لماذا يتم إخفاء الاحتجاجات في درعا إعلامياً؟

لماذا يتم إخفاء الاحتجاجات في درعا إعلامياً؟

خلال الأيام الثلاثة الأخيرة فقط، بدأ الإعلام الذي يسمي نفسه معارضاً بإلقاء بعض الضوء على الاحتجاجات والمظاهرات التي تجري في محافظة درعا، وليس بحجمها الحقيقي بل بشكل مبتسر. قبل ذلك، وعلى مدى أسبوعين تقريباً، من بداية التظاهرات والتحركات في السويداء، تم تغييب شبه كامل للاحتجاجات التي كانت تجري بالتوازي في درعا، وفي بضع أماكن أخرى في سورية.

لا يمكن التعامل مع هذه المسألة ببراءة، فهي مقصودة ومتعمدة بلا أدنى شك، والأهداف وراءها واضحة:

أولاً: محاولة نزع الطابع الوطني العام عما يجري في السويداء ومحاولة تصويره وكأنه أمر محليٌ بحت، بل وطائفي أيضاً.

ثانياً: هذا النوع من العمل يسمح بتمهيد الأجواء لتعظيم أفكار من قبيل «الإدارة الذاتية» و«الحكم الذاتي» وما شابه.

ثالثاً: أكثر من ذلك، فهذا يسمح أيضاً بتأمين الأجواء الإعلامية لإلقاء الاتهامات يميناً وشمالاً ضد الحركة، وصولاً إلى اتهامها بالعمالة، ولمن؟ للعدو الذي لا يكاد يختلف عليه اثنان وهو العدو «الإسرائيلي».

رابعاً: بالمحصلة، يسمح بتأمين الذرائع اللازمة لقمع الحركة، ويقوي المتشددين الذين يحاولون التسلق عليها، وما يزالون حتى اليوم على أطرافها، خافضي الرؤوس يتحينون الفرصة الملائمة.
هذه ليست المرة الأولى، ولا الأخيرة، التي يتفق فيها المتشددون في كل من النظام والمعارضة، في طريقة توصيفهم لما يجري، وفي دفعهم المشترك باتجاه إدماء الحركة الشعبية، عبر تركيب الثنائيات الوهمية من كل شكل ولون، وعبر الدفع باتجاه العنف.

ولكن رغم ذلك كلّه، فإنّ الوقائع على الأرض لها رأي آخر:

أولاً: المحتجون في السويداء وفي غيرها، لم يعودوا يرون في إعلام المتشددين من الطرفين، معبراً عنهم، ولا يعتبرونه مصدراً للمعلومات، بقدر ما هو مصدر للإشاعات والأكاذيب والتحريض.

ثانياً: مع كل اتهام للحراك بالدعوة للانفصال أو التقسيم أو العمالة للصهيوني، يتم فرزٌ جديد ضمن صفوفه، ويقوى على أساسه الوطنيون المتمسكون في آن معاً، بوحدة شعبهم وبلادهم، وبضرورة التغيير الجذري الشامل على أساس القرار 2254، وبعدائهم للصهيوني. ويضعف بالمقابل المتشددون الذين يحاولون امتطاء الحراك لإدخاله في النفق نفسه الذي تم إدخاله فيه عام 2011.

ثالثاً: الحالة الوطنية العامة الجامعة تخضع لعملية إعادة تشكيل في قلب الحركة نفسها، وهذا يظهر عبر إشارات أولية، ولو كانت صغيرة، منها: زيارة وفد من درعا للسويداء خلال الاحتجاجات... والمسألة لا تقف عند شعار الشعب السوري واحد، بل وإنّ الفريد من نوعه هو رمزية جمع العلمين معاً، ذي النجمتين وذي النجوم الثلاث، والذي يعني بالجوهر موقفاً مضاداً لكل من المتشددين في النظام وفي المعارضة معاً، ومناصراً للـ90% من السوريين المفقرين المضطهدين، وبعيداً عن تصنيفات موالاة ومعارضة، والتصنيفات الطائفية أو القومية أو غيرها.

رابعاً: الظرف بأكمله اختلف، الدولي والإقليمي والمحلي، وقدرة المتشددين من كل الأطراف على تكرار الألعاب السابقة، حتى ولو بتخريجات جديدة، باتت أضعف، وستكون أضعف مع كل يوم جديد تستمر فيه الحركة سلميةً، وتستمر فيه في تصويب شعاراتها، وعزل أولئك الذين يحاولون التسلق عليها من داخلها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1139
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 22:08