أمريكا تشعل البحر الأحمر وأوروبا تحمل وزر النار!
بول هانون بول هانون

أمريكا تشعل البحر الأحمر وأوروبا تحمل وزر النار!

نشرت قاسيون في موقعها الإلكتروني، يوم 12 من الجاري، مقالاً بعنوان: «هل أوروبا هي المستهدف الأساسي من عدوان الأنجلوساكسون على اليمن؟»، وذلك في اليوم التالي مباشرة لذلك العدوان. يوم السبت، 20/01/2024، نشرت «وول ستريت جورنال» مقالاً نقدم فيما يلي ترجمته، ويؤكد ما ذهبت إليه قاسيون، من أنّ النيّة الأمريكية تجاه الأزمة التي أشعلتها في المنطقة، والتي يعتبر قصفها لليمن آخر فصولها، أبعد بكثير مما يتذرعون به بخصوص حماية الملاحة البحرية.

ترجمة: أوديت الحسين

وتبين المقالة، أنّ تحمّل أوروبا لعبء الأزمة ليس مجرّد «عرض جانبي» مزعج، بل قد يكون فصلاً جديداً فيما يخططه الأمريكيون لأوروبا منذ بدء الحرب في أوكرانيا على أقلّ تقدير. يمكننا أيضاً في الختام أن نلاحظ رأي «المستشارين» الأمريكيين الذين قللوا من خطورة هذه الأزمة على أوروبا، لأنّ هناك «بدائل أخرى في العالم» وهي بالذات بدائلهم هم، أي البدائل الأمريكية التي من شأنها تكبيل أوروبا بشكل إضافي من جانب واشنطن.

فيما يلي أبرز ما جاء في المقال:

للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات، يهدد الصراع في المنطقة الجارة لأوروبا بإضعاف اقتصاد أوروبا المتعثر بالفعل، بينما تراقب الولايات المتحدة الأكثر قوة ما يحدث من مسافة أكثر أماناً. هذه المرة، أدّت الهجمات التي شنها اليمنيون الحوثيون ضدّ السفن المتجهة إلى «إسرائيل»، وقيام الأمريكيين بتوتير المنطقة على إثر ذلك، إلى إقناع المزيد من شركات النقل باختيار رحلة أكثر أماناً، رغم كونها أطول وأكثر تكلفة، حول إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح.
يؤدي هذا التغيير في مسار السفن إلى رفع تكاليف الشحن وإلى إقلاق الشركات بشأن نفاد المخزون. توقفت بعض المصانع عن العمل لعدم توفر المدخلات اللازمة، وهناك مصانع غيرها مهددة بالتوقّف. يعتقد الاقتصاديون أنّ انخفاض التضخم الذي تمتعت به أوروبا نهاية العام الماضي يمكن أن يتباطأ، مما يعيق التخفيض المحتمل في أسعار الفائدة الرئيسية. علّقت آنّا بواتا، كبيرة الاقتصاديين في شركة التأمين Allianz Trade: «من الواضح أن هذا أحد المخاطر التخفيضية للنمو، والتصعيدية للتضخم… نتحدث هنا عن خطر الركود».
من الممكن أن يؤدي التوتر الجيوسياسي الأخير إلى ترسيخ عدم التكافؤ المتزايد بين أوروبا والولايات المتحدة. تمكنت الولايات المتحدة من الخروج من الأزمة الأكثر قوّة التي أدّت لها الحرب في أوكرانيا لكونها منتج كبير للطاقة. ورغم أنّ بعض الواردات إلى الولايات المتحدة تمرّ عبر قناة السويس، فإنّ حصتها صغيرة نسبياً، كما يوفّر المحيط الهادئ طريقاً بديلاً للشحنات التي تخرج من آسيا.
في الوقت الحالي، تعتبر الانقطاعات في سلاسل التوريد متواضعة إذا ما قارناها بالإغلاقات واسعة النطاق التي شهدناها في عامي 2020 و2021، ومن المرجح أن يكون تأثيرها الاقتصادي أصغر نسبياً. لقد تعلّمت الشركات أيضاً دروساً من الانقطاعات أثناء جائحة كوفيد - 19، ولديها اليوم مخزونات أكبر مما كانت عليه في ذلك الوقت.
وفقاً لرئيس شركة إيكيا، جيسبر برودين، الصراع في البحر الأحمر أدى إلى إطالة طرق الشحن بنحو 10 أيام أو أكثر، وأضاف في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: «الفرق الكبير في الوقت الحالي هو أننا تعافينا بعد الوباء، وهذا يعني أن مخزوننا في مستودعاتنا في حالة جيدة». وقالت شركة بيبكو لتجارة التجزئة، بأنّ الصراع في البحر الأحمر كان له تأثير محدود على توافر المنتج، لكنّه قد يضر بالإمدادات في الأشهر المقبلة إذا استمر… وقد يؤدي استمرار الوضع إلى ارتفاع أسعار الشحن وتأخير المهل الزمنية للحاويات.
لكن في أعقاب جائحة عالميّة، وأكبر حرب أوروبية منذ ثمانية عقود، فإن تصعيد الصراع الذي بدأ في غزة في أوائل أكتوبر، هو تذكير بأن آفاق الاقتصاد العالمي تتشكّل بشكل متزايد من خلال التطورات. بعيداً عن تحكّم صانعي السياسات الاقتصادية.
تحمل السفن التي تقطع البحر الأحمر حوالي 40% من البضائع التي يتم تبادلها بين أوروبا وآسيا. في الأسبوع الماضي، قالت تيسلا: إن التأخير في تسليم المكونات بسبب تغيير مسار السفن سيجبرها على تعليق الإنتاج في مصنعها الكبير الوحيد في أوروبا، الواقع خارج برلين. قالت الشركة الصينية السويدية لصناعة السيارات فولفو، بأنّ عُلب التروس اللازمة لبناء سيارات الاحتراق التقليدية في مصنعها في بلجيكا قد تأخرت، مما اضطرّ الشركة إلى وقف الإنتاج لمدة ثلاثة أيام.
وقالت شركة فولكس فاجن، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا من حيث المبيعات: إنّ مصانعها لم تتأثر، لكنها تواصل مراقبة الوضع، وهي على اتصال وثيق مع مورديها. لكنّ الشركة اعترفت بأنّ هناك شحنات قد تمّ إعادة توجيهها، ما تسبب في بعض التأخير.
تشير تقديرات أكسفورد إيكونوميكس Oxford Economics إلى أنّ السفينة التي تسافر بسرعة 16.5 عقدة من تايوان إلى هولندا عبر البحر الأحمر وقناة السويس، تستغرق حوالي 25 يوماً ونصف لاستكمال الرحلة. ترتفع هذه الفترة إلى حوالي 34 يوماً إذا تم تحويل الرحلة حول القارة الإفريقية.
يؤدي وقت السفر الإضافي إلى تقليل القدرة السنوية لكل سفينة، ويمكن أن يكون له تأثير غير مباشر على تكاليف الشحن على الطرق الأخرى، بما في ذلك تلك بين آسيا والولايات المتحدة. وفقًا لمؤشر Freightos Baltic، فإنّ متوسط ​​تكلفة نقل البضائع في حاوية تعبر الكرة الأرضية قد تضاعف في الفترة بين 22 ديسمبر/كانون الأول و12 يناير/كانون الثاني. وقد تطول هذه الأوقات أكثر، إذا اضطرت السفن المحولة إلى الانتظار للحصول على وقود إضافي لإكمال رحلاتها غير المحسوبة في الموانئ الإفريقية المكتظة.
بالنسبة لأوروبا، فإن تأثير الأزمة سوف يعتمد إلى حد كبير على مدى ومدة الاضطراب. تشير تقديرات خبراء الاقتصاد في شركة Allianz Trade إلى أنّ مضاعفة تكاليف الشحن على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، من الممكن أن ترفع معدل التضخم في منطقة اليورو بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية، وتخفض النمو الاقتصادي بنحو نقطة مئوية. ومع ضعف اقتصاد منطقة اليورو بالفعل، فقد يدفعه ذلك إلى الانكماش خلال عام 2024. وقال باولو جنتيلوني، كبير المسؤولين الاقتصاديين في الاتحاد الأوروبي: إنّ الوضع في البحر الأحمر «يجب مراقبته عن كثب» لأنّه قد يتسبب في انتعاش أسعار الطاقة والتضخم.
لكنّ البعض قلل من تأثيرها، مثل: ماتياس زينك، الرئيس التنفيذي لشركة Schaeffler Automotive Technologies: «لقد تأثرنا بالأزمة… لكنّ الأمر تحت السيطرة. ربما يكون السبب أن لدينا الآن الكثير من الخبرة والمرونة للاستجابة لهذه الأزمات».
وقالت الشركة الفرنسية الأمريكية الإيطالية المصنعة لسيارات فيات وبيجو وجيب Stellantis: إنّها تعوّض التأخير في إعادة توجيه السفن «باستخدام بعض حلول الشحن الجوي المحدودة»، مضيفة، أنّ التأخير «لم يكن له أي تأثير تقريبا على التصنيع حتى الآن».
قال باتريك ليبرهوف، المستشار لدى Inverto، وهي وحدة تابعة لـ «مجموعة بوسطن الاستشارية»: إنّ الأزمات الماضية جعلت الشركات أكثر استعداداً لمواجهة الصدمات المفاجئة. وأضاف، أنّ العديد من الشركات استثمرت في تكنولوجيا المعلومات للحصول على رؤية أفضل لسلاسل التوريد الخاصة بها، ومن أجل الاقتراب من مورديها الرئيسيين أكثر.
بالإضافة إلى زيادة الاستعداد لدى الشركات، تختلف البيئة الاقتصادية أيضاً عمّا كانت عليه أثناء الوباء. فالأزمة الحالية «محليّة» ولا تشمل كامل أنحاء العالم، مما يترك للموردين المزيد من البدائل، وتمتلك العديد من الشركات الآن مخزونات أكبر مما كانت عليه قبل تفشي الوباء. وفي أوروبا، أدى ضعف الطلب الاستهلاكي إلى تغطية هذه المسألة.
وقد أضاف ليبرهوف: «إن البحر الأحمر، لا يشكل خطورة على التجارة العالمية كما كانت الأحداث العالمية قبل بضع سنوات».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158