أليس العز أوله دمشق ؟! قراءة في إعلان دمشق

ما أشقانا وما أسعد مانديلا بحزبه وحلفائه إذ ينطبق عليهم ما كان يتندر به الناس عن بعض أعضاء مجلس الشعب؛ فهم يوافقون غافين . فما أن يسمع أحدهم كلمة عن الاستبداد والديمقراطية حتى يطرب ويعمى عما سواها. ودليلنا أن الإعلان إذا ما حذفنا الكلام عن الديمقراطية والاستبداد  ، وإذا ما اعتبرنا المسكوت عنه ، وما بين الأسطر، يحمل بصمات حزب الشعب ، ولا يتفق مع ما تطرحه بعض أطراف المعارضة .

1ـ الملاحظة الأولى على الإعلان هي هذه الإطالة والتكرار التطريبي وغزل الفكرة الواحدة بصياغات مختلفة؛ فما جاء بين المقدمة والخاتمة يمكن اختصاره بأسطر قليلة . وهي سمة من سمات افتتاحيات الرأي تسمح بتمرير بعض الأفكار على دفعات مع الحشو والتكرار لكي تستغفل البسطاء وتسمح للطرب أن يفعل مفعوله .

2ـ يبدأ الإعلان بالحديث عن أخطار لم تشهدها سورية من قبل ، لكن سرعان ما يتبين أن العدوانية الأمريكية ليست من جملة هذه الأخطار، بل نلحظ عوضاً عن ذلك ميلاً لحرف النظر عنها بتركيز الهجوم على السلطة ؛ فالنظام وضع البلاد في عزلة خانقة «نتيجة سياساته المدمرة والمغامرة وقصيرة النظر على المستوى العربي والإقليمي وخاصة في لبنان»، أما العدوانية الأمريكية فلا شيء عنها.

ما هي هذه السياسات المغامرة وقصيرة النظر؟ الإعلان لا يسمي سياسات بعينها ، لكننا استناداً إلى العدد 46 من الرأي، نعلم بوجود مطالب أمريكية من سورية بخصوص العراق ولبنان وفلسطين قد يتم المساومة عليها إذا ما جرى التسييس المرغوب به من النظام لتقرير ميليس.

وما دام لا مشكلة لسورية مع أمريكا إلا بسبب رفضها الغدر بمقاومات هذه الأقطار ، فمن حقنا اعتبار عدم الغدر هو السياسات المغامرة وقصيرة النظر. وهذا هو موقف حزب الشعب كما يفهم من العددين 45 و46 ، ففي العدد 46 تقول: «الرأي» إن النظام لا يشبع من «النيل من الأطراف العربية الأخرى من جهة، والشكوى من استبعادها له أو حتى تآمرها عليه من جهة أخرى» ، وفي العدد 45 تتحدث عن دولة ديمقراطية تعيد سورية «إلى موقعها وعلاقاتها السوية مع محيطها العربي، وتضعها في المكان المناسب داخل العلاقات الدولية».

 فنحن لم نسمع عن أنظمة عربية قمعية بعلاقات غير سوية ومكان غير مناسب في العلاقات الدولية ،  ولم نسمع عن خلافات بين السلطة وبين سلطات عربية أخرى، إلا أننا نستطيع أن نقدر تبعية أنظمة القمع والتفريط للقوى الاستعمارية ووجود خلافات مع سلطات فلسطين والعراق ولبنان.

وهي نفسها الخلافات التي تضع سورية في المكان غير «المناسب في العلاقات الدولية»، أي هي سبب مشاكلها مع القوى الاستعمارية. كما أن الإعلان عندما يتحدث عن «رفض التغيير الذي يأتي محمولاً من الخارج، دون دفع البلاد إلى العزلة والمغامرة والمواقف غير المسؤولة!»، يتماثل مع افتتاحية العدد 33 من الرأي إذ تتحدث عن تحصين البلاد بالا ستجابة للضرورة الموضوعية التي اسمهاالتلاؤم «مع الأمريكيين ومن خلالهم مع الإسرائيليين على طريق استكمال مشاريع التسوية في المنطقة «كخطوة» لا سبيل من دونها لإنقاذ البلاد».

وإذ يتحدث الإعلان عن «الالتزام بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، والعمل ضمن إطار الأمم المتحدة وبالتعاون مع المجموعة الدولية على بناء نظام عالمي أكثر عدلاً، قائم على مبادىء السلام وتبادل المصالح، وعلى درء العدوان وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، والوقوف ضد جميع أشكال الإرهاب والعنف الموجه ضد المدنيين»، إذ يفعل هذا يحق لنا أن نتساءل عن ماهية هذه المجموعة الدولية المتمايزة عن الأمم المتحدة ؟! وما هي إمكانية سورية لتلعب هذا الدور في الوقت الذي عجزت عنه أقطاب وأحلاف كبرى سابقاً ويعجز عنه العالم كله اليوم؟! وأين نقضت سوريا هذه المبادئ؟! ولم لم يسمّ الإعلان من ينقضها؟! وإذ لم نجد مبرراً لهذه الفقرة، نعتقد أنه كلام يراد له أن يمرر وقوف الإعلان ضد جميع أشكال الإرهاب والعنف الموجه ضد المدنيين الذين ستوطنوا في بيوت اللاجئين  الفلسطينيين  وممتلكاتهم.

وهو موقف لحزب الشعب من العمل المقاوم، خاصة الاستشهادي منه، سبق له أن سجله في موضوعاته إذ اعتبر ثقافة المقاومة والاستشهاد نقيض ثقافة الحياة والسلام. وهو ما يمكن اعتباره محاولة لتقديم أوراق اعتماد واستجابة للضرورة الموضوعية.

 

■ أكرم إبراهيم