الصراع على النفط في القطب الشمالي
هاني شادي هاني شادي

الصراع على النفط في القطب الشمالي

تشير بعض التقديرات إلى أن الجرف القاري للمحيط المتجمد الشمالي يضم حوالي ربع احتياطات بحار العالم من موارد الطاقة. وتؤكد تقارير أخرى أن احتياطي هذه المنطقة من النفط وحده يبلغ حوالي تسعين مليار برميل. أما التقديرات الروسية، فتشير إلى تركز ما بين سبعين أو ثمانين في المئة من كل احتياطيات منطقة المحيط المتجمد الشمالي من النفط والغاز في منطقة الجرف البحري الروسي.

وكانت روسيا قد أكدت أن استخدام موارد منطقة القطب الشمالي يُعد ضمانا لأمن الطاقة فيها، وسارعت إلى إصدار تشريعات برلمانية لتحديد المنطقة التابعة لها في القطب الشمالي. كما أعلن مجلس الأمن القومي الروسي عن استراتيجية جديدة تقضي بتشكيل قوة عسكرية لحماية مصالح روسيا في المنطقة القطبية الشمالية. وتتوقع هذه الاستراتيجية أن تصبح المنطقة القطبية الشمالية المصدّر الرئيس للنفط والغاز في روسيا بحلول العام 2020، خاصة أن بعض الدراسات تشير إلى احتمال نضوب النفط الروسي خلال السنوات المقبلة.
وتسعى روسيا إلى الحصول على الاعتراف الدولي بملكيتها لأجزاء من المحيط المتجمد الشمالي تبلغ مساحتها 1,2 مليون كيلومتر مربع، يُعتقد أنها تحتوي على حوالي عشرة مليارات طن من النفط. وكانت بعثة روسية قد نصبت العلم الروسي في قاع المحيط المتجمد الشمالي في العام 2007 في إطار السعي إلى إظهار حق روسيا في أجزاء معينة من منطقة القطب الشمالي كونها دولة تطل على المحيط المتجمد الشمالي، إلى جانب كل من كندا والولايات المتحدة والدنمارك والنرويج. ومن المعروف أن موسكو قدمت في العام 2001 أمام لجنة تابعة للأمم المتحدة مجموعة من الحجج تدّعي أن المياه الواقعة أمام سواحلها الشمالية ما هي إلا امتداد لمياهها الإقليمية، ولكن اللجنة رفضت هذه الحجج وطالبت موسكو بتقديم المزيد من الأدلة.
ويتزايد الاهتمام الدولي في السنوات الأخيرة بثروات القطب الشمالي، خاصة أن ارتفاع حرارة الأرض يؤدي إلى ذوبان الثلوج ويسهل بالتالي استخراج النفط والغاز.
يذكر أن دول منطقة القطب الشمالي قامت بتصنيع 66 سفينة عسكرية تقدر على خوض الحرب في شمال الكرة الأرضية. وتنوي روسيا صنع خمس عشرة غواصة وكاسحة جليد جديدة لهذه المنطقة تحديدا. ويواجه التحرك الروسي بمنافسة شرسة من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والدنمارك والنرويج، التي تمتلك جميعها شريطا ساحليا مع القطب الشمالي وتدّعي سيادتها على أجزاء منه. وكانت الولايات المتحدة الأميركية وكندا قد أرسلتا في وقت سابق بعثة مشتركة إلى منطقة القطب الشمالي لتجميع معلومات تؤكد حقهما في أجزاء من هذه المنطقة. كما أن عدد الدول التي تقف عند أبواب منطقة القطب الشمالي أكبر بصورة ملحوظة من عدد الدول المطلة على ساحاتها الجليدية. فالصين هي الأخرى بدأت تتوجه إلى المنطقة في محاولة للمشاركة في تقاسم الثروات الطبيعية الهائلة هناك. ونعتقد أن الصين تنظر باهتمام كبير حاليا إلى منطقة القطب الشمالي، حيث شرعت في تحويل برامجها الأركتيكية العلمية من المجال النظري إلى الأبحاث التطبيقية، ووجهت إلى أركتيكا أكبر كاسحة جليد مطورة غير نووية في العالم «سيو إيلون» أو «التنين الجليدي» التي صُنعت في الحقبة السوفياتية في أوكرانيا. ويقول البعض إن الصين لا تطمع على الإطلاق في الثروات الكامنة في أركتيكا، وليس لديها أية حقوق مشروعة في ذلك، ولكنها تتابع باهتمام متى ستحدد الدول الساحلية النظام القانوني في البحار القطبية لتضخ استثماراتها في المنطقة. أما روسيا وكندا والولايات المتحدة والدنمارك والنرويج، بحكم مواقعها الجغرافية، فكانت لها دائما أطماع خاصة في كل ما يقع في حوض المحيط الجليدي.
في الوقت نفسه، ترى الولايات المتحدة الأميركية أن أيسلندا والسويد وفنلندا لها الحقوق نفسها في الموارد الكامنة تحت مياه المحيط القطبي الشمالي وفوقها. وتجدر الإشارة الى أنه في عام 1996 تأسس ما يسمى «مجلس القطب الشمالي» بمبادرة من فنلندا. ويعد هذا المجلس أهم منظمة إقليمية لمنطقة القطب الشمالي، ويضم الدنمارك وفنلندا وآيسلندا وكندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة. ولكن المجلس في الواقع أكبر من منطقة القطب الشمالي نفسها حيث يضم عددا من الدول المراقبة، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبولندا وإسبانيا والصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية.
ولا نستبعد أن تصبح منطقة المحيط المتجمد الشمالي حلبة مستقبلية لتصادم حاد بين مصالح استراتيجية لدول عدة، على رأسها روسيا والولايات المتحدة الأميركية. وهذا، تحديدا، ما دفع بعض المراقبين الروس والغربيين إلى عدم استبعاد تطور الخلاف حول ثروات القطب المتجمد الشمالي إلى صراع مسلح «غير نووي»، استنادا إلى تحذيرات روسيا المتكرره للدول الأخرى المطلة على القطب الشمالي من مغبة منعها من الوصول إلى مكامن الثروات الطبيعية، واستنادا أيضا إلى نشاط الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في مواجهة المصالح الروسية في تلك المنطقة .
لقد أصبحت المصالح المتعارضة والمتنافسة في منطقة القطب الشمالي تتسم بمزيد من التعقيد، ليس فقط بسبب غياب اتفاق شامل بين الأطراف المتصارعة، بل لغياب نية التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب. ويمكن القول إنه مع تطوير معدات وتكنولوجيات التنقيب في المياه المتجمدة، فإن النزاع على تقاسم مناطق التنقيب في القطب الشمالي سوف يستمر وتزداد حدته. كما أن ذوبان معظم جليد القطب الشمالي من شأنه تحويل تلك المنطقة، بالطبع، إلى ساحة ضخمة لعمليات التنقيب والاستكشاف. ولا أحد يستطيع التكهن، في اللحظة الراهنة، ما إذا كانت المصلحة المشتركة بين الدول المشاطئة للقطب المتجمد الشمالي، وبين تلك الدول وغيرها من الدول التي تسعى أيضا للاستفادة من ثروات المنطقة، سوف تُغلب في المستقبل أم لا. كما أنه من الصعوبة بمكان التكهن أيضا بمسارات هذا الصراع وتوقيت تفجيره.

السفير

آخر تعديل على الجمعة, 02 آب/أغسطس 2013 22:58