغة أو تهويلاً. فهناك مثال ساطع أوّد أن أسوقه للقراء في هذا الصدد.

عندما وقع دونالد ترامب مع المملكة العربية السعودية اتفاقية حول بيعها أسلحة بـ /500 مليار دولار/، طلبت الولايات المتحدة سداد القسط الأول من هذه الصفقة وقدره /120 مليار دولار/. لكن المملكة فوجئت بهذا الطلب، ولم يكن مثل هذا المبلغ متوفراً لديها مباشرةً. المثير للدهشة أن الحل وجد في البيت الأبيض: سلمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الرياض قائمة بأسماء السعوديين الأثرياء وأرقام حساباتهم في البنوك الأمريكية والبريطانية، عقب ذلك قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجمع هؤلاء الأشخاص في أحد فنادق المملكة واعتقلهم مقترحاً عليهم دفع فدية للإفراج عنهم. وبهذه الطريقة تم جمع المبلغ المطلوب. ألا يشبه هذا أساليب البلطجة؟!.

والشيء نفسه: يقال بالنسبة إلى الصحفي (جمال خاشقجي) فقد أوصى (المرشدون) من البيت الأبيض بـ «تكميم فمه» رداً على انتقاداته للساسة في واشنطن والرياض. اتفق ولي العهد مع هذا الرأي، لكنه- وأنا واثق من ذلك- لم يكن يعلم بأن المقصود من وراء ذلك هو التنكيل به أو إعدامه. عملاء أمريكا دبروا عملية سفر جمال إلى القنصلية السعودية في إستانبول، وقاموا هناك بإلقاء القبض عليه وقتله. والأدهى من ذلك هو أن المرشدين الأمريكيين صوروا الأمر بطريقة وكأن ولي العهد كان على علم بهذا الاغتيال المرتقب. وهكذا وجدت الأسرة الحاكمة في المملكة نفسها على خطاف واشنطن. إذ شعر البيت الأبيض بأن الجيل الجديد من الحكام بدأ يظهر استقلاليته ويطور العلاقات مع روسيا، وهذا يتعارض مع المصالح الأمريكية، مثل أي تعاون لروسيا مع بلدان الشرق الأوسط.

وكل ما سبق ذكره من الآن قد تأكد في 27 مارس: إذ أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن بلاده ستعاقب كل من هو ضليع في قتل الصحفي حتى ولو كان ولي العهد. وهنا أود أن ألفت عناية القراء إلى أمر بالغ الأهمية وهو السؤال: لماذا صدر هذا التصريح الآن؟ لأنه قبل يومين فقط من الإدلاء به أعلنت المملكة العربية السعودية معارضتها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الجولان.

وهناك أمثلة أخرى عديدة أبرزها: عندما بدأت روسيا في تحسين علاقاتها مع تركيا جرى اغتيال السفير الروسي أندري كارلوف في أنقرة. وأيضاً عندما بدأت موسكو في تطوير علاقاتها مع بغداد بعد وصول القوات الأمريكية مع قوات الناتو إلى العراق، استاءت الاستخبارات الأمريكية والغربية ودبرت عملية خطف خمسة دبلوماسيين روس، وجرى إعدامهم فيما بعد بطريقة بشعة... وغيرها من الأمثلة.

«صفقة العصر»

س: مكافحة الإرهاب في سورية قد انتهت، ماذا يحدث الآن لهذا البلد؟

ج: المجابهة الآن بين دمشق وواشنطن وحلفاؤها تجري الآن في المجال الاقتصادي. سورية تتعرض الآن لحصار اقتصادي بشع: النساء والأطفال هناك يموتون من الجوع والبرد. الأمريكان أرسلوا قواتهم إلى سورية بحجة دعم الأكراد ومكافحة الإرهاب. بينما في حقيقة الأمر هدفهم كان فرض السيطرة على المناطق الرئيسة التي تزود سورية بالنفط والغاز.

أمّا العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية فلا يسعني إلّا أن أسميها على حقيقتها: هذا عقاب جماعي للشعوب. هذه الأساليب توقف تطور البلدان والتنمية فيها، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياة ومعيشة جماهير الشعوب. هذه الأساليب تذكرنا بما يسمى بـ (الضغط) على التجار ورجال الأعمال حتى يتقبلوا الأمر ويهادنون. أنظروا ماذا حدث مع مصر والأردن؟ اتفاقية السلام الموقعة مع الشريك الأمريكي- إسرائيل حرمتهما من إمكانية التصرف في ثرواتهما لأنهما أجبرا على القبول بالشريك الأمريكي كمصدر رئيسي للغاز إلى كل من الأردن ومصر، فضلاً عن أنها محاولة لتقييد حريتهما في اختيار سياستهما الخارجية.

أمر آخر غاية في الأهمية: هو وضع الشرق الأوسط اليوم، فقد انقسم إلى معسكرين: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة، وقطر وإيران وتركيا من جهة أخرى. ولا يخامرني أدنى شك هنا بأن الاستخبارات الأمريكية والبريطانية ومعهما إسرائيل وعملائها، لهم اليد الطولى في هذا الوضع أيضاً والهدف من وراء ذلك- هو تحضير الدول العربية لقبول خطة واشنطن الجديدة الموجهة ضد التسوية السلمية للنزاع العربي الإسرائيلي وضد المبادرة العربية. وما عقد المؤتمر الدولي الخاص بالشرق الأوسط في وارسو في فبراير بدون مشاركة الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين والروس، إلّا محاولة لـ (جس النبض) وتمهيد الأرضية للبدء في تنفيذ (صفقةالقرن) المقترحة من قبل ترامب.

والأرجح هنا، هو إعطاء القدس ومرتفعات الجولان والضفة الغربية لنهر الأردن إلى إسرائيل، أمّا قطاع غزة فسيجري توسعته على حساب الصحراء سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية عليه. وبهذه الطريقة سيتم دفن كل قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بالنزاع العربي الإسرائيلي، وبذلك تصبح الأمم المتحدة بلا أي معنى أو قيمة. علاوة على أن خطط الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها تسعى أيضاً إلى تجزئة سورية هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، شهدت تونس يوم الأحد الموافق 31 مارس لقاء للقمة العربية، لم تسفر نتائجه للأسف عن اتخاذ أي قرار عملي محدد. واكتفى بيانه الختامي فقط بالعبارات العامة، فضلاً عن تضمنه بعض التقديرات المغايرة لما يجري في الواقع اليوم.

وفي الختام، هناك حقيقة هامة لابدَّ من الإشارة إليها: وهي أن الأمل من قطع دابر البلطجة الأمريكية على المستوى الدولي متوقف الآن على روسيا القوية، وعلى التعاون بين كل الدول العربية مع تعاونها مع إيران وتركيا أيضاً.

المصدر: عموم روسيا

النسخة الإلكترونية للمقال باللغة الروسية متوفرة في المرفقات

تحميل المرفقات :

آخر تعديل على الخميس, 04 نيسان/أبريل 2019 12:08