التجسس الأميركي
أشرف كمال أشرف كمال

التجسس الأميركي

 

التسريبات التي كشفت تجسس واشنطن على شعوب العالم، لم تستثن الحلفاء والأصدقاء، فحطم الأميركان جدار السرية حتى على حياتهم الشخصية فأصبحت إدارة أوباما أمام فضيحة أخلاقية، واكتشف العالم حجم الضعف والعجز داخل مؤسسة لها تأثيرها في صناعة القرار الأميركي وإدارة علاقاتها الخارجية وتأمين مصالحها المختلفة إقليمياً ودولياً أمام تحدي كبير.

 

 

 

 

لاشك أن الولايات المتحدة تستهدف من عمليات التجسس جمع معلومات هامة من دولة تمثل درجة من درجات الأهمية بالنسبة لها، كما انها تسعى الى استغلال ما تحصل عليه من معلومات إما للتعرف على المخططات المستقبلية للحكومات المختلفة، بل و زعماء وقيادات وشخصيات لها تأثيرها داخل المجتمعات في الدول الأخرى، أو استغلالها لصالح دول أخرى في إطار من صفقات سياسية تمارسها بعض الدول والحكومات.  

 

 الجيل الرابع من الحروب:

 

مع التطورات المتسارعة في عالم الاتصالات، بات المجتمع الدولي قرية صغيرة، خالية من قواعد حماية الاتصالات وتبادل المعلومات، وتهميش للمعايير الأخلاقية أمام المصالح السياسية. 

الولايات المتحدة تملك الكثير من مزايا التطور التكنولوجي في عالم الاتصالات والسماوات المفتوحة، وإن غياب القواعد المُلزمة للدول في حماية تداول المعلومات لا يبرر السلوك اللأخلاقي الذي وقعت فيه واشنطن بالتجسس على الحلفاء والأصدقاء، قبل الخصوم والمنافسين. 

آليات الجيل الرابع من الحروب تقودها واشنطن التي كانت مبدعة في هذا المجال خاصة عقب أحداث 11 سبتمبر، مستخدمة كل التقنيات الحديثة للحصول على المعلومات المختلفة عن الدول والمجتمعات والشخصيات صاحبة التأثير السياسي والديني، بهدف السيطرة أو بث الفوضى ونشر الأكاذيب والافتراءات والعزف على وتر العقيدة والدين والطائفة والمذهب حتى تتعمق الخلافات .

فالولايات المتحدة تسيطر بشكل كبير على تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، كما تُحكم سيطرتها على أغلب وسائل الإعلام العالمية والتي تعتبر المصدر الرئيس للخبر في المجتمعات العربية رغم انها في حقيقة الأمر تبث الخبر وفق رؤيتها وما يخدم مصالحها. 

الفضيحة الأمريكية، تعتبر جرس إنذار تجاه واشنطن التي تستبيح كل شئ دون وازع من أخلاق، أو رادع من أعراف دولية ومواثيق أكدت على الاحترام المتبادل بين الدول، والعمل المشترك من خلال الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. 

المعنى الشامل للسلم والأمن الدوليين، يتطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وضع معايير تحكم تلك العشوائية التي تسيطر على عالم الاتصالات وتبادل المعلومات، وتضع حدا لاقتحام الحياة الخاصة للإنسان، وانتهاك سيادة الدول. 

 

 لماذا الشعب المصري؟

 

الوثائق المسربة عن عمليات تجسس الولايات المتحدة، كشفت التجسس على ما يقرب من ملياري مكالمة هاتفية ورسالة نصية للشعب المصري خلال شهر يناير الماضي . 

والحادث يعيد الذاكرة الى ما نشر من تسجيلات صوتية منسوبة للرئيس المصري السابق حسني مبارك، والتي تؤكد أن عمليات التجسس على الشعوب، خاصة العربية وفي مصر بالتحديد لم ولن تتخلى عنها الإدارة الأمريكية . .

والتسجيلات المنسوبة الى مبارك تقول:" كل ما يهم أمريكا هو ضمان أمن إسرائيل في الأساس، وطول عمرهم بيحاولوا يضغطوا على العرب من أجل هذا الهدف".واضاف "في الآخر كانوا عايزين يعملوا لنا شبكة إلكترونية للقوات المسلحة. طبعاً علشان الشاشة تكون في إسرائيل وأمريكا. قلت لوزير الدفاع "زحلقهم" مفيش حاجة من دي هتحصل أبداً. رجعوا تاني وكانوا عايزين يوصّلوا كل سنترالات القاهرة بسنترال رمسيس، واتفقوا مع وزير الاتصالات".

ويتابع مبارك :"عرفت الموضوع من القوات المسلحة، وعرفت أن هذا المشروع معناه أن الأميركان يقدروا يصيبوا الاتصالات في مصر كلها بالشلل، يعني لما يتوقف سنترال رمسيس، تتوقف كل الاتصالات في مصر. جبت وزير الاتصالات وقلت له: معنى ذلك أنك علشان تطلب أي مكالمة لازم تعدي المكالمة على سنترال رمسيس، فقال لي وزير الاتصالات إن الأمريكان هيعملوا ده ببلاش. فقلت: أوعى توافق، فأجاب: بس همه وصّلوا الجيزة خلاص بسنترال رمسيس فقلت: كفاية الجيزة وزحلقهم بهدوء كده، وفعلاً زحلقناهم".

ويكشف مبارك: "في 2006 أو 2007 جاء الأمريكان وطلبوا تردد FM للقاهرة الكبرى، ذهبوا إلى وزير الإعلام، فقال لهم: "القانون لا يسمح" فجاءني السفير الأمريكي وقال: "اديني تردد الـ FM  لأنهم في واشنطن حاجزين 270 مليون دولار عن المعونة لمصر بسبب الموضوع ده". 

وقال : "خليهم عندكم.. مش عايزينهم.. لا.. خليهم متجمدين" ورفضت.. وبعدها بـ 15 يوما أرسلوا الـ 270 مليون دولار.. طبعا كانوا عايزين تردد الـFM علشان التجسس ومراقبة كل شيء"

 

مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية

 

الولايات المتحدة أمام تحدٍ كبير يتعلق بعلاقاتها بالدول الحليفة، خاصة أن فضيحة التجسس تسببت في إرباك واضح لإدراة أوباما، التي ستعاني من الآثار السلبية في علاقاتها المجتمع الدولي، لاسيما فيما يتعلق بملفي النزاع في سوريا والنووي الإيراني، والمفاوضات الاقتصادية والتجارية مع أوروبا، فضلا عن تصاعد حدة الغضب الشعبي بمنطقة الشرق الأوسط تجاه الإدارة الأمريكية، التي ساهمت بشكل أو بآخر في الأحداث الجارية بالمنطقة. 

وإلى جانب ألمانيا وفرنسا والشعب المصري، فقد أكد مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، بن رودس، أن التقارير عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على ديلما روسيف رئيسة البرازيل، قد وتَّرت العلاقات بين واشنطن والبرازيل، ودفعت روسيف إلى إلغاء زيارة كانت مقررة إلى واشنطن، وعطلت صفقة سلاح مُحتملة مع شركة بوينغ قيمتها أربعة مليارات دولار. 

كما أن التعاون الذي تأسس مع واشنطن عقب أحداث 11 سبتمبر، لتبادل المعلومات حول مكافحة الإرهاب الدولي، ربما يتأثر وأن هناك بعض الدولة التي تطالب بإعادة النظر في اتفاقيات التعاون الاستخبارتي مع الولايات المتحدة وأغلب هذه الدول في أوروبا. 

 

الاستنتاج: 

 

واشنطن التي يرتفع صوتها بالتدخل في شؤون الأمم والشعوب بحجة حماية حقوق الإنسان، يكتشف العالم بشكل رسمي وواضح أنها أول من يُقدم على انتهاك الحقوق والحياة الخاصة للمجتمعات، وإن فضيحة التجسس تمثل إهانة كبيرة من سيد البيت الأبيض إلى المجتمع الدولي، كما تعكس التسريبات ضعفا في مؤسسة صنع القرار الأمريكي الذي يواجه تحديا كبيرا للتخلص من تداعيات فضيحة التجسس على الأصدقاء والحلفاء قبل الخصوم والمنافسين.  

 

 

المصدر: وكالة نوفستي الروسية