افتتاحية قاسيون 949: كيف نتفادى  تعمّق الأزمة؟

افتتاحية قاسيون 949: كيف نتفادى تعمّق الأزمة؟

لا يكاد يختلف اثنان في أنّ التحول الاقتصادي باتجاه اللبرلة عام 2005، قد وضع الأساس للانفجار الذي جرى عام 2011.

إنّ نظرة أوسع زمنياً، تعيد التأكيد على ما قلناه مراراً عن أطوار الأزمة (اقتصادي- اجتماعي- سياسي)؛ أي إنّ سياسات اقتصادية تصب ضد مصلحة الناس تخلق عاجلاً أم آجلاً توتراً اجتماعياً يليه توتر سياسي مفتوح الاحتمالات باتجاه التوتر الأمني والعسكري، بما في ذلك فتح الباب لمزيد من التدخلات الخارجية.

واقع الحال هو أنّ معادلة الأزمة بأطوارها، لا تزال قائمة وتفعل فعلها بشكل هائل؛ فالوضع الاقتصادي يستمر بالتدهور بشكل كارثي وسريع، وليس سعر الصرف سوى أحد المؤشرات على ذلك، وهذا يعني أنّ التوتر الاجتماعي سيتصاعد بشكل سريع، وهو يتصاعد فعلاً ومؤشرات ذلك واضحة لكل ذي بصر، وهو ما يعني أيضاً أن الأمور إذا استمرت ضمن الدوامة نفسها (اقتصادية- اجتماعية- سياسية)، فإن البلد متجه حكماً نحو انفجار سياسي جديد سيكون أخطر من كل ما سبق.

ما ينبغي الانتباه له في الدوامة الراهنة، هو أنّ كل دوامة جديدة تمتاز عن سابقتها بأنها أعمق وأشد أثراً من جهة، وأسرع زمنياً من جهة أخرى. بكلام آخر، فإنّ ما تطلب 6 سنوات من 2005 إلى 2011 لتتحول الأزمة من اقتصادية إلى سياسية، لن يتطلب في الدوامة التالية المدة نفسها بل مدة أقصر، خاصة إذا أرخنا لبداية دخول البلاد الدوامة الثانية مع تسارع انهيار سعر الصرف عامي 2015 و2016، حيث بدأ ينتقل مركز ثقل الهجوم على سورية من الجانب العسكري إلى الجانب الاقتصادي.

إنّ التردي المتسارع للوضع الاقتصادي والمعيشي للناس، وما تتعرض له الليرة السورية، يأتي من مصدرين واضحين: خارجي وداخلي. الخارجي يتمثل بالحصار الغربي المستمر والمتصاعد على سورية، والذي لا حل له دون الذهاب الفوري إلى الحل السياسي عبر تنفيذ كامل للقرار 2254 لإسقاط كل الذرائع من جهة، ولترميم العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الجوار، بما يخدم المصلحة السورية من جهة أخرى. وأما الداخلي، فيتمثل بقوى الفساد الكبير التي تعملقت وتضخمت بشكل غير مسبوق، وبات من الواضح تماماً أنها تسرّع من عملية تخلصها من الليرة السورية مقابل الدولار، لتهريبه نحو الخارج، لأنّ قناعة كاملة قد تشكلت لديها بأنّ استمرارها في البلاد بات قاب قوسين أو أدنى.

إنّ الارتباط العميق بين المهمة الوطنية والمهمة الاقتصادية الاجتماعية، يظهر اليوم بأكثر صوره وضوحاً؛ لم يعد ممكناً الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها دون ضرب الفساد الكبير ودون إنهاء الحصار، وهاتان مهمتان لن تقوم بهما البنية السياسية التي ساهمت بحصة كبيرة من الكارثة القائمة والمتفاقمة، ولذا فإنّ الباب الوحيد نحو إنهاء الكارثة والحفاظ على البلاد هو الحل السياسي الشامل عبر 2254، والذي يفتح الباب أمام الشعب السوري لتقرير مصيره بنفسه ولتغيير جذري في البنى المأزومة والتي لم تعد قادرة على تقديم أية حلول، بل ولم تعد قادرة إلا على إنتاج مزيد من الأزمات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
949