افتتاحية قاسيون 951: 2254 والفساد الكبير

افتتاحية قاسيون 951: 2254 والفساد الكبير

تراوحت التقديرات حول ما يقتطعه الفساد من الناتج الوطني بشكل سنوي بين 20 و40 بالمئة، وذلك قبل 2011. ورغم أنّ الحصول على تقديرات دقيقة الآن هو أمرٌ أشد صعوبة، لكن ليس من الصعوبة بمكان التنبؤ بأنّ تلك الحصة قد زادت.

وإذا كانت نسب الفساد الفاحشة تلك هي أحد أهم العوامل التي جَرَّت سورية نحو كارثتها الراهنة، فإنّ استمرارها وتعمقها بالتضافر مع العقوبات الغربية والأوضاع التي فرضتها الأزمة، قد أوصلت الشعب السوري اليوم إلى أوضاع كارثية بكل المعاني.

وفي ظروف من هذا الطراز، لا تزال السياسات الاقتصادية والمالية المتشبثة بالدولار والمترددة حدّ الامتناع عن الاتجاه شرقاً بالمعنى الاقتصادي، والمتواطئة مع الفاسدين الكبار وتجار الأزمات ضد الشعب السوري، هي السياسات القائمة والمتبعة.

إنّ واقعاً كهذا يشير بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ درجة التشابك بين قوى الفساد الكبير وجهاز الدولة قد وصلت حداً غير مسبوق، وصلت إلى حدود بات الفساد الكبير فيها يسيطر على جهاز الدولة عملياً، ولم تعد مُجدية أية أحاديث عن حلول جزئية هنا أو هناك، بل بات تغيير البنية الاقتصادية والسياسية والقانونية طريقاً إجبارياً لاجتثاث الفساد الكبير، وتالياً، لحلِّ مشكلات الناس وإنهاء معاناتها.

ولأنّ قوى الفساد الكبير تعرف عدوها بشكل جيد، فإنّها وعبر تغلغلها في جهاز الدولة وتشابكها معه في البنية، تفرض مستوى حريات سياسية متدنياً يمنع السوريين من اتخاذ زمام المبادرة للقيام بما يلزم من تغيير جذري للبنية التي باتت مهددة لاستمرار الدولة نفسها.

بهذا المعنى، فإنّ الحل السياسي عبر القرار 2254، كمدخل لإعلاء صوت الشعب السوري وخياراته في تقرير مصيره بنفسه، بات مدخلاً لا ثانيَ له، نحو تغيير البنية جذرياً ابتداءً بالبنية القانونية عبر الدستور، ووصولاً إلى الجوانب المختلفة الأخرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفقط عبر تغيير البنية جذرياً، بيد الشعب السوري ولمصلحته، يصبح ممكناً تطهير جهاز الدولة من سطوة قوى الفساد الكبير، ويصبح ممكناً بالتالي تحقيق أرقام نمو فعلية، وكسر الحصار الغربي والتخلص من سماسرة الغرب من مستوردين وغيرهم، ودفع العجلة الاقتصادية نحو نموذج جديد يكسر النمط التابع للاقتصاد السوري، ويكسر الخلل الهائل في توزيع الثروة الذي يصبُّ حتى اللحظة في مصلحة قلة قليلة ناهبة (حيث يذهب ما يزيد عن 90% من الثروة المنتجة مجدداً إلى أقل من 10% من السوريين).

عبر هذا التغيير فقط، يمكن للشعب السوري أن يخرج من مأساته بمعانيها وأبعادها المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية. ولكي يكون هذا التغيير ممكناً، لا بدَّ من إعلاء صوت وإرادة الشعب السوري، وهذا غير ممكن دون حل سياسي شامل على أساس القرار 2254، والذي بات تطبيقه مدخلاً لا لحل الأزمة فحسب، بل ولاستمرار سورية بلداً وشعباً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
951