افتتاحية قاسيون 944: قبل أن يفوت الآوان!

افتتاحية قاسيون 944: قبل أن يفوت الآوان!

بات ممكناً إلى حدود غير قليلة، التعامل مع سعر صرف الليرة السورية، بوصفه مؤشراً لا اقتصادياً فحسب، بل وسياسياً بالجوهر. وإذا كانت الأيام القليلة الماضية قد شهدت ما يبدو أنه استقرار هشّ على سعر جديد بحدود 850 ليرة سورية للدولار، فإنّ التجربة والوضع السياسي نفسه يؤكدان أنّ هذا الاستقرار ليس سوى تثبيت لمنصة انطلاق جديدة لمزيد من التدهور، وذلك بافتراض استمرار الوضع السياسي على حاله الكارثي الراهن.

مؤشر سعر الصرف ليس المؤشر الوحيد بطبيعة الحال، وربما لا يكون المؤشر الأكثر أهمية، ولكنه بالتأكيد مؤشر عالي الوضوح. إلى جانبه هنالك المؤشرات الأكثر ارتباطاً بحياة السوريين اليومية، المؤشرات المتعلقة بالفقر المطلق الذي يعيشونه في ظل أزمات معيشية وتوترات اجتماعية جديدة من كل الأنواع والأشكال، وفوق ذلك كله شتاء بارد جديد لا يُعير حساباً للعظام الهشة الباردة.

إنّ هذه الأوضاع المتفاقمة سوءاً، والتي باتت تهدد ليس باستمرار المعاناة والأزمة فحسب، بل وبإعادة تفجيرها بشكل أكثر كارثية، وبشكل يحمل أكبر الأخطار على وحدة البلاد وعلى استمرارها من الأساس، تضع أمام الوطنيين السوريين مهمات كبرى وثقيلة في الجوانب المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأهم من ذلك أن استمرار الأخطار السابقة وتعاظمها، يعني أنّ كل الخطوات والنضالات التي بذلها السوريون في سياق التصدي للتدخلات الخارجية بأشكالها ومستوياتها المختلفة، باتت الآن مهددة بالذهاب هباءً منثوراً.

إنّ كل ذلك يؤكد أنّ المطلوب، هو خطوات جديدة غير مسبوقة، خطوات كبرى وسريعة باتجاه الحل الشامل. في المقدمة منها، إنهاء كل أشكال التبارز عديم الجدوى الهادف للهروب من تطبيق القرار 2254 كاملاً، بكل ما يعنيه ذلك وما يتضمنه من استحقاقات كبرى آن أوانها منذ وقت طويل، وسيفوت أوان فاعليتها في الحفاظ على البلاد ووحدتها إنْ جرى التأخّر في تطبيقها بشكل إضافي.

من الخطوات غير المسبوقة التي ينبغي البدء بها فوراً، التعامل مع الوضع الاقتصادي المعيشي من وجهة نظر الضرورات الوطنية الكبرى، لا من وجهات النظر «الإدارية» و«الحقوقية» الضيقة، وهو ما يتطلب البدء ببناء النموذج الاقتصادي البديل من اليوم، عبر ضرب رؤوس الفساد الكبير، وضرب منظومة علاقاتها المبنية تاريخياً وحتى اللحظة على ثلاثة أقانيم أساسية: علاقات مفتوحة أو مستورة مع الغرب، جوهرها التبعية، نشاط داخلي بعيد كل البعد عن الإنتاج الحقيقي ومقتصر على الاستثمار في الخدمات وعلى نهب الثروات المحلية بشكلها الخام، جهاز دولة يمارس دور الراعي والحامي للفساد الكبير.

إنّ أكبر قدر من الوحدة الوطنية بين السوريين المتضررين من النهب للدفع نحو التطبيق الكامل والسريع للقرار 2254، وكذلك أكبر قدر من إعادة ترتيب الوضع الداخلي على أساس اصطفاف واضح وحقيقي ضمن التوازن الدولي الجديد من موقع المعاداة الحاسمة للولايات المتحدة والصهيونية وحلفائهم والمطبعين معهم، هي ضرورات وطنية وجودية لم يعد ممكناً القفز فوقها بأي شكل من الأشكال، ولم يعد ممكناً تأجيلها أو الإبطاء في تنفيذها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
944
آخر تعديل على الأحد, 15 كانون1/ديسمبر 2019 19:45