نظرة عن قرب إلى الهند 2| خلق فرص العمل
أميت باسول وأناند شريفاستافا أميت باسول وأناند شريفاستافا

نظرة عن قرب إلى الهند 2| خلق فرص العمل

نلقي من خلال تعريب هذه السلسلة المؤلفة من 5 مقالات الضوء بشكل مباشر ومفصل وتجريبي على الوظائف وسوق العمل الهندي، ثاني أكبر اقتصاد نامٍ في العالم، وبالتالي على تأثيره في الحياة السياسية-الاجتماعية وعلى البنية المتحولة للمجتمع والدولة الهندية التي تتقولب في الوقت الحالي تحت ضغط الظروف الدولية المتغيرة. خاصة وأنّ مسألة كالعمل وسوقه سوف يحوز القسط الأكبر من التركيز في الانتخابات العامة الهندية التي ستجري عام 2019.

تعريب وإعداد: عروة درويش

في دراسة تمّ تحضيرها كخلفية لصالح تقرير مجلس رئيس الوزراء الاقتصادي الاستشاري، ادعى الاقتصاديات سورجيت بالا وتيرثاتانموي داس بأنّ الاقتصاد الهندي قد خلق قرابة 12.8 مليون فرصة عمل عام 2017. كما ادعيا بأنّ صافي خلق فرص العمل بين عامي 2013 و2017 في الهند كان 22.1 مليون وهو ما يفوق بكثير خلق 11 مليون فرصة عمل بين عامي 2004-2005 و2011-2012. يشير هذا إلى أنّ الحكومة الحالية قد قامت بعمل أفضل على جبهة التوظيف من سابقتها.

إنّ هذه النتائج هي على النقيض تماماً من الإحصائيات المأخوذة من مصادر خاصة مثل «مركز مراقبة الاقتصاد الهندي CMIE» الذي يبيّن أنّ الزيادة في التوظيف بين عامي 2016 و2017 هي فقط 1.4 مليون. وتبعاً لمركزية النقاش حول فرص العمل بين المرشحين للانتخابات العامة عام 2019، فإنّ مثل هذا الاختلاف في التقديرات هو أمر مثير للاهتمام.

بالتأكيد لن تكون أيّ من هذه التقديرات بمثابة الكلمة الفصل في النقاش حول فرص العمل في الهند. تعتمد جميع الدراسات ذات المصداقية المتعلقة بالعمالة في الهند على مسح التوظيف والبطالة الذي ينفذه مكتب مسـح العينات الوطني «NSSO». ولذلك فمنذ آخر إحصاء رسمي أجري في 2011-2012، ليس هناك طريقة موثوقة لتقييم خلق فرص العمل في ظلّ الحكومة الحالية. اعترف بالا وداس بنفسيهما بأنّهما: «ننتظر بفارغ الصبر تأكيد أو إلغاء تقديراتنا عبر مسح 2017-2018». ورغم هذا التحذير فإننا نعتقد بأنّ استنتاجاتهم مبينة على استخدام انتقائي للبيانات وعلى افتراضات لا مبرر لها.

تُشتق أرقام العمالة في الهند عبر تطبيق معيارين هاميّن: معدل مشاركة القوى-العاملة «LFPR» ومعدل التوظيف «UR»، على تقديرات السكان الذين بسنّ العمل (ما بين 15 إلى 59 عاماً).

الشكل رقم 1:

 

إنّ معدّل مشاركة القوى-العاملة «LFPR» هو النسبة المئوية من الأشـخاص في سنّ العمل الذين يعملون أو يريدون أن يعملوا. ومعدل التوظيف «UR» هو النسبة المئوية لأولئك الأشـخاص في قوى العمل الذين يريدون أن يعملوا ولكنّهم غير قادرين على إيجاد عمل. يتم احتساب عدد فرص العمل في فترة معينة من خلال تطبيق معدل مشاركة قوى العمل (الفرق بين LFPR وUR) على إجمالي شريحة السكان التي في سنّ العمل. ففي حين يتمّ اشتقاق «معدل مشاركة القوى-العاملة» و «معدل التوظيف» من مسح العمل والبطالة، يتم استخدام إحصاءات التعداد السكاني للحصول على أعداد السكان الذين في سنّ العمل. ولهذا فبالنسبة لعدد محدد من السكان الذين في سنّ العمل فإنّ «معدل مشاركة القوى-العاملة» أعلى و«معدل التوظيف» أدنى سوف يزيد الرقم المطلق لفرص العمل في فترة محددة والعكس صحيح.

وبما أنّه لا يوجد الكثير من الخلاف حول تقديرات السكان والفضل بذلك للجهد الإحصائي، فإنّ تقديرات فرص العمل تعتمد أكثر على نسب «LFPR» و «UR» في زمن محدد.

ورغم أنّ تقديرات «مكتب مسـح العينات الوطني NSSO» متوفرة حتّى 2011-2012، فإنّ مسوح العمالة والبطالة السنوية التي يقوم بها مكتب العمّال توفر النسب المذكورة حتّى عام 2015، ولكنّها دون شك ليست غنيّة أو موثقة كالتي يقدمها «NSSO».

والسبب الذي يجعل تقديرات بالا وداس مختلفة بشكل جذري عن تقديرات «CMIE» لعامي 2016 و2017 لأنّها تفترض «معدل مشاركة القوى-العاملة» أعلى و«معدل التوظيف» أدنى بالمقارنة مع أرقام «CMIE». ويكمن الاختلاف في معدلات المشاركة الأعلى للنساء حيث أنّ النسب المستخدمة من قبل بالا وداس هي أعلى بـ 1.8 مرّة لعام 2016 وأعلى بـ 1.4 مرّة لعام 2017.

كيف وصل بالا وداس إلى أرقامهما؟ وصلوا عبر الافتراض بأنّ معدل التغيّر في «معدّل مشاركة القوى-العاملة» بين عامي 2014 و2016 هو ذاته كما كان بين عامي 2013 و2014. تمّ الافتراض بأنّ القيم ثابتة بين عامي 2016 و2017. وبشكل يثير الاهتمام فقد قام قاما بشكل انتقائي باستخدام بيانات «مركز مراقبة الاقتصاد الهندي CMIE» لتبرير طريقتهما. قاما بالإشارة إلى الانخفاض في بيانات المركز عن «معدّل التوظيف» كدليل على التحسّن في الظروف الاقتصادية، ولكنّهما رفضا الأخذ «بمعدل مشاركة القوى-العاملة» المتدني المذكور في ذات البيانات.

إنّه لمن المؤكد بأنّ كلا «المعدلين» بالنسبة للنساء هما في الوقت الحالي أدنى بكثير من الأرقام التي وردت في مسوح مكتب العمالة ومكتب المسح الوطني. لكن هذا لا يعني على الإطلاق بأنّ قيم «معدّل مشاركة القوى-العاملة» المستخدم من قبل بالا وداس لعامي 2016 و2017 هو دقيق بالضرورة. إنّ افتراض أنّ «معدّل مشاركة القوى-العاملة» لم يتغيّر خلال الفترة التي شهدت إجراءات متعلقة بالسياسات المتبعة مثل سـحب العملات من التداول أو الضرائب على البضائع والخدمات هو افتراض يحمل في طياته الكثير من الإشكالية. فحتّى لو كان تقدير «معدّل مشاركة القوى-العاملة» خاطئاً بقدر ضئيل لا يتعدّى نقطتان مئويتان، فإنّ هذا قد يُترجم إلى اختلافات في تقدير فرص العمالة قد تصل إلى 20 مليون فرصة.

وخلافاً «لمعدّل مشاركة القوى-العاملة» فإنّ بالا وداس لم يناقشا حتّى «معدّل التوظيف» المستخدم لحساباتهما. فتبعاً لإعلانهما عن قوى العمل لعام 2017 (464.3 مليون) والقوى-العاملة المقدّرة لذات العام بـ 482.6 مليون، فإنّ معدّل البطالة الضمني هو 3.8%. وهذه النسبة أدنى بكثير من نسبة 4.5% التي وصلت إليها تقديرات «CMIE».

حاول بالا وداس أن يدعما استنتاجهما الرئيسي بتقديم دليل داعم على خلق فرص العمل بطريقتين مختلفتين: الأول عبر جلب بيانات من مصادر أخرى مثل مسـح التوظيف الربعي «QES» الصادر عن مكتب العمالة ومنظمة صندوق ادخار الموظفين «EPFO»، وثانياً عبر الإشارة إلى إمكانية خلق الأعمال من مختلف الخطط الحكومية.

إنّ تقديرات «EPFO» المتعلقة بالأعمال الجديدة خادعة وقد تمّ نقاشها على نطاق واسع في الدراسة التي صدرت في وقت مبكر من هذا العام من قبل بولاك غوش وسميّة كانتي غوش اللذان قدّرا بأنّ سبع ملايين وظيفة قد تمّت إضافتها خلال 2017. إنّ الطريقة التي تمّ استخدامها في هذه الدراسة وكذلك ملاءمة استخدام مثل هذا النوع من البيانات من أجل تقدير خلق فرص العمل قد تعرّض لانتقادات واسعة النطاق. حاول بالا وداس أن يحسنوا هذه التحليلات من خلال الأخذ بالحسبان لأرقام حسابات صندوق ادخار الموظفين للأعمال ما بين 18 و21 سنة.

افترض الكاتبان بأنّ 80% من العمّال ضمن هذين العمرين هم من العمّال لأوّل مرّة. ومن جديد فإنّ هذا الافتراض لا يجد ما يبرره. فقد توصلوا إلى أنّه يوجد 1.8 مليون من الوظائف الجديدة في هذا القطّاع وضمن هذه الفئة العمرية. فإن صحّ ذلك فهذه بالتأكيد أخبار جيدة لهؤلاء العمّال بالتحديد. لكن بما أننا لا نعلم كم هو عدد الوظائف التي تمّ خلقها أو إفنائها في بقيّة الاقتصاد، فإنّ هذه الأرقام لا تساعدنا كثيراً على تعيين سعة مناخ التوظيف الكلي. فخلافاً للدراسات الاستقصائية للأسر، أو حتّى الدراسات الاستقصائية للمؤسسات، فإنّ هذه الطريقة لا تتيح لنا معرفة صافي الوظائف الجديدة التي تمّ خلقها.

وبما يخص بيانات مسح التوظيف الربعي «QES» فإنّ الكاتبان نفسيهما قد لاحظا بأنّ هذا المسح يغطي فقط حوالي 20 مليون عامل وهو ليس مؤشراً صالحاً لفرص العمل في كامل الاقتصاد. لكن ورغم ملاحظتهما هذا فقد مضيا في الافتراض بأنّه يمكن تطبيق معدل خلق فرص العمل في هذه البيانات (2.85% في 2017) على كامل القوى-العاملة غير الزراعية المكونة من 350، ممّا يعطي زيادة في التوظيف بنسبة 10 مليون وظيفة. إنّ هذا الافتراض لا أساس له على الإطلاق ولم يحاول الكاتبان أن يبرراه. أمّا بالنسبة لمختلف البرامج الحكومية فإنّ نهج الكاتبان في التعامل معهما هو أبعد ما يكون عن الصرامة. فعلى سبيل المثال: عند مناقشة خطّة قرض «MUDRA» فقد شدد الكاتبان على أنّ قرضاً بمليون روبي يمكنه أن يخلق نصفه فرص أعمال (أي 500 ألف فرصة عمل) وعليه فإنّ الثمانمائة مليون التي تمّ إنفاقها حديثاً كقروض في 2017 و2018 لا بدّ وأنّها خلقت 4 ملايين وظيفة. وبشكل مشابه فإنّ الزيادة في نشاط البناء قد أُخذ كوكيل للعمالة المتزايدة في هذا القطاع. وفي حين أنّ كلّ هذا قد يكون صحيح، فهو كذلك قد لا يكون كذلك. النقطة المختصرة هي أنّه لا يمكن لأيّ من هذه الجدالات أن تعطي أدلّة صلبة تقابل خلق فرص العمل من عدمه في الاقتصاد.

كما أنّ الدراسة تقدّم تعريفاً جديداً «لمعدل مشاركة القوى-العاملة» عبر التأكيد على أنّ هؤلاء الملتحقين في المدارس أو الجامعة يجب أن يتم اعتبارهم كذلك جزءاً من القوى-العاملة، رغم أنّه لا يتوضح لدينا ما الذي تحقق بإعادة التعريف هذه. ربّما رغب الكاتبان بأنّ يقولا بأنّ التدني الملاحظ مؤخراً في «معدل مشاركة القوى-العاملة» يجب أن يكون كإشارة تحذير لنا بأنّ أولئك الذين ينسحبون من القوى-العاملة الآن من أجل الالتحاق بالمؤسسات التعليمية سوف تتم إضافتهم عمّا قريب إلى حوض الأشـخاص الباحثين عن عمل، لكنّهم لم يقولا ذلك بشكل صريح. وكذلك فإنّ إحدى النقاط التي يأخذها بالا وداس بذات اتجاه تصاعد المنح في سوق العمالة الهندي هي أنّ نقص معدل نمو السكان يقلل عدد الشباب الذين يتم إضافتهم إلى القوى-العاملة كلّ عام، وهذا الأمر يخفف الضغط على خلق فرص عمل جديدة. لكن علينا في هذا الخصوص أن نتذكر بأنّه لا يزال أمام الهند تحولٌ هيكلي عليها أن تتمه، وعليه فإنّ توفير فرص عمل للمشاركين الجدد ليس هو التحدي الكامن في جبهة التوظيف. يجب أن تلبي فرص العمل التي يتم خلقها حاجات أولئك الذين يتركون الزراعة، وهم الذين من المحتمل أن يكون عددهم كبير بقدر المشاركين الجدد أو ربّما أكبر حتّى. نجد بأنّ هذا الأمر مفقود في التحليل.

وفي النهاية يجب أن نشير لأنّ سيناريو النمو القوي في الوظائف ليس محتمل الحدوث تبعاً للنمو المنخفض المستمر في الناتج المحلي الإجمالي ولضعف الاستثمارات ولتأثير الصدمات مثل سـحب العملات النقدية وضرائب البضائع والخدمات.