بوديموس تحت الضغط
jacobinmag jacobinmag

بوديموس تحت الضغط

لقد تفتتت حركة الانفصال في كاتالونيا بعد لجوء حكومة اليمين الحاكم في مدريد إلى السيطرة على المؤسسات الكاتالونيّة وفرض الوصاية المباشرة وتعليق الحكم الذاتي. أثار الوضع الحاليّ في كاتالونيا شرخاً في قوى حركة الانفصال الكاتالونيّة، حول كيفيّة التعامل مع الموقف. حيث قام التحالف الذي يضمّ أعضاء «يمين الوسط ويسار الوسط» بإبعاد أنفسهم عن المقاربة أحاديّة الجانب للاستقلال. وسوف يقومون عوضاً عن ذلك بالمشاركة في الانتخابات الجديدة هذا الشهر من أجل الوصول إلى «مفاوضات ثنائيّة مع الدولة الإسبانيّة والاتحاد الأوربي».

إعداد: عروة درويش

وقد ضربت بقيّة إسبانيا موجة من المشاعر القوميّة التي تحوّلت بشكل واضح إلى تأييد لليمين، حيث أظهرت بعض الاستطلاعات بأنّ حزبا اليمين الأبرز في إسبانيا: حزب الشعب الحاكم (Partido Popular) وحزب المواطنين (Ciudadanos)، سوف يفوزان بأغلبيّة ساحقة إن أجريت الانتخابات العامّة اليوم. أمّا بوديموس، وهو الحزب الإسباني الوحيد الذي صوّت ضدّ تعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا، واجه صعوبة في العمل في جوّ تهيمن عليه مثل هذه الاتجاهات القوميّة. لقد جلب لهم دفاعهم عن النموذج الفدرالي البديل للاستقلال وللحكم الذاتي، نعتهم بشكل مستمرّ «بالخونة» من قبل الإعلام الإسباني السائد.

أجرى يوغان غيلمارتين من صحيفة جاكوبين لقاءاً حواريّاً مع برايز فيرناندز، الناشط في جناح «مناهضة الرأسماليّة» في بوديموس ومحرر صحيفة «viento sur»، ومع خورخي مورونو، عالم الاجتماع ورئيس الحوار السابق في بوديموس والعضو المنتخب في هيئة الحزب التنفيذيّة حالياً. وهاكم أهمّ نقاط هذا الحوار:

  • ما هي فكرة إسبانيا كدولة متعددة القوميات، يحمل بوديموس لواءها؟ وما هي الظروف اللازمة لتحقيقها؟

- خورخي: مثل جميع الهويات، يجب أن نُظهر بأنّ مفهوم النخبة عن إسبانيا والآخرين، يشكّل تهديداً على إسبانيا نفسها. فعدم قدرة إسبانيا على تعريف نفسها بطريقة أخرى يجعلها تشير إلى جزء من مكوناتها بأنّهم عدوّ داخلي، ويصبح ضمن هذا المفهوم أيّ شخص يساءل النظام الاقتصادي-الاجتماعي والنظام الإقليمي بأنّه جزء من المناهضين لإسبانيا.

أمّا بوديموس، فلديها مشروع لإسبانيا يجب إنشاءها، بهدف جعلها بلاداً لا يرغب أحدٌ بمغادرتها لأنّ لا أحد مجبرٌ على البقاء بها. وحتّى نحقق ذلك، يجب أن نعيد هيكلة الدستور ومؤسساته بحيث يمكن الانتماء لإسبانيا وللمجتمعات المحليّة داخلها.

- برايز: هناك مشكلتان متلازمتان مرّة تلو مرّة في إسبانيا: القوميّة والاجتماعيّة. لكن حدث وأن ثارا بلحظتين منفصلتين ليجدا معبرات اجتماعية منفصلة عنهما. يمكن لمعضلة الدولة التعددية أن تتحقق فقط عبر هيكلٍ سياسيّ يهدف لحلّ كلا الأزمتين. إنّ تحالفاً طبقياً هو من له القدرة على حلّ مشاكل إسبانيا التاريخيّة.

  • في الصيف الماضي، بعد إعادة انتخاب بيدرو سانشيز كزعيم للحزب الاشتراكي «PSOE»، تركّز النقاش السياسي على إمكانيّة قيام حكومة يساريّة مشتركة بين الحزب الاشتراكي وبوديموس. لكن بعد أن تبيّن فشل الحزب الاشتراكي في مواجهة الأزمة المتجذرة في النظام الإسباني، كيف ترون موقف اليسار الإسباني الآن؟

- خورخي: لقد سمح الاستقطاب الكاتالوني لحزب الشعب اليميني أن يشنّ عمليّة هيمنة أجبرت الاشتراكيين على اتخاذ موقف طيّع إلى جانب القوى المؤيدة للدستور. في هذا الجوّ السياسي، أنت أمام خيارين فقط: إمّا أنّك مع الانفصال الكاتالوني، أو أنّك تدعم الوحدة الإسبانيّة بصيغتها الحاليّة. ومن الواضح أن الحزب الاشتراكي قد اختار دعم وحدة إسبانيا.

إنّ هذا الاستقطاب المبني على الهويّة، لم يترك أيّ مساحة للوسطيّة. هذا يصعب الأمور جدّاً علينا، فنحن نتلقى الهجمات من جميع الأطراف. لقد باتت كلمة العدوّ الداخلي تنطبق ليس على الكتالونيين وحسب، بل على جميع سكّان البلاد الذين لا يرضون عن هذه الفكرة الضيقة.

  • ما الذي ستفعله بوديموس بشأن العلاقات مع الحزب الاشتراكي، بعد تأييد سانشيز لفرض راخوي الوصاية المباشرة؟

- خورخي: علينا من أجل الردّ على الهيمنة أن نمتلك القدرة على الاشتراك في القطاعات المختلفة، وأن نتقبّل الاختلافات داخل إطار العمل العادي. كيف لنا أن ندفع نحو التعافي عبر هذه القدرة؟ بأن ننتهي هذه الدائرة المغلقة التي تركّز على كتالونيا.

- برايز: من حيث المبدأ، يجب أن يشكّل تأرجح الحزب الاشتراكي إلى الوراء ناحية كتلة المؤسسة الرسميّة، فرصة لبوديموس من أجل إعادة إحياء سياسة استقطاب واضحة ضدّ النظام برمته. ورغم الحديث في السابق عن الحاجة إلى التحالف مع الحزب الاشتراكي للوصول إلى الحكم على المدى القصير والمتوسط، فيجب علينا أن نرى بأنّهم قاموا بدعم ماريو راخوي واليمين المتطرّف. يفرض علينا هذا أن نعود إلى المنطق البرلماني القديم: اليسار ضدّ اليمين، وذلك أثناء القيام بتهميش المعارضة «الشعبويّة» القائمة بين أولئك الذين في الأعلى وأولئك الذين في الأسفل. أرى بأننا نملك الكثير من الإمكانات الراديكاليّة إن قمنا بذلك.

والسؤال الرئيسيّ الآخر بشأن تركيز سياساتنا: هل نركّز على المؤسسات أو نذهب للساحات والشوارع والمجالات الاجتماعيّة الأوسع؟ أنا أفضّل أن يعتمد الحزب استراتيجيّة طويلة الأمد، وألّا يسمح بتكييفه مع اعتبارات قصيرة المدى. سيكون من الأفضل لبوديموس أن تنشأ في المعارضة بُنى برلمانيّة أكثر تنظيماً. مع التشديد على أنّ الدخول في حكومة يقودها الحزب الاشتراكي سوف يؤدي في النهاية إلى إجبارنا على التخلي عن العناصر التي تهدد النظام في سبيل دخولنا إلى الحكومة.

- خورخي: يتمّ غالباً رسم الخطوة بين المساومة والاستقطاب، وبين هذين المفهومين يقف من هم ضدّ أو مع تشكيل حكومة مع الاشتراكيين. لكنني أرى بأنّ طرح الأمر بهذه الطريقة هو مضلل. إنّ قيمة ومعنى التكتيك لا تستخرج من التكتيك نفسه، بل من الترابط بين القوى الموجودة في الأزمة. طالما أنّ الهدف الاستراتيجي هو تأمين تغيير تقدمي بالنسبة للأغلبيّة الاجتماعيّة، فإنّ الدخول إلى الحكومة من عدمه سيكون ذو اعتبارات تكتيكيّة يتمّ تقريرها تبعاً للظروف.

- برايز: تحتاج بوديموس اليوم للتركيز على الاعتبارات الاستراتيجيّة، لكن علينا في نفس الوقت أن نستجيب لمطالب الكثيرين في المجتمع الإسباني الذين يطلبون تغيير الحكومة الحاليّة. هذا يعني بشكل نظري أن نشترك في تمكين الحزب الاشتراكي من الحكم رغم حيازته على الأقليّة، بينما نبقى في المعارضة. لكن هذا يبدو صعباً في الوقت الحالي لكونه يمكن أن يتحقق بشكل عددي فقط، بدعم من القوميين الكتالونيين والباسكيين.

  • لقد أصبح حزب الشعب عدوانياً بعد تعليقه للحكم الذاتي في كتالونيا، وهو يسعى للمزيد من صيغ المركزة، مثل تحركه للسيطرة على تمويل مجلس مدينة مدريد اليساري. ما هو المدى الذي يمكنهم الوصول إليه في هذا؟

- خورخي: ينظر حزب الشعب إلى الأزمة كفرصة لإعادة مركزة السلطة، أثناء قيامهم بتجديد النظام بحيث يبقون في قمته. وطالما أنّ الاقتصاد الإسباني يبقى متقلقلاً ومدعوماً من بنك أوروبا المركزي وأسعار النفط المنخفضة، فإنّهم يهدفون لتطبيع الأعمال العدائيّة إلى ما وراء كتالونيا.

- نعم يستخدم حزب الشعب الأزمة كي يدفع العديد من المسائل الأخرى نحو اليمين. هذا ما يحصل مع مجلس مدينة مدريد الذي يملك فائضاً هائلاً. وقد أظهر المجلس، رغم الكثير من القيود الموضوعة عليه، بأنّ بإمكانه أن يحكم دون فساد، مع قيامه أيضاً بتحسين الخدمات العامّة. يسعى حزب الشعب لتصفية هذه المنجزات. لقد استطعنا في اليسار أن نربح مجلس المدينة في الانتخابات التي جرت منذ عامين، وقد حان الوقت الآن من أجل الدفاع عن مكتسباتنا.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني