أفول إمبراطورية (4)ثمّة فرصة للنجاة في بلاد «بوليفار»

أفول إمبراطورية (4)ثمّة فرصة للنجاة في بلاد «بوليفار»

مع انغلاق الأفق الإستراتيجي في وجه المشروع الفاشي في عددٍ من دول العالم، ومع تضيّق الخيارات الأمريكية لتفجير مساحات جديدة من التوتر، كثُرت خلال الأعوام الماضية التحذيرات من ميل واشنطن للتوجه نحو أقاليم أخرى قابلة نسبياً لتمرير مخططات النهب فيها، وإلى تأمين «حديقتها الخلفية» في أمريكا الجنوبية بالتوازي مع انكفائها نحو الداخل الأمريكي، بما يعنيه ذلك من تمكين حلفاء الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية.

يمكن لمن تابع التطورات السياسية في القارة الأمريكية الجنوبية خلال الأعوام القليلة الماضية أن يجد بالفعل ميلاً واضحاً لدى الولايات المتحدة لزعزعة المشهد الإقليمي هناك: من محاولات «احتواء» كوبا عبر ابتزازها في ملف العقوبات المفروضة عليها وسجن «غوانتانامو»، إلى «الانقلاب الناعم» في البرازيل، ومثيله في الأرجنتين، وصولاً إلى محاولات الانقلاب بالقوة في فنزويلا بما في ذلك محاولة اغتيال رئيسها، نيكولاس مادورو.

وقد ظهرت مؤخراً بوادر قوية لاستعادة القوى اليسارية لدورها في أمريكا اللاتينية، وهو ما نجد تعبيراته في نتائج الانتخابات التمهيدية في الأرجنتين التي حصل فيها رئيس الحكومة السابق اليساري، ألبرتو فرنانديز، على ما يقرب من 47% من الأصوات، بينما حصل ماوريسيو ماكري، الرئيس الحالي، المدعوم من واشنطن، على ما يقرب من 33% من الأصوات فقط، وكذلك في تدهور شعبية الرئيس البرازيلي المدعوم أيضاً من الولايات المتحدة، جايير بولسونارو، في مقابل تصدّر حزب العمال البرازيلي من جديد لاستطلاعات الرأي.

وبالرغم من هذه المعطيات التي تدعو للتفاؤل، إلّا أن هنالك ما يدعو للتفاؤل أكثر، وهو الجانب المتعلق بالفرص التي تُتاح اليوم أمام أمريكا الجنوبية في ظل الدخول الصيني- الروسي المشترك إلى القارة بوصفهما لاعبين أساسين، قادرين على مواجهة النفوذ الأمريكي هناك.


الحزام والطريق

خلال السنوات الثلاث الماضية، وقّعت أكثر من 17 دولة من أمريكا الجنوبية ودول البحر الكاريبي (LAC) على اتفاق التشغيل الجديد لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، والتي لن تقف على ما يبدو عند حدود الممر المعروف من الصين إلى أوروبا. وهذا الاندفاع الذي تبديه دول أمريكا الجنوبية نحو الصين مفهوم تماماً، نظراً لكونها الدولة رقم واحد في استثمارات البنى التحتية الحيوية على المستوى العالمي. وبالرغم من أن الصين ليست الشريك التجاري الأول لدول القارة مجتمعة، إلّا أن استثماراتها في البنى التحتية للطاقة قد وصلت اليوم إلى أكثر من ستة أضعاف استثمارات البنك الدولي في القطاع ذاته.

ويمثل هذا النموذج الجديد للتنمية أملاً حقيقياً لدول القارة التي لا تزال أسيرة عمليات غسل الأموال وتهريب المخدرات والاستعباد من خلال الديون، والفقر والجريمة المنظمة، العمليات التي رعتها واشنطن، ولا تزال تحاول المحافظة عليها لتأمين بيئة مؤاتية لها جنوباً.


أكثر الدول ولاءً... لا تبدو كذلك تماماً

في زيارة رسمية له خلال شهر تموز الماضي لبكين، تبنى رئيس كولومبيا، إيفان دوكي، منظوراً طويل الأمد للعلاقة مع الصين، مؤكداً أنّ بكين «يمكن أن تساعد في تحويل كولومبيا إلى بوابة ذهبية للصين في أمريكا الجنوبية»، داعياً إياها للمساعدة في مشاريع تطوير البنى التحتية في إطار مبادرة «كولومبيا والصين خلال السنين الأربعين المقبلة». وتتضمن المبادرة المذكورة تطوير إمكانات كولومبيا لتستطيع الاستفادة من كافة أراضيها الزراعية، في حين لا تستطيع الآن أن تستثمر سوى في 8 ملايين هكتار منها.


إعادة التشغيل في الأرجنتين

منذ فوز موريسيو ماكري في انتخابات الأرجنتين عام 2015، انزلقت الأرجنتين إلى حافة الهاوية، حيث تحولت البلاد إلى ألعوبة بيد القوى المالية، وبات التقشف هو «الحل» الوحيد أمام «الأرجنتين الجديدة» التي لا يشغلها سوى طريقة دفع ديونها، وفي الوقت ذاته، تم إلغاء أو تأجيل الغالبية العظمى من مشاريع البنى التحتية واسعة النطاق التي بدأتها الرئيسة السابقة، كريستينا كيرشنر.

 

ومع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستوياتٍ كارثية، وتجاوز التضخم نسبة 55% دون أمل يلوح في الأفق لمعالجته، تدهورت شعبية ماكري، الذي بات من شبه المحسوم سقوطه في الانتخابات النهائية المزمع عقدها في تشرين الثاني المقبل، ذلك حسب استطلاعات الرأي المحلية التي ترجح فوز المرشح اليساري ألبرتو فرنانديز، والذي يعدُ «بإعادة هيكلة ديون صندوق النقد الدولي وعدم الالتزام بدفع الديون غير المستحقة، وإنهاء عصر التقشف». ومع الاحتمال الجدّي لعودة التيار اليساري إلى السلطة، يمكن التنبؤ بعودة العلاقات الأرجنتينية الروسية إلى سابق عهدها، وكذلك استكمال العمل على الاتفاقيات العشرين التي تم التوقيع عليها في زمن كيرشنر في إطار «التحالف الإستراتيجي المتكامل بين الأرجنتين والصين».


النيوليبرالية المهتزّة في البرازيل

في حين أن النظام البرازيلي الحالي في عهد جايير بولسونارو قد ابتعد عن العلاقة الودية مع الصين بناءً على أوامر من واشنطن، فإن المشروعات التي ترعاها الصين والتي بدأت في ظل الرئيسين، لولا دا سيلفا وديلما روسيف، لم يكن من السهل التخلي عنها، حيث لا تزال تتلقى البرازيل ما يزيد عن 54 مليار دولار من جانب رأس المال الصيني الذي يمثل ثاني أعلى استثمار في البلاد.

وبعض المشاريع المتعلقة بمشروع الحزام والطريق هي قيد التنفيذ حالياً، وتشمل نظام نقل الكهرباء عالي الجهد (يجري العمل عليه منذ عام 2011 من قبل شركة الكهرباء الحكومية الصينية في البرازيل)، هذا المشروع المعروف باسم «الطريق السريع للكهرباء» يحمل كهرباء عالية الجهد مع فقدان ضئيل للطاقة على مسافة 2000 كم من سد بيلو الشمالي إلى الجنوب الشرقي، مما يؤمن إيصال الكهرباء رخيصة الثمن إلى حوالي 22 مليون شخص يقطنون في الجنوب الفقير. وفي مجال الزراعة، استوردت الصين 50 مليون طن من فول الصويا (80% من صادرات فول الصويا البرازيلية) و560 طناً من لحم البقر (40% من الإجمالي) في عام 2018، ومن المتوقع أن يتعزز هذا التوجه.


دول في قطار «الحزام والطريق»

بعد أن أصبحت بنما أول دولة أمريكية جنوبية تنضم إلى مشروع الحزام والطريق في عام 2017، تبعتها الأوروغواي، وسرعان ما انضمت إليها الإكوادور، والبيرو، وبوليفيا، والسلفادور، وتشيلي، وكوستاريكا. ومن ثم بربادوس، وجامايكا، وغويانا، وترينيداد وتوباغو، وجمهورية الدومينيكان وأنتيغوا باربودا.

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
930
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2019 15:24