خطران جديّان يتهددان الحركة الشعبية..

جاء ما جرى في جسر الشغور، وقبلها في تلكلخ، وبابا عمرو، والطريقة التي تفاعلت فيها الأحداث، مع دخول تركيا على الخط، بما يحمله هذا الدخول من تأويلات ومن قراءات، وفي النهاية من مصالح محددة وإستراتيجية، إضافةً إلى توسع ظاهرة حمل السلاح من جانب جزء صغير يتستر بالحركة الشعبية، السلاح الذي كان يُحمل في البداية، بذريعة رد الفعل على طريقة التعاطي الأمنية المترافقة مع «انقطاع الرجاء» من المعالجة السياسية وشكليتها حتى اللحظة، ولكن السلاح الذي بدأ يجد من يدعو إليه جهاراً نهاراً تحت مسمى «الجهاد»، والتدخل الخارجي الذي بدأ يجد من يستنجد به تحت مسميات وشعارات حقوق الإنسان وحماية المدنيين.. جاء كل ذلك ليؤكد دخول الحركة الشعبية في طور جديد، ولعله عنق الزجاجة الذي ستضمن الحركة، بمرورها السلس منه، مستقبلها اللاحق ومستقبل سورية بأسرها، وإلا فإن الحركة الشعبية وفي حال اشتداد تأثير الخطرين موضع الحديث عنهما، أي التدخل الخارجي من جهة، وحمل السلاح من جهة أخرى، فإنها ستصب مصباً غير شعبي في المحصلة..!، أي أنها ستصب في مصلحة القلة النهابين، وفي مصلحة المشاريع الخارجية المعدة سلفاً لتفتيت سورية وابتلاع المنطقة.. وفي غيرمصلحة  الناس الذين خرجوا للشوارع ودفعوا دماءً سوريةً أصيلة، ليطالبوا بحقوقٍ طال انتظارها..

حمل السلاح..

تتفاوت المواقف وتتدرج داخل الحركة الشعبية، وبين من يدّعون أنفسهم أوصياء عليها أو متحدثين باسمها، من مسألة حمل السلاح في الداخل. الجزء الأكبر يرفض رفضاً قاطعاً حمل السلاح، ويصّر على سلمية الحركة حتى النهاية. جزءٌ يسير، يبرر حمل السلاح بانسداد آفاق الحلول السياسية مع «النظام»، لكنه لا يدعو إليه. في حين تدعو جهات قليلة - بدأت بالتكشف أمام الشعب السوري يوماً إثر آخر وقطرة دم تلو الأخرى- إلى حمل السلاح، كحلٍ لا بد منه لمواجهة الطغمة الأمنية، التي لا مفر من «تركيعها» بقوة الحديد والنار، لأنها لا تفهم إلا تلك اللغة.. وقبل الدخول في مناقشة النتائج التي يترتب عليها احتمال قيام الحركة الشعبية برفع السلاح في الظروف السورية، علينا أن نبحث عمن دفع باتجاه حمل السلاح، لأنه المستفيد الوحيد من إدماء الحركة، ويصبح ممكناً بعد ذلك التنبؤ بالنتائج المترتبة على هذا الفعل الخطير..
المعطيات والوقائع حتى الآن تؤكد أن فساد قسم ما من الأجهزة الأمنية هو البادئ في إدماء الحركة الشعبية، سواء أكان ذلك بالأساليب التقليدية للأجهزة أو من خلال المرتبطين بها تاريخياً من مهربين وشبيحة وأزلام أطلقتهم ليرهبوا الحركة ويمتصوا دماءها، وفي الضفة الأخرى -وهي ضفة أخرى شكلياً فقط!- خرجت ما أسماها الإعلام والخطاب السياسي الرسمي بالعصابات المسلحة، خرجت في أماكن متفرقة ومن داخل صفوف الحركة لتطلق النار، وتعطي المبرر لفتك الأمن بالمتظاهرين.. وفي المحصلة يلتقي الطرفان في رعبهما من الحركة ومن مآلاتها، فهي -أي الحركة الشعبية- إن سارت ونضجت في طريق يخدم مصالح أصحابها الحقيقيين، فإنها ستكنس من طريقها الطرفين، الفساد داخل جهاز الدولة والفساد المرتبط به خارجه. هذا لا ينفي إمكانية دخول عصابات مسلحة من الخارج، ولكنه يضعه في سياقه الصحيح، أي أن كل من يحمل سلاحاً سواء من الداخل أو من الخارج إنما يريد توريط الحركة الشعبية وإجهاضها وأخذها بحماوة الدم نحو صراعات ثانوية، طائفية وقومية وربما عشائرية أيضاً، لتحيد وجهة الناس عن عدوهم المباشر، أي الفساد الكبير بوصفه ممتصاً لتعبهم ولكرامتهم، وبوصفه عميلاً للصهيونية ولأمريكا ومنفذاً لمشاريعهما على أرض سورية..
ترتكز إمكانية أخذ الناس نحو السلاح إلى درجة نضج الحركة التي خلقت في ظروف بعيدة كل البعد عن العمل السياسي والحريات السياسية فتمكن كل العابثين من توريطها بعبثهم إلى هذا الحد أو ذاك، يضاف إلى ذلك مشكلة معرفية حقيقية تتمثل بالتعاطي مع «النظام» ككتلة واحدة، وحقيقة الأمر أن الجزء الأكبر من النظام هو الآخر متضرر من الممارسات الأمنية ومن الفساد ومفرزاته الاجتماعية والاقتصادية وحتى مفرزاته في القضية الوطنية..
 
التدخل الخارجي

يجانب الحقيقة كل من يدّعي أن الحل لم يعد ممكناً دون تدخل خارجي، وهذه الـ«يجانب» هي لأصحاب النوايا الطيبة والأشخاص المتحمسين، في الوقت الذي تنبري فيه شخصيات عدة لاستجداء التدخل الخارجي، وهي قاصدة ومتعمدة في كل كلمة تقولها وفي كل تلميح أو تعليق تستعرض فيها عضلاتها الإنسانوية والأخلاقية والبريئة، فأياً كان الوضع في سورية فإن شعبها لن يغفل يوماً عن المخططات الإمبريالية، وأتقصد وضع هذه الكلمة «الإمبريالية» بأكوام الغبار التي تكدست فوقها لكثرة ما استخدمت في سياقات صحيحة وفي أخرى كثيرة خاطئة، فأصبح أي متشدق بالثقافة وبالـ«الثورجية» يمتقع حين يسمعها ويقذف قائلها بشتى التوصيفات «الحداثوية» المتعالية،  أضع هذه الكلمة لأواجهها بالكلمات التي تُقدم على أنها اللامعة والمعاصرة، كحقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية..الخ.. لنتذكر فقط أن هذه الكلمات الأخيرة كمصطلحات سياسية هي وليدة الثورة الفرنسية قبل ثلاثمائة عام، في حين أن مفهوم «الإمبريالية» هو ابن القرن العشرين، ولنمسح الغمامة عن عيوننا، فالعدو لم يزل عدواً والاحتلال العثماني كان عدواً واضحاً ولم يزل ينذر بعداء أكثر قسوة وتخلفاً، والصهاينة هم الصهاينة، وأمريكا هي أمريكا التي يقول عنها درويش ساخراً: «وأمريكا لأمريكا»، وهي كذلك! فأمريكا لن تكون إلا لنفسها ولمصالحها العابرة للقارات والعابرة للأرواح والدماء، بل والمتسلقة عليها..
المعادلة الصحيحة تقول: العدو واحد، مركزه خارجي وأذياله داخلية.. مركزه أمريكا، وأذياله الفساد الداخلي الكبير بتشكيلاته وتلويناته المختلفة، بغير هذا الفهم فإن الأمور تنذر بالكارثة..