بايدن.. الولايات المتحدة لن تتراجع... ولكن؟
 ملاذ سعد   ملاذ سعد 

بايدن.. الولايات المتحدة لن تتراجع... ولكن؟

نشر الرئيس الأمريكي جو بايدن مقالاً في صحيفة «ذا واشنطن بوست» في الـ 18 من الشهر الجاري، بعنوان «الولايات المتحدة لن تتراجع عن تحدي بوتين وحماس»، عرض فيه مواقفه ورؤيته الحالية من الملفين الأوكراني بشكل مختصر، والفلسطيني بشكل خاص، ومستقبل الأخير وقطاع غزة ما بعد الحرب الجارية. 

 افتتح بايدن مقاله بأنّ «العالم يواجه نقطة انعطاف» حالياً، وأنّ «خياراتنا ستحدد اتجاه المستقبل لأجيال قادمة» تابعاً ذلك بمجموعة أسئلة، منها: «كيف سيبدو العالم بعد هذه الأزمات؟» والرئيسي منها «هل سنواصل دفع رؤيتنا الإيجابية للمستقبل، أم سنسمح لأولئك الذين لا يشاركونا قيمنا بدفع العالم إلى مكان أكثر خطورة؟». 
إنّ هذه الافتتاحية والأسئلة من الرئيس الأمريكي تؤكد مجدداً حجم التحديات الهائلة التي يواجهها النظام العالمي المصاغ غربياً، والتغيّرات الدولية الكبرى الجارية التي تفرض على واشنطن الاعتراف بأنها نقطة انعطاف فعلاً قد تنهي الهيمنة الغربية خلف عبارات «اتجاه المستقبل» و«رؤيتنا الإيجابية له» عالمياً. 
وبنى بايدن مقاله استناداً لهذا الأمر، واضعاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثالاً عن هذه التحديات عموماً عبر تكرار ذكره في كل فقرة وأخرى، بينما المقصد الفعلي من ذلك هو العالم الجديد الناشئ وزوال «الامبراطورية الأمريكية»، وإن عرج على الملف الأوكراني شكلياً، كان المقال يناقش الملف الفلسطيني والحرب الجارية فيه بشكل أساسي. 
بمعرض حديثه عن المجريات، حمّل بايدن مسؤولية ما يجري لـ«حماس» وحدها، وبعد ذكر ما وصفه بـ «جرائمها» في الـ 7 من تشرين الأول، كان من الملفت حديثه عن الجرائم الحاصلة بحق المدنيين في غزة من نساء وأطفال وعجائز بأشكال مختلفة وبالآلاف، رغم تبريره لهذه الجرائم بديباجات «الدروع البشرية» وتبرير استهداف المستشفيات والجوامع والمدارس وغيرها، بوجود «أنفاق لحماس تحتها» كما أشار إلى جرائم المتطرفين الصهاينة في الضفة الغربية، وهو ما يعكس من جهة عدم قدرة الأمريكيين عن إنكار هذه الجرائم، ومن جهة أخرى ضغطاً أمريكياً على «الإسرائيليين» للحد منها، لا لدواعي إنسانية بطبيعة الحال، وإنما سياسية مفروضة بعد كل رد الفعل السياسي والشعبي الحاصل دولياً. 
كما أكد بايدن، أن الحل الوحيد الممكن بعد الحرب الجارية هو حلّ الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام بجانب «دولة إسرائيلية»، دون التطرق إلى كيفية الوصول إلى ذلك، وخصوصاً أن بلاده كانت المعنية ضمن إطار اللجنة الرباعية للوصول إلى هذا الحل، لكنها لم تصل إلى أي نتيجة، لكن بايدن أشار أن هذا الحل سيكون مرتبطاً بالقضاء على حماس، وإنهاء أي تهديد من قطاع غزة، ودمجه مع الضفة الغربية في إشارة ضمنية إلى أن النموذج المقبول هو نموذج السلطة الفلسطينية، التي لا تعتبر بأي شكل من الأشكال نواة جدّية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
كما اعتبر بايدن، أن الهدن في الوقت الحالي مفيدة لحماس عبر إعادة تموضع قواتها وإعادة بناء ذخيرتها وما شابه ذلك، مما يعكس ويشير إلى أن الهدن الجارية يجري انتزاعها من الأمريكيين والصهاينة رغماً عنهم كتنازلات حالية وسط «الحرب» لا مفرّ منها. 
وبشكل مكثف، يشير بايدن بمقاله عموماً إلى أن الأمريكيين لن يتراجعوا وسيفعلون ما بوسعهم لتحقيق مصالحهم، لكن ذلك يخضع وسيخضع بنهاية المطاف إلى الظروف الموضوعية والتاريخية، والتي فرضت حتى الآن كل هذا التراجع الغربي والأمريكي، نحو انتهاء هيمنته وقدرته التخريبية تماماً. 

مقياس التراجع

مقال رئيس الولايات المتحدة الذي عبّر بشكلٍ واضح عن طرح تيار كبير داخل إدارته، جاء في لحظة مهمة على المستوى العالمي، إذ لم تمضِ ساعات قليلة حتى أثبت الواقع حجم مأزق هذا التيار، وفشله في فرض أجندته لا في فلسطين وحدها، بل على المستوى العالمي، إذ بدت «ثوابت بايدن» قلقة ومتغيرة في وجه رياح التغيير العاصفة، وإن شهدنا اليوم فرض هدنة بشروط المقاومة الفلسطينية على واشنطن، سنشهد قريباً تراجعاً في ساحات النزال الأخرى، التي يفشل فيها «صقور واشنطن» في وقف التغيير الموضوعي، الذي لن يهدأ قبل بناء عالمٍ جديد، تتغير فيه القواعد التي فرضها الغرب على العالم، فمنذ أن أعلنت روسيا عن إطلاق عمليتها في أوكرانيا كان واضحاً أن المرحلة النهائية في هذا التحوّل قد بدأت بالفعل، وأن نطاق تأثيرها سيتجاوز حدود أوكرانيا ليشمل العالم كله، وفي كل نزالٍ جديد من هذا النوع، سنرى أن حدوده واسعة تشمل العالم بأسره، فالهزائم المتكررة ستشكل مجتمعة أساساً للمرحلة اللاحقة. ولذلك تبدو الهدنة التي جرى انتزاعها يوم الجمعة 24 من الشهر الجاري مؤشراً جديداً على مقياس التراجع الأمريكي، وخطوة جديدة في اتجاه عالمٍ جديد بملامح جديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1150
آخر تعديل على الجمعة, 01 كانون1/ديسمبر 2023 23:08