نظرة عن قرب إلى الهند 3| الأجور وليس الفرص
مانيش سابهاروال مانيش سابهاروال

نظرة عن قرب إلى الهند 3| الأجور وليس الفرص

نلقي من خلال تعريب هذه السلسلة المؤلفة من 5 مقالات الضوء بشكل مباشر ومفصل وتجريبي على الوظائف وسوق العمل الهندي، ثاني أكبر اقتصاد نامٍ في العالم، وبالتالي على تأثيره في الحياة السياسية-الاجتماعية وعلى البنية المتحولة للمجتمع والدولة الهندية التي تتقولب في الوقت الحالي تحت ضغط الظروف الدولية المتغيرة. خاصة وأنّ مسألة كالعمل وسوقه سوف يحوز القسط الأكبر من التركيز في الانتخابات العامة الهندية التي ستجري عام 2019.

تعريب وإعداد: عروة درويش

يقول البروفسور دمبلدور لهاري بوتر في الفيلم السينمائي بينما هما في حجرة الأسرار: «إنّه خياراتنا أكثر منها قدراتنا تلك التي تكشف عن حقيقتنا». إنّ هذه النصيحة مهمّة لصانعي السياسات لأنّ خياراتهم بخصوص المسائل المطروحة هي التي تقرر الإجابات. يعلم كلّ طبيب بأنّ معالجة أعراض المرض وليس العلّة يمكن أن يكون أمراً مهلكاً. ولهذا فإن كنّت تظن بأنّ الهند تعاني من مشكلة في الوظائف فستكون كمن يبذّر رزمة من الأموال برميها وهو يطير بالمروحية (مثال قانون ضمان التوظيف الزراعي عام 2005 NREGS). لكن إن أدركت بأنّ مشكلة الهند هي في الأجور فعندها سوف تجد الحلول للصياغة والتمدين والتمويل والتصنيع ورأس المال البشري. إنني أسعى هنا لأبيّن بأنّ نسب البطالة الهندية الرسمية قرابة 5% ليست هراء لأنّ جميع من يريدون عملاً يجدون واحداً، لكنّ المشكلة في أنّهم لا يحصلون على الأجور التي يريدونها. إنّ الكثير من السياسيين لا يزالون عالقين في حديث الأمس عن الوظائف بدلاً من الاستماع بعناية لمتطلبات اليوم المتعلقة بالأجور. يحتاج هذا النقاش منّا أن نفكر بخمسة أشياء: شركاتنا وإنتاجيتنا وأجورنا وبياناتنا وأطر العمل الصغيرة الممكنة. دعونا ننظر لكلّ واحدة منها بشيء من التفصيل.

إنّ النظر إلى الشركات في أيّ بلد هو أمر معقد لكنّ رجال الأعمال يخلقون بشكل أساسي نوعان من الشركات: الطفلة أو القزمة. إنّ كلتا الشركتين صغيرات لكن الطفلة سوف تنمو بينما القزمة ستبقى صغيرة. إنّ الهند هي دولة الشركات القزمة، لدينا 63 مليون شركة منها 12 مليون لا تملك حتّى عنواناً، و12 مليون عامل يعملون من المنزل، وفقط 6.4 مليون يدفعون ضرائب غير مباشرة حتّى صدور الضرائب على البضائع والخدمات، وفقط 1.2 مليون يدفعون للضمان الاجتماعي، وفقط 18500 شركة رأسمالها المدفوع أكثر من عشرة ملايين روبية.

إنّ الرسمية والحجم مهمان جداً من أجل الإنتاجية. فعندما تريد أن تصنّف المؤسسات الصناعية عبر الحجم فهناك اختلاف بقدر 22 مرّة في الإنتاجية بين أحد ما في 90% وآخر في 10%. ومع اختلاف في الإنتاجية بقدر 22 ضعف فلن تدفع على الإطلاق تعويضات الأجور. لكن إن لم تدفع تعويضات الأجور فلن تكون منتجاً على الإطلاق.

إنّ إنتاجيتنا الوطنية المتدنية – لقد استغرق الأمر 71 عاماً ليتخطى الناتج المحلي الإجمالي لـ 1.2 مليار هندي الناتج الإجمالي المحلي لـ 66 مليون بريطاني – هي ابنة قرار أفادي الصادر عام 1955 والذي أطلق العنان لترخيص حاكم الهند الذي ضمن بأن لا يكون لدى الشركات زبائن بل رهائن.

إنّ تطبيق ضريبة البضائع والسلع في 2017 هو تشويش مهم. أضفنا 4.7 مليون شركة جديدة العام الماضي. لن تصبح ولا واحدة منها صاحبة توظيف عالٍ، لكنّ هذه الإضافة الضخمة للشركات تزيد بشكل كبير من فرص العمل الرسمية، والهند تنتج المزيد من الأطفال.

يحتاج التفكير في الإنتاجية إلى غوصٍ أعمق في الزراعة وفي الأعمال الحرّة (أن يعمل المرء لحسابه الخاص). تنتج 50% من عمالتنا فقط 13% من الناتج المحلي الإجمالي (بالنسبة للإنتاجية العالية لتكنولوجيا المعلومات التي تشكّل 0.7% من قوانا العاملة فهي تنتج 8% من الناتج المحلي الإجمالي). إنّ لدينا الكثير من الفلاحين وتقليص فقر الفلاح يحتاج إلى أربعة عوامل: التحفيز والاستثمار والمؤسسات والابتكار، لكنّ الحلّ المستديم الوحيد هو أن يكون لدينا فلاحون أقل. وأمّا القاتل الثاني لإنتاجيتنا فهو أنّ 50% من العمل حر. فالفقراء لا يمكنهم أن يتحملوا أن يبقوا دون عمل، ولا يمكن للجميع أن يصبح رجل أعمال، والكثير من شركات الهند البالغ عددها 63 مليون قابلة للحياة فقط عبر ما يسميه الاقتصادي الروسي تشايانوف «التوظيف-الذاتي» (فليس عليك أن تدفع لنفسك أو لعائلتك أجور سوقية). وكما يقول الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان: الإنتاجية ليست هي كلّ شيء، ولكن على المدى الطويل هي كلّ شيء.

لا يمكن للإنتاجية أن تأتي عبر وضع أجور دنيا – كما حصل في الإجراءات التي أدّت إلى تضـخم هائل – بل من الوظائف الرسمية غير الزراعية ذات الإنتاجية العالية في المناطق المدنية والتي يقوم بها عمّال ذوو رأس مال بشري أعلى.

إنّ التفكير في بيانات سوق العمالة يحتاج إلى غوص أكبر داخل مصادر البيانات التوظيفية الأربعة جميعها: المسـح الأسري ومسـح الشركات والبيانات الإدارية والبيانات من الخطط الحكومية. لكنّ التفكير في أنّ أحد المسوحات هو أعلى من الآخر ليس أمراً عادلاً (29% من الهنود في المسح الأسري قد قالوا بأنّهم يعملون لصالح شركة لديها أكثر من 9 موظفين، لكن فقط 1.5% من الشركات قالت بأنّ لديها أكثر من 9 موظفين في مسـح الشركات) البيانات الإدارية عادة ما تكون لديها قواعد هشّة، لكنّ الملايين من دافعي الإدخار الجدد في السنوات العدّة الماضية يمثلون بيانات من خطّة اقتطاع مساهمة محددة مرتبطة ببرنامج «أدهار» بحيث يستحيل أن يكون هراء. هذه البيانات هامّة لأنّها تعطي الباحثين وصانعي السياسات وأرباب العمل بيانات جديدة عابرة للزمن والأعمار والأقاليم والمصادر غير ذات صلة (كبرامج الضرائب على البضائع والخدمات وسحب النقد من التداول والتطبيق الأفضل والعفو وإعادة إيجاد الأخلاق...الخ) حيث أنّ الحصول على العنب أهم من الناطور. لكنّ الخطيئة المميتة في تقرير سوق العمالة يأتي من تقرير «أرجون سينغوبتا» الذي خلق إرباكاً بين بيانات الشركات غير الرسمية والتوظيف الرسمي، وعلاوة على ذلك ارتكب المحرّم باعتباره أنّ لا رسمية الوظائف أمر لا يمكن تخطيه والتغلب عليه. وكما قال أحد السياسيين الحكماء: «يمكنك أن تملك رأيك الخاص، لكن ليس حقيقتك الخاصة».

يحتاج التفكير بالأجور إلى الإقرار بثلاثة مسارات خاطئة: «الإجمالي مقابل الصافي» و «الاسمي مقابل الحقيقي» و «الحكومة مقابل السوق». يتم تحديد خسائر «الإجمالي مقابل الصافي» التي تبلغ 40% من خلال استجابة الساعين لإيجاد عمل لأرقام الرواتب بالسؤال: «هل الراتب هو المكتوب أم الذي في يدي؟». لا يجادل أحد بأنّ على الإجمالي أن يصبح مساوياً للصافي ولكنّ المستويات الحالية من ضعف القيمة بالنسبة للأموال تؤدي إلى اللارسمية. ويمكن تلخيص اختلاف «الاسمي مقابل الحقيقي» بالشـخص الذي قال لي مرّة: «امنحني 4000 روبية في غوالياور أو 6000 في غورغاون أو 9000 في دلهي أو 18 ألف في مومباي، وسأحزم حقيبتي وأمضي أينما تريد.

وبما أنّ أرباب العمل يهتمون بالأجور الاسمية والموظفون يهتمون بالأجور الحقيقية، فإنّ هذا الاختلاف يؤدي إلى الهجرة القاتلة، فنحن نملك فقط 52 مدينة فيها أكثر من مليون شخص بالمقارنة مع الصين التي تملك 375 منها. أمّا صدع «الحكومة مقابل السوق» فيأتي من كون الحكومة تدفع الكثير عند القاع والقليل جداً في القمّة. لا تأخذوا الأعداد الهائلة من الأشـخاص ذوي المؤهلات العالية الذين يتقدمون لوظائف الحكومة المقيدة بوصفها دليلاً على انتشار البطالة، فمعظم المتقدمين لهذه الوظائف يختارونها ويفضلونها على الوظائف الخاصة بسبب تعويضات الأجور والأمان الوظيفي الذي توفره.

إنّ أيّ إطار عمل صغير سيكون غير مكتمل ومؤقت، فقصّة التصنيع المخصص للتصدير في الصين قد نشأت لأنّ دينغ شياوبينغ كان ماهراً ومحظوظاً في آن، فقد شهد ثلاثين عاماً من النمو العالمي الخارق والانفتاح الدولي على التجارة والتدمير الدولي لسلاسل التصنيع والتوريد.

إنّ الاقتصاد الهندي معقد جداً، فنحن نصنع كلّ شيء ونقوم بأيّ شيء، رغم أننا قد لا نصنعه بشكل حسن أو بشكل يوافق المعايير على الدوام. إنّ عبارة «صنع في الهند» قد تتبعها عبارة «صنع لأجل الهند». لقد تركّز الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي والذي بلغت قيمته العام الماضي 64 مليار دولار في المجالات حيث وصلت الأسواق المحلية إلى نقطة حرجة، وهو ما يعني بأنّ التصنيع قد يرتفع ليشمل من 11% إلى 20% من القوى العاملة لدينا. لكنّ أسرع الوظائف النامية في الاقتصاد ستستمر في المبيعات وخدمة الزبائن والخدمات اللوجستية.

لقد بدأت معاركنا للتو، فنحن بحاجة لمدن أكثر وأفضل. نريد المزيد من الشركات الرسمية. نريد المزيد من الأعمال غير الزراعية. نريد رأس مال بشري أفضل. نحتاج إلى تدخلات سريعة لتسهيل الأمور على العمّال وإلى التحرّك سريعاً تجاه قانون عمل موحد يسري على طول الهند.