ليست تماماً «مسرحية»!

ليست تماماً «مسرحية»!

يعبر عدد كبير من السوريين عن قناعتهم بأنّ ما جرى في مجلس الشعب السوري قبل أيام، وما أثير من ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي بالتوازي مع ذلك وقبله وبعد، لا يعدو كونه مسرحية مدارة هدفها «التنفيس».

لا يمكن لوم من لديه هذه القناعة، بأي حال من الأحوال؛ لأنّ الناس اعتادت خلال سنوات طويلة، وكلما ضاق الحال بها واشتدت قساوة الظروف، أن تتعالى بعض الأصوات من هنا أو هناك، إما عبر بعض البرامج الإعلامية، أو من بعض الإعلاميين والصحفيين، أو من داخل مجلس الشعب، ضد الفساد وضد سوء الإدارة وإلى ما هنالك.
كذلك اعتاد الناس في حالات الضنك وضيق الحال، أن تنتشر الإشاعات كالنار في الهشيم، مرة عن زيادة ضخمة في الأجور تحسن الأحوال وترفع المظالم وإلخ، ومرة عن حملة كاسحة لمحاربة الفساد لن تستثني أحداً وستقبض على أعناق شخصيات كبرى لا يجرؤ أحد على التلفظ بها علناً، ومرة أنّ هنالك حلاً يجري تحضيره لأزمة الكهرباء المستعصية، ومرة أزمة الوقود وهكذا... ولكن ما النتيجة؟ لا شيء. بل في أحسن الأحوال تكون النتيجة لا شيء، لأن ما يجري عادة هو أنّ:
• الأجور لا تتم زيادتها، وإن تمت فبنسبٍ هزيلة يبتلعها التضخم إلى الحد الذي تصبح فيه الرواتب بعد كل زيادة أقل قيمة شرائية مما كانت عليه قبلها.
• الفاسدون تتم ترقيتهم أو تبديل الطرابيش بينهم من منصب إلى آخر، وحتى إنْ تمت تنحية أحدهم، فإنّ الفساد نفسه يستمر ويتعمق.
• الزراعة يجري تدميرها عبر رفع الدعم عنها وخاصة عن المحروقات.
• الصناعة يجري تدميرها عبر رفع الدعم عنها وخاصة عبر الحرمان من الكهرباء، ناهيك عن التغوّل على من تبقى من الصناعيين.
• معيشة الناس وصحتها وتعليمها، كله يجري رفع الدعم عنه وترك الناس لمصيرهم الأسود.
يمكن أن نستمر بالعد والتعداد، ولكن نكتفي بالإشارات السابقة.
لهذه الأسباب كلها، لا يمكن لوم الناس على النظر إلى ما جرى الأسبوع الماضي على أنه مسرحية، ومسرحية مكررة، هدفها التنفيس.

ولكن!

ولكن، ينبغي الانتباه إلى أنّ ما جرى ليس مسرحية، على الأقل ليس مسرحية مكررة؛ إذ إنّ هنالك عناصر جديدة في اللوحة يجب فهمها؛ فالمعتاد في حالات مشابهة أنّ تجري حملة هجوم على الحكومة ويفتح الباب على مصراعيه في الإعلام ووسائل التواصل لتناول الحكومة وأعضائها وتحميلهم مسؤولية كل ما جرى ويجري، وربما يساهم مجلس الشعب أو بعض من أعضائه في هذه الحملة، وتنتهي الأمور إلى تعديل حكومي جزئي أو كلي، يبدو وكأنما هو الحل السحري، بحيث تذهب الحكومة وتذهب معها المسؤوليات عن الأخطاء السابقة، ويتم «فتح صفحة جديدة»... والحق، أنّ السياسات العامة تبقى نفسها، ولذا يتعلم الناس مع الوقت أنّ ما جرى هو مسرحية... ولكن ما الجديد هذه المرة؟
الجديد هو أنّ الحكومة هي من كانت تحاسب مجلس الشعب، وعبره تحاسب الشعب نفسه، و«تفهمه» أنّ ما تفعله هو الشيء الوحيد الصحيح الممكن، وأنها ستتابع القيام به، بل وستسرع الخطوات في إنجازه؛ والمقصود بالدرجة الأولى هو استكمال عملية رفع الدعم نهائياً، وليدبر كل إنسان نفسه، فالحكومة والدولة عموماً ليست مسؤولة عن الناس، الناس مسؤولون عن أنفسهم ونقطة انتهى.
ينبغي النظر بجدية إلى هذا «التعديل» في السيناريو المعتاد؛ فهو يحمل دلالات هامة حول ما ينتظر السوريين في الأشهر القادمة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1133
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 13:34