أزمة الرأسمالية.. وخياراتنا الوطنية

يتبين يوماً بعد يوم، ويتأكد أكثر فأكثر، أن الأزمة الرأسمالية العظمى، هي أزمة لا سابق لها بمجرياتها وتداعياتها اللاحقة.. فهي ليست عابرةً ودوريةً بالمعنى الكلاسيكي، بل هي طويلة وعميقة بمقدار إمكانية الرأسمالية نفسها على الاستمرار في مواجهة تناقضاتها التي لا مخرج لها منها إلا بالخروج من الرأسمالية نفسها..

وهي ليست أزمة مالية بمقدار ما هي أزمة اقتصادية، وليست أزمة اقتصادية بحتة، بمقدار ما هي أزمة نظام سياسي ـ اجتماعي استنفد نفسه.. وهي ليست أزمة نظام سياسي ـ اجتماعي بقدر ما هي أزمة تشكيلة اجتماعية ـ اقتصادية تواجه مصيرها المحتوم...

وإذا كانت الحال هكذا، فعلينا أن نتوقع الأسوأ في مآل وتداعيات هذه الأزمة التي لم تنفع فيها حتى الآن، كل تطمينات قادة ومنظري النظام الرأسمالي، بل على العكس، فقد ازدادت اشتعالاً. وإذا كانت الأزمات السابقة في القرن العشرين قد استدعت الحرب العالمية الأولى والثانية.. وأدت في الحالتين إلى تغير جدي في ميزان القوى الدولي لمصلحة قوى التحرر والتقدم والاشتراكية، فعلينا اليوم أن نتوقع التقدم الذي ستحققه هذه القوى نفسها نتيجة هذه الأزمة والذي سيتجاوز بأبعاده التاريخية الانتصارات التي تحققت حينذاك على الرأسمالية، وسيؤدي بالتالي إلى تغير غير مسبوق في ميزان القوى الدولي ضد مصالح الرأسمالية العالمية..

ولا يغير في واقع الأمر المحاولات البائسة التي تقوم بها بعض الجهات الإمبريالية الأكثر تضرراً من الأزمة الحالية، والتي تريد لها الإمبريالية الأمريكية أن تشاركها دفع ثمن أزمة لا ناقة لها فيها ولا جمل، هذه المحاولات التي تسعى إلى تعديل النظام المالي ـ الاقتصادي الدولي دون إلحاق الضرر بالرأسمالية نفسها، والتي تقف في وجهها بعناد الإمبريالية الأمريكية.. فهذه المحاولات طوباوية ومصيرها الفشل الذريع..

وإذا درسنا الأزمات السابقة، نعلم أن المركز الذي كان يتصدع نتيجة الهزات، كان يقوم بإرسال هذه الهزات إلى الأطراف بفعل قانون انتشار الهزة.. لذلك علينا أن ندرس بجدية آثار الهزة الرأسمالية العالمية على اقتصادنا وتطورنا، والذي لا شك فيه أن على المدى المتوسط سيكون لهذه الهزات آثار تدميرية كبيرة، إذا لم تتخذ الاحتياطات باكراً..

فالبلدان الإمبريالية ومركزها، أضعفت خلال العقود الماضية الطابع الإنتاجي للاقتصاد العالمي ومنه اقتصادنا، ووسعت الطابع الطفيلي الريعي ـ المالي إلى حد كبير. لذلك فإن أولى الإجراءات لتفادي آثار الهزة القادمة هي إعطاء الأهمية القصوى لتقوية الطابع الإنتاجي الحقيقي لاقتصادنا، وإضعاف جوانبه الريعية ـ المالية التي تتمثل في سعي البعض للتركيز على الأسواق المالية والمصارف والتأمين والعقارات..الخ، على حساب الاقتصاد الحقيقي.

ولتقوية الطابع الإنتاجي لاقتصادنا، يجب أن يصبح مركز الثقل وأولوية الأولويات هو الاهتمام بالصناعة والزراعة وتوظيف كل الموارد فيهما بشكل يكاد أن يكون مطلقاً.

والأرجح أن القاطرة المدعوة لحل هذه المهمة هي الزراعة نفسها التي تحتاج إلى إعادة نظر في السياسات المعتمدة تجاهها، وخاصةً فيما يتعلق بدعمها باعتبارها المركز الأساسي للأمن الوطني للبلاد، وفي حال تحقيق نجاح في هذا المجال فهي ستتحول إلى قاطرة لتطوير ودفع الصناعة نفسها.. مما يتطلب التفكير الجدي بتغيير استراتيجية الاقتصاد الوطني نحو حلول إسعافية تقيم مجمعات زراعية ـ صناعية تصبح هي سد الحماية لمستوى معيشة الشعب وتصد موجة الهزات القادمة..

لقد طوى التاريخ صفحة السياسات الليبرالية التي كانت تركز على القطاعات غير الإنتاجية، وأعاد الاعتبار للإنتاج الحقيقي بشقيه الزراعي والصناعي، وهاهو «يكنس» الطفيليات المالية ـ الريعية التي عاثت فساداً على هوامش الاقتصاد الحقيقي، فهل نستوعب الدروس بسرعة، بحيث نستطيع التأقلم مع الواقع الجديد بمرونة وحزم؟ إن الجواب على هذا السؤال هو الذي سيحدد مصير كرامة الوطن والمواطن..

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 11:42