الرياض بين واشنطن وبكين

الرياض بين واشنطن وبكين

يرى المحلل السياسي الروسي، الكساندر نازاروف: أن السعودية ستصبح ساحة لمعركة بين الولايات المتحدة والصين حول القيادة العالمية.

 

يؤكد: أنه أياً كان المنتصر فإن السعودية لا يمكن أن تتجنب الخسارات الهائلة التي تهدد وجود البلد بوضعها الحالي.
يقول مقال الكاتب ألكساندر نازاروف.. في البداية لا بد من ذكر بعض الحقائق. يتم في الولايات المتحدة بشكل يومي حالياً استخراج 10,1 مليون برميل، وسيصبح هذا المؤشر بعد خمس سنوات 12,1 مليون برميل يومياً. وستصبح الولايات المتحدة وفق تقديرات منظمة الطاقة الدولية عام 2023 أكبر منتج للنفط في العالم. ويستمر انخفاض تصدير النفط من السعودية إلى الولايات المتحدة.
وتنوي الولايات المتحدة ليس فقط تغطية احتياجاتها النفطية من نفطها، بل وتصديره إلى أوروبا لإبعاد روسيا من هناك، وكذلك المنتجين العرب بمن فيهم العربية السعودية.
غدت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم عام 2017 وسيتنامى طلب الصين على النفط بمقدار تنامي اقتصادها. حصة الصين من استيراد النفط السعودي هي الأكبر، وهذه الحصة إما ستتنامى أو سيتناقص التصدير السعودي عموماً. وبفقدان السوق الصينية ستخسر السعودية حتماً قسماً من دخلها، ومن الناتج المحلي الإجمالي. حجم تجارة النفط بين السعودية_ كأكبر مصدر للنفط_ والصين كأكبر مستورد له لا يمكن إلا أن يكون كبيراً. والسؤال الذي لا مفر منه، هو: بأية عملة ستتم هذه التجارة؟
تعودنا على أن الصين ليست نشيطة جداً في الساحة الدولية. لكنها زادت من قواها الاقتصادية والعسكرية طويلاً، لكي تغدو بهدوء ذات حين قائداً عالمياً. وعندما أدركت الولايات المتحدة أن هذا الموعد بات قريباً، قررت أن تتحدى الصين قبل أن تصل إلى التفوق. فإن حرب ترامب التجارية ضد الصين هي الطلقة الأولى وحسب، في المواجهة هذه بين العملاقين، حيث ستُحسَم المعركة بين الدولار واليوان على وضعية العملة التجارية العالمية مصير الحرب (التجارية) كلها.
وقد قبلت الصين التحدي، وردت على الحرب التجارية بإجراءات مماثلة في مجال الضرائب على البضائع الأمريكية. ولكن الأهم من ذلك، هو: أن الصين أعلنت قبل أيام أنها تعتزم شراء كامل كمية النفط باليوان مطلقة بشكل مسبق، منصتها التجارية الخاصة. وحجم التداول فيها قد زاد مبيعات خام برنت. ومن المتوقع أن يبدأ كل من روسيا وأنغولا وعدد من دول أخرى في استخدام اليوان الصيني في تجارة النفط مع الصين، في النصف الثاني من عام 2018.
لم يعد الرخاء الاقتصادي الأمريكي يعتمد على القوة الصناعية للولايات المتحدة، لقد ولّت تلك الأزمنة. الأمر الآن يعتمد على وضع الدولار كعملة احتياطية وللتجارة العالمية. وقد ظهر هذا الوضع ويتم دعمه بفضل أن تجارة النفط_ وهو البضاعة الرئيسية في التجارة العالمية– تتم بكاملها بالدولار. حجم تجارة النفط العالمية هو 14 تريليون دولار في السنة ونسبة 1% فقط من هذا الحجم لا يتم بالدولار.
ومن المرجّح أن تتسع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وستنتقل إلى السياسة والمجال العسكري. ويمكن أن نتوقع أن تقوم الصين لضمان أمنها وكخطوة نحو القيادة العالمية بالتدريج بتحويل جميع تجارتها إلى اليوان، وبالدرجة الأولى تجارة النفط كمورد استراتيجي. على الأقل مع بلدان لا تدخل في نادي الدول الأغنى في العالم.
التهديد بالنسبة للعربية السعودية ينشأ من أن الصين هي التي تغذيها في حين تحفظ أموالها وأمنها الولايات المتحدة الأمريكية. النزاع بين هذين البلدين سيتطور بحيث سيجعل من المستحيل الحفاظ على هذه الوضعية ذات الطابع الازدواجي للعربية السعودية. ولن تستطيع السعودية أن تمتنع عن أحدهما دون أن يهدد ذلك وجودها. ولا بد من أن تفقد شيئاً هاماً على أية حال.
إنها لا تستطيع تحويل نفطها بالكامل إلى الأسواق الغربية، فستبعد الولايات المتحدة النفط السعودي. وستفقد السعودية إن تخلت عن السوق الصينية قسماً كبيراً من رفاهيتها، هذا ناهيك عن أنّ الرياض تعاني الآن من مشاكل اقتصادية غير قليلة. ما الذي سيحدث للسعودية إن انخفض مستوى الحياة هناك إلى مستوى الحياة في مصر مثلاً؟ هل ستتمكن من الحفاظ على الاستقرار الداخلي ووحدة أراضيها؟
الحرب الباردة بين روسيا والغرب لن تكون الوحيدة. فهناك حرب أخرى تلوح في الأفق بين الغرب والصين. لن تستطيع السعودية أن تبقى على الحياد وسيشتعل صراع حامي الوطيس عليها بين الولايات المتحدة والصين، وسيكون منطق هذا الصراع بسيطاً، وهو: إن كنت لا تستطيع السيطرة فدمر لكي لا يستخدم الخصوم ذلك ضدك.
هل ستتخلى الولايات المتحدة عن السعودية كما تخلت عن الأكراد في العراق وسورية أو الإسلاميين في سورية؟ هل يعتبر ما يسمى بالربيع العربي جزءاً من مخطط أمريكي لتدمير المنطقة لكيلا تحصل عليها الصين؟ أم سينتظر الرياض_ بعد احتمال تحول توجهات السعودية نحو الصين_ مصير سورية مع تمويل من الولايات المتحدة «لمعارضة ديمقراطية مسلحة»؟ ولن يكون صعباً على الغرب أبداً اتهام النظام السعودي بشر أخطر من الأسد، وأن يتذكر الحادي عشر من سبتمبر– أيلول وحقوق الإنسان...
لا تزال الإجابة عن هذه الأسئلة صعبة، ولكن من الواضح أن نموذج الاقتصاد النفطي والتحالف السياسي مع الغرب الذي جعل السعودية غَنيّةَ وآمنة سيتوقف عن العمل.