قراءة في الحراك اللبناني... والمسؤولية في التعامل معه
محمد المعوش / خاص قاسيون محمد المعوش / خاص قاسيون

قراءة في الحراك اللبناني... والمسؤولية في التعامل معه

بعد فشل منطق الترهيب الأمني والطائفي، وأوهام «عدم تسييس» الحراك، والمحاولات الباهتة للسلطة السياسية بهدف احتوائه عبر كبحه أو ضربه، استُكمل الأسبوع الاحتجاجي الماضي بتظاهرةٍ شعبية كبيرة ملأت ساحة الشهداء وسط بيروت.


التظاهرة التي كانت قد دعت إليها مختلف القوى والمجموعات السياسية والشبابية اليسارية، كالحزب الشيوعي اللبناني واتحاد الشباب الديمقراطي، والمجموعات المدنية والبيئية- والتي تعمل كلها في عدة أطر وحملات- منذ نهاية الأسبوع الماضي، قدر عدد المشاركين فيها بحوالي 100 ألف متظاهر، ما أظهر مستوى التفاعل الواسع من قبل مختلف القوى الاجتماعية المتمايزة اجتماعياً، وهو التمايز الذي يعبر عن حجم التناقضات في المجتمع اللبناني.
هذا، وحضر المتظاهرون من مختلف المناطق اللبنانية، شمالاً وجنوباً وبقاعاً. وكان توسع التفاعل والدعوات إلى تظاهرة السبت الماضي 29/8/2015 قد عبرت عنها دعوة التيار النقابي المستقل، والذي هو استكمال لتجربة هيئة التنسيق النقابية، قبل توحد قوى السلطة ضد جزء وازن فيها، وهو الجزء الذي عاد وشكَّل، تحت قيادة النقابي الشيوعي، حنا غريب، التيار النقابي المستقل. بالإضافة إلى انضمام مجموعات شبابية ناشطة مناطقياً على ملفات عدة من بينها النفايات والكهرباء والماء.. بعد تردد نسبي طال ردة فعل هذه المجموعات على تظاهرات الاسبوع الماضي، وكانت مشاركتها اليوم بعد نقاشات حول ضرورة توحيد الجهود ومراكمة المجهود المناطقي وتركيزه في التظاهرة المركزية، حيث أن الأزمة التي تعصف بالمناطق، وإن كان لها طابعها الخاص، فهي لا تنفصل عن أزمة النظام ككل، وعن العجز السياسي للسلطة.
كان الدور الأبرز لتظاهرة السبت الماضي هو التعبير عن الأزمة الاجتماعية والسياسية في لبنان، وإظهار عدم خروج لبنان عن السياق العام الذي يحكم المنطقة والعالم، من حيث انسداد الأفق أمام النمط النيوليبرالي، إضافة إلى تظهير انفكاك القوى الشعبية عن ارتباطها «الطائفي» بالأحزاب السلطوية وممثليها، وفتحت الأفق نحو مسار التغيير، ومتابعة الخطاب الذي ساد الساحة يوم السبت من قبل المشاركين، يعبر عن أرضية حاضرة للسير ببرنامج يرتقي إلى الجذري، ويتخطى السقف المطلبي الذي يطبع عموماً لغة يحاول بعض الفاعلين في الحراك التركيز عليها، إضافة إلى احتضان الإعلام لها، واستبعاده الخطاب الداعي إلى التغيير الجذري.
الارتقاء إلى الطرح التغييري الجذري، استجابة إلى سقف الشارع الذي هو سقف التناقضات التي فرضها النمط النيوليبرالي على كل المستويات، يتطلب تطوير شكل الحراك لكي يجيب على سؤال السلطة، الذي هو السؤال الأساس بعد محطة الشارع التي سوف تتجه إلى حدودها، إن لم تقدر على السير ببرنامج قادر على ترجمة الحراك الشعبي إلى معادلة صراع نحو السلطة، التي يبدو على مكوناتها العجز أمام المشهد اليوم. ارتقاءً يتطلب تطوير شكل الحراك وشعاره وبالضرورة تنظيمه على الأرض.
مسار ليس محسوماً، بل يحدده ما يولد خلال الحراك، والقدرة من قبل قوى اليسار على تعميقه وضم تعاطف ومشاركة أوسع قوى إليه، من خلال البرنامج الذي قد يحمله الحراك في المرحلة القادمة.
الشارع أعطى إشارة الانطلاق إلى المرحلة السياسية المباشرة، والتي تتغير إحداثياتها عن معركة الشارع وأرقامه، هي مرحلة الدقة والعلمية في تحديد مصير الحراك، والمسؤولية في التعامل معه. إنه لحن ملفت يُسمع في العاصمة، وشرارة حياة تكسر كآبة المشهد اليومي.

 

خاص قاسيون