واشنطن بوست تعانق مجمع الصناعات العسكريّة... والنيويورك تايمز عزول
إيريك زوس إيريك زوس

واشنطن بوست تعانق مجمع الصناعات العسكريّة... والنيويورك تايمز عزول

كتب إيريك زوس مقالاً يتحدّث فيه عن وسائل الإعلام السائدة وعن ارتباطها الوثيق بالشركات الكبرى وعلى رأسها شركات مجمّع الصناعات العسكرية الأمريكي. فيقول: «من المعتاد أن تتنافس النيويورك تايمز والواشنطن بوست ضدّ بعضهما البعض من أجل احتلال لقب الوسيلة الدعائية الرئيسيّة للشركات الكبرى التي لا يتجاوز عددها المائة، والتي تبيع لحكومة الولايات المتحدة. وأغلب هذه الشركات المائة هي ممّن تتعاقد مع البنتاغون، وأغلبها من شركات تصنيع السلاح، وأكبرها Lockheed martin».

تعريب وإعداد: عروة درويش

ويشرح الكاتب أكثر بالقول: «تقوم شركات السلاح الخاصّة هذه، التي ليس هناك قانون يمنعها من تقديم المعونات والتبرعات، باتباع استراتيجيّة أعمال منطقيّة بامتلاك أو بالتبرّع للكثير من وسائل الإعلام المحليّة والدولية من أجل توليد أعمال جديدة لصانعي السلاح أو لغيرهم من الشركات المرتبطة بها ... وأهم وسائل الإعلام هذه بالنسبة للأمريكيين هي الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، وخاصّة في مجال المعلومات الخارجيّة وتشكيل الرأي العام بشأنها».

ويتحدث المقال عنّ أنّ صحيفة النيويورك تايمز كانت فيما مضى، وتحديداً عام 2002، هي وسيلة الدعاية الرائدة للتعبير عن آراء «المحافظين الجدد» (دعاة الإمبرياليّة ودعاة الغزو وأصدقاء المجمع الصناعي العسكري)، حيث ساهمت بشكل صارخ في نشر الكذبات الحكوميّة الصارخة عن امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل.

لكن بخصوص إيران والأحداث فيها، يبدو بأنّ نيويورك تايمز تفقد بوصلتها السابقة. فحتّى تاريخ كتابة المقال (7 كانون الثاني) لم تنشر النيويورك تايمز مقالاً باسم المحرر بخصوص الاحتجاجات في إيران. ويأخذ الكاتب عينة من المقالات المنشورة في الصحيفة والتي رغم كونها صديقة لمجمّع الصناعات العسكرية، فهي ليست متعصبة كليّاً لفكرة الترويج لعمل تدخلي أمريكي.

ورغم أنّ جميع المقالات، والتي يسخر الكاتب من مدى سوئها، تصبّ في ذات التيار العام على أنّ الحكومة الإيرانية سيئة، وأنّه يجب أن يتم إزالتها هي والنظام الإيراني (مثل نشر مقال لرئيس مركز «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيّة» المموّل بشدّة من مجمّع الصناعات العسكرية والمؤيّد بشدّة لإسرائيل)، فهي ليست بذات النبرة التي اعتادت نيويورك تايمز على اتخاذها. ففي الاستنتاج الذي ورد في مقال بعنوان: «كيف يمكن لترامب أن يساعد متظاهري إيران؟ بأن يصمت»، كتبت: «يجب على السيّد ترامب، كي يساعد المعارضة ويزيد فرصها في النجاح، ألّا يفعل شيء»، وفي هذا كما قال المقال: «مثال نادر على رأي مناهض لمجمع الصناعات العسكرية (أي اتخاذ مقاربة لا تساعد على رفع المبيعات العسكريّة) تنشره إحدى مؤسسات الإعلام الأمريكي السائد».

أمّا صحيفة الواشنطن بوست فقد نشرت في الأوّل من كانون الثاني مقالاً كتبه المحرر بعنوان: «وجهة نظر البوست: على الغرب أن يدعم المتظاهرين في إيران»، والذي يقول: «... يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن تنسقا من أجل تشكيل ضغط خارجيّ على النظام يهدده حال قمعه للمظاهرات». وفي مقال آخر نشر في الثالث من كانون الثاني، يبدو محتواه من عنوانه: «يجب الآن ألّا نبقى صامتين عن إيران». ثمّ نشرت مقالاً للإسرائيلي ناتان شارانسكي يهاجم فيه ما أوردته صحيفة النيويورك تايمز من أنّ على الولايات المتحدة أن تبقى صامتة، ويختم هذا المقال: «لحسن الحظّ أنّ الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أظهروا عدم رغبتهما باتباع هذه النصيحة».

ويمرّ المقال على مقالات أخرى في الواشنطن بوست بعناوين توضّح ما فيها، مثل: «قد تتلاشى أفضل فرص أوروبا في إيران بعد وقت قريب» الذي تهاجم فيه الاتفاق النووي، ومثل: «يحتاج المتظاهرون في إيران الدعم من واشنطن» الذي كتبته مؤسسة «WINEP» الممولة بشكل مباشر من المنظمة الصهيونيّة «AIPAC»، ومثل مقال: «إنّ ترامب محق في إخبار إيران بأنّ العالم يراقب» الذي يتحدث عن قيام خامنئي بقمع المظاهرات.

ويشرح المقال السبب في تحوّل الواشنطن بوست لتصبح هي صوت «المحافظين-الجدد» أكثر ممّا كان الأمر عليه في 2002: فمالك موقع أمازون الشهير جيف بيزوس، بعد أقلّ من عام على شراءه الواشنطن بوست عام 2013، حصل على عقد تخزين إلكتروني مع وكالة المخابرات العامّة، الوكالة المهمّة جدّاً للجيش الأمريكي. إنّ العقد المربح جدّاً الذي وقعه بيزوس مع الجيش، هو المسؤول غالباً عن تحويل أمازون من شركة تخسر المال إلى شركة رابحة. إنّ الواشنطن بوست التي تخسر المال قد أصبحت منذ أيّام مالكها السابق ومن قبله، داعماً شديداً لحروب الجيش الأمريكي وغزواته، وبالتالي لشركات السلاح والشركات المرتبطة بها. لكن مؤخراً باتت الوكالات الحكوميّة، وكذلك الشركات، تحتاج الكثير من التخزين الإلكتروني الذي تحصل شركات بيزوس على عقوده. ونتحدّث هنا عن شركات مثل لوكهيد مارتن وبوينغ ورايثون... الخ. وينعكس هذا على مواقف الواشنطن بوست منذ حرب العراق 2002، والذي زاد مع قصف ليبا والحرب في سوريا وأوكرانيا.

ويختم المقال بالقول: «اليوم، مزودو الأخبار الأمريكيون ذوي السمعة الكبيرة يختلفون عن بعضهم البعض من حيث الإيديولوجيا، لكنّ كلّ هذا الاختلاف ينحصر ضمن إطار النيوليبرالية والمحافظون الجدد».

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني