عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

رفاق في الذاكرة بشير الشريف

من أخطر المهمات الحزبية في الظروف السرية، هي مهمة الرسول بين المنظمة وقيادة الحزب، فالرسول ينقل إلى القيادة أوضاع المنظمة الحزبية، وأوضاع المحافظة من جميع النواحي، كما ينقل عن القيادة ملاحظتها وتوجيهاتها للمنظمة الحزبية ويضعها بصورة الوضع السياسي العام، والمهمات التي تطرحها المرحلة، بالإضافة إلى ذلك يقوم بنقل المطبوعات والمنشورات.

خطورة هذه المهمة تكمن في أن سلامة مرسلي الرسول ومستقبليه (على الأقل) ترتبط بصموده إذا اعتقل، لأنه يشكل بالنسبة لأجهزة الأمن صيداً ثميناً، وخيطاً يمكن بواسطته الوصول إلى اعتقال عناصر قيادته من الطرفين.

أكثر من عشرة رفاق قاموا بهذه المهمة الخطرة في عهدي الوحدة وحركة آذار 1963، ومن أبرزهم الرفيق الراحل بشير شريف (أبو فهد)، الذي قام بهذه المهمة، ربما أكثر من كل الآخرين.

بعد فجر يوم خريفي من عام 1964، ومع بدء تحرك الناس في الشوارع، توجهت إلى البيت الذي سيوافيني إليه الرفيق بشير، عائداً من طرف القيادة في دمشق. ساعات مرت على موعد وصوله المعتاد، أخذت هواجس سوداء تدغدغ مشاعري، أهملتها.. لكن كلما تأخر وصوله أكثر، كان يتزايد القلق في نفسي، حتى شعرت بعد الظهر بأنني سجين كطير في قفص، لأنني كنت أرغب في مغادرة البيت تحسباً من احتمالات سلبية، لكنني لا أستطيع الخروج نهاراً. بقيت أجتر قلقي المتزايد حتى بعد غروب الشمس حيث هربت بسرعة إلى بيت آخر. وفي كل ساعة كنت أرسل من يستقصي أخباره بشكل غير مباشر. وأخيراً وصل وهو يبتسم دون حقيبة، قبل منتصف الليل. قلت له: الحمد لله على السلامة. أين حقيبتك؟ قال: في إحدى دوائر الأمن في دمشق. قلت باستغراب وقلق: كيف؟ أخبرني بالتفصيل. ثم أين رسالة القيادة؟ قال: قطعت بطاقة في باص يسافر ليلاً إلى القامشلي، وحاولت أن أضع حقيبتي على ظهر الباص من السلم الخلفي، فمنعني المعاون، وأخذها مني ووضعها إلى جانب حقائب أخرى. بعد قليل جاء عنصر أمن وبدأ يفتش الحقائب، فتواريت أراقبه من بعيد. وعندما فتح حقيبتي الملأى بالمنشورات والصحف الشيوعية، نادى المعاون صاحب الحقيبة، فجريت، وهربت من الكاراج، وركبت أول باص متوجه إلى حمص، ثم إلى حلب، وأخيراً إلى القامشلي.. لهذا تأخرت، وإليك رسالة القيادة..

هذه واحدة من الوقائع المثيرة الكثيرة التي كانت تحدث أيام النضال السري..

تحية عطرة لذكراك الطيبة أيها الرفيق الراحل أبو فهد، ولجميع الرفاق والأصدقاء، الذين ساعدوا الحزب الشيوعي السوري المجيد في نضاله من أجل غد مشرق للشعب والوطن.

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 12:18