الصين وأمريكا: بين دفع ومقاومة تعدد الأقطاب
هوانغ جينغ هوانغ جينغ

الصين وأمريكا: بين دفع ومقاومة تعدد الأقطاب

خرجت مؤخراً عدّة تقارير عن حكومة الولايات المتحدة تصف الصين بكونها «قوّة تحريفيّة» وبأنّها منافس يحاول إعادة بناء عالم مناهض لقيم ومصالح الولايات المتحدة. يجدر بنا أن نلاحظ بأنّ قوى النظام القائم الأمريكيّة تأخذ العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة ضمن مفهوم استراتيجي داخل إطار العمل العالمي.

تعريب: عروة درويش

التغيير الحاصل في العالم مرتبط بشدّة بالصين وبالولايات المتحدة، وبالتالي يجب أن يتم تعريف وإدارة العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة من منظور عالمي. يجب على الصين أن تستمر في التكيّف مع أوقات التغيير من أجل قيادة مبادرة الوصول لعلاقات ثنائيّة وتعزيز نوع جديد من العلاقات بين القوى الرئيسيّة.

لقد انتشرت موجة التحديث الثالثة التي تقودها القوى الصاعدة مثل الصين على طول آسيا-المحيط الهادئ، لتغطي سكاناً يناهز عددهم 4 مليارات شخص. وخلافاً للموجتين السابقتين، فقد انكشف بأنّ هذه الموجة الثالثة مسالمة. ويعود ذلك لسببين: التزام الصين بمبادئ الإصلاح والانفتاح، وبطريق التعاون الذي يصبّ بصالح جميع المشاركين. إضافة لذلك، فإنّ النظام العالمي الذي تلا الحرب العالمية الثانية قد زوّد العولمة الاقتصادية بضمانات مؤسساتيّة.

نشأت نزعتان عالميان: التكامل الاقتصادي العالمي وتعدد الأقطاب السياسي. في هذا السياق، فإنّ اختلاف المواقف والتدابير المضادة التي اتخذتها كلّ من الصين والولايات المتحدة قد أديا إلى نشوء تحديات في علاقتهما. كيف نتحيّن الفرصة في المساهمة في ترابطهما.

فبخصوص التكامل الاقتصادي العالمي، رغم أنّ بين الصين وأمريكا نزاعات، فإنّ المصالح المشتركة لهما تتغلّب على التحديات. فبعد كلّ شيء، المصالح المهيمنة في الاقتصاد الأمريكي، أي الرأسماليون والشركات العابرة للحدود، منخرطة بشكل عميق في الاقتصاد العالمي. في الواقع، التركيز على المنافسة الصينيّة-الأمريكيّة يكمن فيمن يضع القواعد، بما أنّ كلا الدولتين تريدان للقواعد أن تساعدهما في تعظيم المنافع. بهذا المعنى، يمكن لكلا الدولتين أن تلتقيا عند منتصف الطريق وأن يصلا إلى حلّ وسط.

مع تحوّل المشهد العالمي إلى تعدد الأقطاب، فلدى الصين والولايات المتحدة موقف مختلف تجاهه. الصين متفائلة بشأن التغييرات بما أنّ عالماً متنوعاً ومتعدد الأقطاب سيقود إلى بيئة آمنة محسنة، بل أكثر من ذلك سيظهر بأنّ النموذج الصيني هو الصحيح.

تقف الولايات المتحدة على النقيض. أدركت قوى النظام القائم بأنّ تعدد الأقطاب سيُنهي هيمنة الولايات المتحدة، وكذلك سيثبت بأنّ النموذج الغربي من الديمقراطية الليبرالية ليس الطريق الوحيد إلى الحداثة، حيث يمكن تحقيق هذه الحداثة بشكل أسرع وأجدى في ظلّ الاشتراكية. ولهذا حاولت الولايات المتحدة جاهدة أن تمنع تعدد الأقطاب من أجل حماية مصداقيتها السياسيّة.

وطالما أنّ الأمر متعلق بالتعددية القطبيّة، فإنّ العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة تواجه تحديات أكبر من الفرص. هذا نزاع بين طرق تطوّر ومعتقدات وقيم مختلفة، والطريقة الوحيدة للحفاظ على السلام وإدارة النزاعات هي عبر الحفاظ على التوازن الاستراتيجي.

تريد الصين أن تستغلّ الفرصة التاريخيّة لتطوير العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة، حيث أتى الرئيس الصيني تشي جينبينغ بثلاث سياسات رئيسيّة: أولاً: تحتاج الصين لتعزيز التجارة الحرّة المستندة إلى آليات السوق، ونقض الحمائيّة والدفع نحو التكامل الاقتصادي العالمي. ثانياً: الصين هي موجدة وحامية النظام الدولي الحالي. إنّ الخطوة الأولى للصين في التعامل مع المسائل العالمية ليست في صنع قواعد جديدة، بل في تحسين النظام الدولي القائم على آليات متعددة الأطراف، والمشاركة بنشاط في الحكم العالمي. ثالثاً: تطوّر الصين التعاون والعلاقات مع الدول الأخرى على مبدأ ربح-ربح، فتنشأ شراكات بدلاً من تشكيل تحالفات.

منذ وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع إدارته إلى الحكم، هيمن الاتجاه المحافظ على سياسة الولايات المتحدة، ممّا جلب تحديات هائلة إلى العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة. لكنّ السبب الجوهري لهذه التحديات يكمن في سياسة الولايات المتحدة الهادفة لعكس التكامل الاقتصادي العالمي وتعدد الأقطاب. إن نجحت سياسة الولايات المتحدة، فستكبح موجة التحديث الثالثة وتحرم الصين من الفرص التاريخيّة.

ومن أجل تخطي التحديات، على الصين أن تمضي أبعد من العلاقات الصينيّة-الأمريكيّة وأن تعمل مع بلدان أخرى من أجل تعزيز التكامل الاقتصادي العالمي وتعدد الأقطاب.

إن تابعت الصين تطوير العالم، فيمكنها أن تأخذ المبادرة لتذليل العقبات في روابطها مع الولايات المتحدة وأن تحافظ على روابطها مع الولايات المتحدة وأن تحافظ معها على علاقات ثابتة. فبعد كلّ شيء، ما أن تنجح موجة التحديث الثالثة، ستصل المدنية إلى علو غير مسبوق، وسينتفع جميع العالم، ومن ضمنه الولايات المتحدة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني