السياسة الأميركية خلف الكواليس الأولمبية
إيلي ليك إيلي ليك

السياسة الأميركية خلف الكواليس الأولمبية

ربما يميل المرء إلى الشعور بأن رمزية التعامل مع دورة الألعاب الأولمبية تنبئ عن اتخاذ إدارة دونالد ترمب توجهاً صارماً إزاء كوريا الشمالية.

قبل الحفل الافتتاحي، التقى نائب الرئيس، مايك بنس، منشقين عن كوريا الشمالية. وخلال فعاليات الافتتاح، جلس مع والدي أوتو ورمبير، الطالب الأميركي الذي تعرض للسجن وأصيب بإصابات بالغة خلال فترة احتجازه في كوريا الشمالية، لدرجة أنه توفي في غضون فترة قصيرة من عودته إلى الولايات المتحدة. في طوكيو، أعلن بنس أنه سيجري الكشف عن عقوبات جديدة قريباً ضد كوريا الشمالية.
بيد أن هذه الخطوات الرمزية أخفت وراءها تنازلاً مهماً، فقد أخبر بنس الصحافي جوش روغين من «واشنطن بوست» أن الولايات المتحدة على استعداد للحديث إلى بيونغ يانغ حتى من قبل إقدام نظام كوريا الشمالية على أي خطوات للحد من حدة الأزمة التي صنعتها.
وجاء هذا التنازل سعياً لتجنب ظهور خلاف مع حكومة كوريا الجنوبية التي يترأسها مون جاي إن الذي يرغب في تحويل الدورة الأولمبية إلى فرصة لعقد مفاوضات أكثر جدية مع نظام كيم يونغ أون.
كما أن هذا الأمر لا ينطوي على انهيار كامل في الموقف الأميركي، فبنس حالياً يقول إنه في الوقت الذي تبدي فيه واشنطن استعدادها للحديث عن عقد محادثات، فإن العقوبات والضغوط الأخرى لن تتراجع حدتها حتى تشرع كوريا الشمالية في تقديم تنازلات نووية من جانبها.
ورغم هذا، يتفق معظم الخبراء المعنيين بالقضية الكورية على أنه ما من احتمال حقيقي أن تقنع المحادثات أو العقوبات المالية كيم بالتخلي عن ترسانته النووية. ربما تفلح العقوبات في تجريد النظام من الموارد التي تمكنه من إنجاز جهوده في بناء أسلحة نووية، لكن يكاد يكون من المؤكد أنها ستخفق في دفعه إلى تقديم تنازلات مؤقتة.
ويعيدنا ذلك إلى الدبلوماسية الرمزية التي انتهجها بهذا الشأن. يذكر أنه وجه الشكر إلى المنشقين عن نظام بيونغ يانغ على شجاعتهم. وقال إنه يرغب في ضمان وصول أصوات الرجال والنساء الذين عانوا التعذيب وبتر الأطراف والتضور جوعاً كي يفروا من جحيم كوريا الشمالية، إلى العالم. وأضاف أن «الشعب الأميركي يقف إلى جانبكم، وأنتم تمثلون شعب كوريا الشمالية والملايين التي تحن إلى الحرية هي الأخرى».
وكانت تلك لحظة ملهمة، لكن تبقى مسألة إثارة الوعي مهمة الصحافيين والنشطاء. أما رجال الدولة فلديهم سلطات تخول لهم فعل المزيد. والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: ماذا يقدم التوجه الأوسع الذي تنتهجه أميركا إزاء كوريا الشمالية لأولئك الخاضعين لقسوة حكم آل كيم؟
بالطبع من الممكن بذل جهود دبلوماسية، والعمل على تغيير الأنظمة السلطوية دون حرب. على سبيل المثال، تمكن الرئيس رونالد ريغان من التفاوض بخصوص صفقات أسلحة مع الاتحاد السوفياتي والعمل في الوقت ذاته على تقويض نظامه عبر تعزيز الإنفاق الدفاعي ودعم حركة التضامن البولندي، وإصدار توجيهات للدبلوماسيين الأميركيين بالتشديد على أوضاع السجناء السياسيين.
ومع ذلك، فإنه بالنسبة لإدارة ترمب فإن كل ما نراه هو استراتيجية السيطرة على الأسلحة، التي يطلق عليها مسؤولون الآن «نزع الأسلحة النووية». وقد جرى تصميم الضغوط الأميركية للوصول إلى تجميد للجهود النووية سعياً لنهاية المطاف لنزع التسليح النووي. إذن، أين استراتيجية تحرير كوريا الشمالية؟
ومع أن البعض يردد أن جميع الخيارات الممكنة جرى تجريبها بالفعل خلال الأعوام الـ330 الماضية من التفاوض النووي مع آل كيم، فإن السياسة الأميركي لطالما افتقرت إلى أي جهود حقيقية لمعاونة أبناء كوريا الشمالية الراغبين في العيش بكرامة.
لقد اتبعت واشنطن دوماً الصيغة ذاتها: ممارسة ضغوط وطرح إغراءات مقابل تعهدات نووية - أي ترك النظام مقابل التخلي عن السلاح النووي.
ويعتبر تركيز بنس على السجناء السياسيين لكوريا الشمالية بداية طيبة، لكن الملاحظ أن الجهود الأميركية اقتصرت على هذا الأمر. وحتى نعاين دليلاً على وجود خطة أميركية لوضع نهاية لطغيان نظام كوريا الشمالية، ستظل نيات نائب الرئيس جوفاء بلا قيمة حقيقية.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني