ثورة أفغانستان2 | الانقلاب
جوناثان نياله جوناثان نياله

ثورة أفغانستان2 | الانقلاب

حلم المتعلمون الجدد والأساتذة الشبان في أفغانستان ببلاد متقدمة وعصرية. كنت وصديقي طاهر في إحدى المرات في إقليم هيلماند نقف بين حشد من المتفرجين الصامتين على مظاهرة لبضعة مئات من تلامذة الثانوية. كان التلامذة يقفون على شكل صندوق ويصرخون بشعار: «الموت للخانات» والخان هي الكلمة المحلية التي تدلّ على السيّد الإقطاعي. لم تكن الكلمة التي ينطق بها هؤلاء التلامذة مجرّد تعبير مجازي، بل كان مشروعهم السياسي يستند إلى قتل السادة الإقطاعيين في أقاليمهم.

تعريب وإعداد: عروة درويش

سألني طاهر: «ألديكم مثل هذا الشعار في أمريكا؟». وأخبرته بأننا نملك مثله، وبأنني كنت مشاركاً في بعض مسيراته كذلك. أخبرني عندها عن «الثالث من عقرب» عام 1965 عندما تظاهر التلاميذ في كابول إلى جانب البرلمان المنتخب حديثاً، وهي المظاهرة التي كان فيها والتي تمّ فيها إطلاق النار على ثلاثة متظاهرين.

كانت غالبية الشباب من الطبقة المتمدنة الجديدة ينضمون إمّا إلى الأحزاب الإسلامية أو إلى الأحزاب الشيوعية. كان حزب الإخوان حزباً إسلامياً، وكان معظم أعضائه من الجامعيين المتعلمين ومن نفس الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها طاهر. وقد أصبح ناشطوه من الشباب فيما بعد هم قادة مقاومة الوجود السوفييتي. وكان الشيوعيون منقسمين إلى تيارين: تيار البرشام (تيار الراية)، وكانوا متعلمين وينحدرون بمعظمهم من سكان المدن ووسطيين، وتيار خلق (تيار الشعب) وكانوا أقل تعلماً ويعود معظمهم إلى أصول فلاحية، وغالبيتهم من العرق البشتوني. انضمّ طاهر إلى البرشام. كان الشيوعيون في عام 1973 ينمون بسرعة أكبر بكثير من الإخوان.

جلست مع طاهر في غرفة استقبال والده في القرية، ومشينا وتنقلنا بين القرى حول نانغراهار. وقع اختيار الجامعة على طاهر ليكون «نظيراً» لي أثناء المرحلة المبكرة من عملي الميداني. وكنت أدفع له أربعة أضعاف راتبه الشهري البالغ 1500، وهو ثلاث أضعاف ما كان يكسبه العامل. كنت لا أزال أتعلم اللغة وكان يترجمها لي. وكان من مسؤوليته كذلك أن يقدم تقارير دورية عنّي للجهات الأمنية. كان كلانا يعلم ذلك ولكننا لم نذكره أبداً.

تم ترتيب زواج طاهر بشكل تقليدي. ولم تكن زوجته قد دخلت المدرسة أبداً ولهذا كان هناك الكثير ممّا لم يتمكن من التحدث به معها. كان قد تزوج إرضاءً لعائلته الذين اختاروا له فتاة محلية على أمل ربطه بالقرية. في الأعوام الأولى كانت تعيش مع والديه وكان يزورها عندما يستطيع. حاول أن يطوّر علاقة حقيقية بها. بدأت الفتيات في مرحلة الحراك الثوري الأولى يذهبن إلى المدرسة سواء في المدن أو في القرى. كان كلا حزبا برشام وخلق مليئان بالرفيقات الإناث. كانت مسألة تحرير المرأة مركزية في حلمهم في تحقيق عالم أفضل. أمِل طاهر بأن يستطيع يوماً ما جلب زوجته للعيش معه في كابول. وقد وعدني في حينه بأنّه سيعرفها بي لأنّه لن يقوم أبداً بفرض الحجاب والعزلة عليها.

كان هناك جفافٌ في عام 1972، وهو أحد الآثار المبكرة على التغيّر المناخي. اجتاحت مجاعة أجزاءً من شمال البلاد. أتت المساعدات من الخارج. كدّس الضباط والمسؤولون الحكوميون أكياس الحبوب في الساحات وكان يحرسها الجنود حتّى يقوم المسؤولون ببيعها بعشرة أضعاف ثمنها الاعتيادي. اضطرّ الفلاحون الصغار لبيع أراضيهم للخانات الإقطاعيين بأثمان بخسة جدّاً من أجل شراء الحبوب للأكل. جلس الفلاحون الذين لا يملكون الأرض دون أمل بانتظار الموت أن يأخذهم. سألهم صحفي فرنسي عن سبب عدم اقتحامهم أماكن تخزين القمح فأجابوه: «لدى الملك طائرات وسيقصفنا بها إن فعلنا».

فقد الملك وحكومته أيّ دعم. كان ابن عمّ الملك محمد داوود رئيساً قاسٍ للحكومة منذ عام 1963، وكان ميالاً أكثر للتعاون مع السوفييت، في حين أنّ الملك كان ميالاً للتعامل مع الأمريكيين. وبما أنّ الولايات المتحدة قد قطعت الدعم الذي كانت تقدمه لأفغانستان بعد حرب فيتنام، كانت معظم الأموال من الخارج تأتي من السوفييت. نظّم داوود انقلاباً عسكرياً ولم يلقى أيّ مقاومة، فلم يكن أحدٌ مستعداً للموت من أجل الملك.

إنّ الذين قاموا بالتنظيم الفعلي للانقلاب هم ضباط جيش شيوعيون ينتمون بغالبهم إلى تيار خلق. كان ضباط الجيش والمدرسون ينحدرون بغالبيتهم من أسر فلاحية متوسطة، وكانوا على الأغلب هم أول المتعلمين في أسرهم، وقد تدرب معظمهم في الاتحاد السوفييتي.

لم يغيّر الانقلاب الكثير، فقد بقيت السلطة بيد الإقطاعيين الكبار بالرغم من خطاب داوود الذي يدعي اليسارية. تحولت الجامعات والثانويات والمدراس الإعدادية إلى أماكن شديدة التسييس، وتحديداً في المدن والبلدات الكبيرة. كان بعض المدرسين يتبنون وينشرون أفكار الإخوان، وكان البقية ينشرون أفكار خلق وبرشام. تجادل الطلبة فيما بينهم. أراد البرشام أن يتعاونوا مع دكتاتورية داوود، بينما أراد تيار خلق الثورة الكاملة.

كان الشيوعيون ينمون ويزدادون نفوذاً. أصدر داوود في نيسان 1978 أمراً باغتيال الزعيم الشيوعي مير أكبر خيبر. اتحد كلا التيارين الشيوعيين في تظاهرة عامة كبرى أثناء جنازته في كابول. أمر داوود باعتقال جميع قادة التيارين، وكانوا جميعاً يعلمون أنّه على وشك تصفيتهم. تدبر أمين، أحد القادة الشيوعيين، أمر القيام بانقلاب. قام ذات الجيش الذي جلب داوود إلى السلطة بقتله مع جميع أفراد عائلته. وكما حصل مع الملك، لم يكن أيّ أحد مستعدٍ للدفاع عن داوود، فنجح الشيوعيون بخلعه.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على الإثنين, 18 حزيران/يونيو 2018 14:52