«جنيف هي الأداة الوحيدة  المتوفرة لتنفيذ القرار 2254»

«جنيف هي الأداة الوحيدة المتوفرة لتنفيذ القرار 2254»

بدعوة من وكالة «ريا نوفوستي» للأنباء، عقد رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، أمين حزب الإرادة الشعبية، د.قدري جميل، مؤتمراً صحفياً يوم الثلاثاء 23\5\2017 في العاصمة الروسية موسكو، وذلك بحضور ممثلي العديد من وسائل الإعلام الروسية والأجنبية. ننشر فيما يلي المداخلة التي قدمها د. جميل في مستهل المؤتمر الصحفي حول نتائج الجولة السادسة من جنيف3، متضمنة الإجابات عن بعض الأسئلة التي وردت فيه.

استهل د.جميل كلمته بالقول: السؤال هو ليس ما هي النتائج، بل لماذا لم تحقق الجولة السادسة أية نتائج. هنالك مجموعة من الأسباب الموضوعية والذاتية. الأسباب الموضوعية تتعلق بالوضع العام وبالسياسة الأميركية المتقلبة والمتخبطة وغير الواضحة والتي لم تستقر حتى الآن. من الواضح للجميع أنه - ودون مشاركة أمريكية فعالة في جنيف- لا يمكن السير إلى الأمام، لأن الراعيين الأساسيين لعملية جنيف هما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي الواقع هنالك راعٍ نشط ومستمر ويقوم بواجبه، وهنالك راعٍ مختفٍ عن الساحة منذ الجولة الرابعة وحتى اليوم.
الأمريكي مجمِّد نفسه طوعاً
الحجة التي تساق هي أن الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الجديدة تريد ترتيب أوراقها وتحديد استراتيجيتها، لكن الجو كان متوتراً بالمعنى الدولي، خاصةً عشية زيارة ترامب الأخيرة إلى العربية السعودية والأفكار التي كان يُخَطَط لها. إذا كانت المهمة الدولية اليوم هي مكافحة الإرهاب فأنا لا أعتقد أن ما تم في العربية السعودية من إنشاء تحالفات جديدة يساعد في مكافحة الإرهاب. إن الموقف من إيران بهذا الشكل يخلق تناقضات ثانوية جديدة في المنطقة تعقد مكافحة الإرهاب ولا تساعد على إنجازه. إيران بلد هام له وزنه الاقتصادي والسياسي والعسكري ولا يمكن التفكير بحل أية قضية من قضايا المنطقة بعيداً عنها، بل يجب أن تشارك إيران، وهي تلعب هذا الدور في آستانا كما تلعبه تركيا. وكما صرح اليوم السيد لافروف، فإن تركيا في آستانا تمثِّل عملياً كل دول الخليج وهذا صحيح. لذلك، آستانا ليست حكراً على مجموعة معينة من ثلاثة، وإنما كل طرف يمثل بقية الأطراف. وهذا ما جعل آستانا تخطو إلى الأمام بالمقارنة مع جنيف.
إن إحدى الملاحظات التي كانت تساق في جنيف هي أن آستانا - كمساعد لجنيف- قد خطت إلى الأمام كثيراً، وأصبحت هنالك هوة بينها وبين ما أُنجز في جنيف. من الممكن أن آستانا خطت لأن اللاعب الأساسي فيها هم اللاعبون الإقليميون الذين استطاعوا أن يصلوا إلى حد أدنى من التفاهمات، بينما في جنيف فإن اللاعبين الأساسيين هم لاعبون دوليون، وأحد اللاعبين الكبار الاثنين مجمد نفسه طوعياً في الجولات الأخيرة، وهذا يلعب دوراً سلبياً.
الأمم المتحدة طبعاً لديها صلاحيات، ودي مستورا لديه تفويض، لكن في نهاية المطاف إن ذلك هو محصلة للتفاهمات الروسية الأمريكية، وإذا كان أحد المتفاهمين الاثنين مختفياً عن الساحة، فهذه التفاهمات لا تستطيع أن تظهر إلى الوجود، وبالتالي، هذا يضع دي ميستورا في وضع لا يحسد عليه. لذلك نرى تخبطه في الجولات الأخيرة، ونحن برأينا أنه خلال الفترة الماضية يقوم بمحاكاة حركة، والتظاهر بالحركة، بينما الحركة الحقيقية لا يقوم بها، لأن الحركة الحقيقية تتطلب تفاهمات دولية.
لسنا ضد أن نبدأ بسلة الدستور
الجولة كانت قصيرة ومخطط لها أن تكون قصيرة (فعلياً ثلاثة أيام). قبل بداية الجولة، كنا مصرين أنه يجب الالتزام بما قُرر في الجولة الرابعة من بحث للسلال الأربع بشكل متوازٍ. وأذكّر ما هي السلات الأربع: السلة الأولى الحكم، السلة الثانية الدستور، السلة الثالثة الانتخابات، السلة الرابعة الإرهاب. واستغرقت الجولة الرابعة بكاملها للاتفاق على هذه السلات وتوازيها وتم الاتفاق. في الجولة الخامسة بعض الأطراف قامت بمراجعة موافقتها التي أعطتها في الجولة الرابعة: وفد حكومة الجمهورية العربية السورية قال إنه نتيجة الأوضاع المستجدة والهجوم الذي جرى على دمشق فإن الوضع قد تغيّر وموضوع الإرهاب هو أولاً وثانياً وثالثاً. ووفد الرياض مصرّ على بحث أولاً فقط، والذي هو السلة الأولى أي الانتقال السياسي، وحتى ليس كل الانتقال لأن الانتقال يحوي ثلاث سلات (الحكم، الدستور، الانتخابات)، أما في منصة الرياض فمصرون على بحث السلة الأولى: الحكم.
في نهاية الجولة الخامسة، عاد الجميع إلى صوابهم ووافقوا على بحث السلات الأربع. لكن كانت قد انتهت الجولة. وهنا، لا بد من الذكر أن وفد وزارة الخارجية الروسية، وعلى رأسه السيد غاتيلوف، لعب دوراً إيجابياً في إيقاف التدهور في الجولة الخامسة، وإعادة الأمور إلى نصابها. قبل الجولة السادسة، سمعنا أحاديث كثيرة أن السيد دي ميستورا يريد أن يبدأ بسلة الدستور. التقينا معه، وقلنا له إن سلة الدستور هامة، وهي ممكن أن تكون مفتاح للسلال الأخرى. فمثلاً، لا يمكن بحث الانتخابات دون الاتفاق على المبادئ العامة للدستور، وعلى شكل نظام الحكم القادم. الدستور هام، ولكن المهم أكثر قبل الدخول في التفاصيل بكل سلة من السلات - وبما أن جنيف طابعها دوري وموسمي- اقترحنا تشكيل لجان فنية تعمل بشكل مستمر ومستدام، بغض النظر عن مواعيد الجولات، وكل مجموعة فنية تبحث سلة من السلال، والمهم في هذه المجموعات أن يجري إعلان وتثبيت المواقف من قبل جميع الأطراف في القضايا كلها، كي تأخذها وتجمعها الأمم المتحدة وتصنفها وتقوم باستنتاجاتها بما يفتح الطريق لاحقاً وقريباً إلى جولة مفاوضات مباشرة تقترح فيها الأمم المتحدة الاستنتاجات التي خرجت بها بعد انتهاء أعمال اللجان التكنيكية.
قال دي ميستورا نحن سنبدأ بلجنة الدستور. ووفدنا الذي كان على رأسه السيد مهند دليقان بلغه رأينا: نحن لسنا ضد أن نبدأ بالدستور، لكن بشرط أنه بعد الدستور، تلتحق السلات الثلاثة الأخرى به، وأن يبدأ بحثها بشكل سريع، وإلا فإن الانفراد ببحث الدستور فقط لا غير سيؤدي إلى تعقيدات لها أول وليس لها آخر، وسيؤدي إلى فشل الجولة، وهو ما جرى مع الأسف الشديد.
دي ميستورا في مؤتمره الصحفي بعد الجولة أكد على أهمية السلات الأربع، بغض النظر من أين يبدأ البحث وبأية سلة، ممكن أن نبدأ بسلة الدستور وتلتحق بها السلات الأخرى هذه ليست مشكلة. من الناحية المنهجية، يجب الاتفاق على أن السلال جميعها مرتبطة ببعضها البعض، ولا يمكن فصل واحدة عن الأخرى. ممكن لإحدى السلال أن تسبق السلال الأخرى، ولكن أن تُفصل عن السلال الأخرى فهذا عمل سيؤدي إلى عرقلة تطور جنيف بكامله.
المعرقلون يستهدفون 2254
المهم أن هنالك قوى عديدة تعمل على دفن قرار مجلس الأمن 2254. وأنتم تعلمون أن هذا القرار يقول بشكل واضح وصريح أن المحادثات يجب أن تكون سورية- سورية، وأن السوريين يجب أن يقرروا مصيرهم من حيث نظامهم السياسي وكل الأمور المرتبطة به، وأن جنيف - نتيجة ذلك- هي الأداة الوحيدة إلى الآن المتوفرة لتنفيذ هذا القرار 2254، لذلك الذين يريدون دفن 2254 والانتهاء منه وإعلان وفاته يعرقلون جنيف الأداة، كي يقولوا إن القرار لا معنى له ويجب إعادة النظر به جذرياً. وأنتم تعلمون أن هذا القرار جرى الاتفاق عليه بشق الأنفس بين القوى المختلفة التي شاركت فيه، جرى إعلانه بمجلس أمن، ولكن قبله جرى اتفاق بين عشرين دولة عملياً على هذا القرار، وهو قرار دولي وله قوته من حيث شرعيته.
2254 يجب أن يُنفذ. فهو يعني بالنسبة لنا إيقاف كل تدخل خارجي بالشؤون السورية. وهذا يعني بنهاية المطاف انسحاب كل القوى العسكرية الأجنبية من سورية. وبشكل موازٍ له، يحل السوريون - بشكل ديمقراطي ودون تدخل وضغط من أيٍ كان لا من الخارج ولا من الداخل- أمورهم ديمقراطياً. هذا الذي يجب أن يحدث، لذلك، نحن لسنا متخوفين، بل متفائلين، لأن ميزان القوى يتغير بالخمس سنوات الماضية، ولو ليس سريعاً، ولكن بالتدريج الثابت المستمر باتجاه يجبر الولايات المتحدة الأمريكية على الأخذ بعين الاعتبار القوى الصاعدة الجديدة، ويفرض نمطاً جديداً من العلاقات الدولية ويفرض الشرعية الدولية الحقيقية.
من هذه الزاوية، فإن مسار جنيف هو مسار هام جداً لتنفيذ هذا القرار. وإفشال مسار جنيف هدفه في نهاية المطاف القرار نفسه وليس مسار جنيف بحد ذاته، لأن جنيف هي أداة من أدوات تنفيذ هذا القرار. وأعلمكم وأذكركم أن القرار نفسه في تفاصيله يحوي فكرة أن المفاوضات والمحادثات السورية السورية لها وقت تبدأ به وتنتهي به، وحدده بستة أشهر. إلى الآن، ليس هنالك اتفاق حول متى بدأت هذه المفاوضات كي نقول أنه بدأ العد التنازلي. لكن نحن برأينا في منصة موسكو أن هذه المفاوضات بدأت بـ23 شباط أي ببدء الجولة الرابعة.
برأينا إن ترك الأمور مفتوحة إلى الأبد في موضوع المفاوضات وبدايتها ونهايتها يعني أن جنيف أبقي على بساط البحث بشكل لا نهائي، بينما هو له حدود زمنية يجب أن يكون لها نقطة بداية ويجب أن يكون لها نقطة نهاية. ونحن لا نرى أنه من المستحيل أن تصل جنيف إلى نتائج عملية ونهائية من أجل الوصول إلى توافقات حول تنفيذ القرار 2254. وما اقترحناه من لجان فنية مستمرة بالعمل ولا علاقة لها بدورات جنيف المختلفة هو أمر هام جداً. حيث تأتي الدورات المختلفة من أجل إنجاز تثبيت ما تم الاتفاق عليه في اللجان الفنية. بمعنى آخر، أن يأخذ جنيف شكلاً مستداماً، وهذا سيسرع العمل إلى حد كبير.
اقترحنا مجموعات
مشتركة للمعارضة
هنالك كلام الآن أن الجولة السابعة القادمة من جنيف ستجري قريباً جداً، خلال شهر حزيران، وسيبدأ بعدها عمل اللجان المستدامة، ويمكن أن تبدأ لجنة الدستور بحد ذاتها بأن تكون هي الفاتحة لهذه العملية، وأن تلتحق بها فيما بعد اللجان الأخرى. هذا سيكون تقدم طبعاً، وأنا أعتقد أن وقت عمل اللجان الفنية لن يكون كبيراً، لأن المطلوب هناك ليس الوصول إلى توافقات، وإنما عرض المواقف وتثبيتها. والوصول إلى توافقات يحصل في محادثات جنيف بين الوفود الأساسية.
نحن اقترحنا لتسهيل العمل أن يجري تشكيل مجموعات مشتركة للمعارضة تضم منصات موسكو والقاهرة والرياض. منصة القاهرة وافقت على اقتراح منصة موسكو. أما عند الرياض فالموضوع ما زال يُبحث، وهنالك وجهات نظر مختلفة حول هذه النقطة، نأمل أن يُختتم النقاش عندهم حول هذه القضية، والمزاج العام كما لمسناه هو في اتجاه الموافقة على تشكيل لجان مشتركة. لكن حتى لو لم يتم ذلك، فهذا لا يمنع أن يبدأ كل وفد بخبرائه أن يبحث مع الأمم المتحدة المواضيع المطروحة من خلال السلال المختلفة، مع أننا نفضل تشكيل لجنة مشتركة لكل وفود المعارضة لبحث القضايا الفنية، وهذا لا يلغي وجود الوفود المختلفة المستقلة عن بعضها البعض، لكن يمكن أن يفتح الطريق لاحقاً لتشكيل الوفد الواحد المنشود الذي من الصعب - لا أقول مستحيلاً- بدونه أن تبدأ مفاوضات مباشرة بين الحكومة السورية والمعارضة السورية.
لماذا قلت صعب وليس مستحيلاً؟ لأنه لدينا تجربة جلسة افتتاح الجولة الرابعة. في الجولة الرابعة جلس مقابل بعضهم البعض ثلاثة وفود معارضة ووفد الحكومة. لذلك، يمكن استخدام هذه السابقة في المفاوضات المباشرة التي سيأتي وقتها قريباً.
نفضل وفداً واحداً. وإذا لم يمكن تشكل وفد واحد، فإن هذا لا يمنع المفاوضات المباشرة. الوضع معقد: جنيف لم يفشل مع أنه لم يحقق النتائج المطلوبة. عملية جنيف مستمرة وهي قادرة على استعادة حيويتها بحال توفرت الإرادة الدولية وإرادة الأطراف السورية بهذا الاتجاه. ونتمنى من الجميع أن يدركوا أنه ليس هنالك في الحقيقة مخرج آخر من الأزمة السورية، لأن التخلي عن جنيف هو إطالة أمد الأزمة السورية بما يعنيه ذلك من دماء وخراب وتدمير للبلاد وخطر على أمن المنطقة وأمن العالم، وترون ما جرى في مانشستر، عملية انتشار الإرهاب ما زالت مستمرة في العالم. لذلك، فإن إطفاء بؤر الإرهاب هو أهمية وأولوية، ولا يمكن أن يجري إطفاء بؤر الإرهاب بالطرق التي يعمل بها الأميركان حتى الآن. بل يجب التمركز جدياً على محاربة المنظمات المصنفة دولياً إرهابياً بشكل مشترك.
المتغيرات الميدانية
الوضع العسكري الميداني تغير جذرياً منذ بدء العملية الروسية في سورية في أيلول 2015. من وضعٍ كنا على شفى الهاوية واحتمال انهيار الدولة السورية نهائياً، إلى وضعٍ بعده تميز بالدفاع النشيط ضد الإرهاب، إلى وضع هجوم نشيط ضده.
اليوم، المساحات التي يسيطر عليها الإرهابيون قد تقلصت. وبالمعنى العسكري، تأثيرهم ضعف كثيراً، ولكن ما أقوله دائماً هو كلام كليمنصو: «الحرب قضية جدية إلى درجة أنه لا يجوز تسليمها للعسكريين فقط»، لذلك، العمل السياسي هو أساسي في إنجاح العمل العسكري ضد الإرهاب.
إن إنجاح الحل السياسي، أقول وأكرر للمرة المئة، هو سلاح التدمير الشامل الوحيد ضد الإرهاب. الأسلحة العسكرية هي أسلحة تدمير جزئية محلية مؤقتة ضد الإرهاب، أما الحل السياسي فهو سلاح التدمير الاستراتيجي للإرهاب، لماذا؟ لأنه أخيراً سيوحِّد السوريين في معركتهم ضد الإرهاب، وهذا ما تقوم به آستانا بشكل جيد. إنها خطوات صعبة، ولكن مستمرة بهذا الاتجاه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
812