إعداد وحوار: جهاد أسعد محمد إعداد وحوار: جهاد أسعد محمد

في قمة دمشق – طهران.. نقلات هامة على طريق مواجهة التحديات الكبرى

تعد القمة السورية- الإيرانية التي انعقدت في دمشق نهاية الأسبوع الماضي، حدثاً خاصاً واستثنائياً بكل المقاييس، سواء من جهة ظروف انعقادها الإقليمية والدولية في ظل اشتداد الضغوط الإمبريالية الأمريكية– الصهيونية على خط الممانعة والمقاومة الإقليمي، والمتزامن مع اشتداد الأزمة الرأسمالية، أو من جهة الخطاب الذي تبنته وخرجت به والذي أعلن صراحة تمسكه بخيار المقاومة بعيداً عن المداورات الدبلوماسية، ومن جهة حضور فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله لها في بعض فتراتها بكل معاني ذلك الرمزية والسياسية، والأهم من جهة نتائجها المأمولة القريبة والمتوسطة والبعيدة على المنطقة برمتها.. وانطلاقاً من خصوصية الحدث، وسعياً في استيضاح أبرز معانيه، ارتأت قاسيون فتح هذا الملف وتحليله من خلال محاورتها عدداً من المحللين الاستراتيجيين العرب..

حميدي العبدالله:

القمة السورية - الإيرانية قمة تلاحم قوى المقاومة والممانعة 

* الأستاذ حميدي العبدالله، كيف يمكن قراءة قمة دمشق الأخيرة بين الرئيسين السوري والإيراني، والتي حضرتها في بعض فتراتها فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله؟ هل هي إعلان عن استعداد لحرب وشيكة، أم هي اجتماع تنسيق رفيع للقادم من أحداث ، أم أنها بمثابة رسالة عن تلاحم قوى المقاومة والممانعة في المنطقة؟!

القمة بكل تأكيد، خطوة هامة جداً في سياق تعزيز تلاحم قوى المقاومة والممانعة في مواجهة الهجوم الإسرائيلي- الأمريكي- الرجعي العربي، الذي ما يزال حتى الآن يتحين الفرصة للقيام بتوجيه ضربة عسكرية لإحدى قوى المقاومة والممانعة بهدف تغيير موازين القوى التي تكونت منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وحتى اليوم، والتي تتميز بسمة أساسية وهي أن موازين القوى هذه جاءت نتيجة قدرة قوى المقاومة والممانعة على تحقيق مكاسب هامة جداً في ساحات عديدة بدءاً من العراق، مروراً في لبنان- باتجاهين: الأول بمواجهة إسرائيل في حرب تموز؛ والثاني في مواجهة محاولات الانقلاب على خيارات لبنان والتزاماته الوطنية والقومية عبر الحركة التي قام بها أعوان المشروع الأمريكي في لبنان-، أو على مستوى الساحة الفلسطينية مثل ما حدث في نهاية عام 2008 و2009 خلال العدوان على غزة.

لا شك إذاً أن هذه القمة جاءت في سياق تعزيز علاقات قوى معسكر المقاومة والممانعة لمواجهة الرغبات والاستعدادات الإسرائيلية والأمريكية على أكثر من صعيد، وليس فقط المناورات العسكرية ومحاولات اكتشاف أنظمة مضادة للصواريخ والتي تعد المظاهر الوحيدة لهذه الاستعدادات، إنما هناك تحركات واسعة وكثيرة جداً لأطراف الحلف المعادي من أجل القيام بعمل ما ضد قوى المقاومة والممانعة، وبهذا المعنى فإن هذه اللقاءات التي شهدتها دمشق في الفترة الأخيرة جاءت في سياق الرد على التحركات في المعسكر المعادي، وأعتقد أن الرسائل التي حملتها هذه اللقاءات هي رسائل هامة جداً ومؤثرة جداً، وستكون لها دلالتها في المرحلة المقبلة، وأريد التوقف هنا عند دلالتين أو عنصرين هامين جداً في الرسائل هذه:

الدلالة الأولى، أنه من المعروف أن أطرافاً في الولايات المتحدة وحتى في إسرائيل، عندما فشلت في المواجهة المباشرة والعسكرية مقابل تيار قوى المقاومة والممانعة لجأت إلى أسلوب جديد، وهو يقوم على إعلاء أو تركيز أو إعطاء أولوية أعلى لفكرة تفتيت معسكر المقاومة والممانعة، باعتبار أن الانتصارات التي تحققت كانت نتيجة تماسك هذا المعسكر، وبهذا المعنى بدأنا نشهد في الإعلام تصريحات أو نشاطات عن ضرورة سحب سورية من معسكر قوى المقاومة والممانعة أو دفعها بعيداً عنه عبر إعطائها بدائل عن التحالف مع إيران وقوى المقاومة، وكأن سورية ذهبت إلى هذا المعسكر ليس انطلاقاً من وعي وفلسفة معينة ومحددة لا تفيد معها مثل هذه المناورات، إنما كان في حسابات الآخرين أنه إذا تم تغيير السلوك مع سورية يمكن الوصول إلى نتيجة ما معها، وأعتقد أن قمة دمشق، سواءً بالتصريحات المباشرة التي عبر عنها الرئيس بشار الأسد عندما سئل عن رده حول الطلب الأمريكي بالابتعاد عن إيران حين قال: استجبنا للطلب الأمريكي والإسرائيلي ووقعنا اليوم اتفاق إزالة التأشيرات بين البلدين، فأعتقد أن هذه الرسالة الأولى وهي تعدّ رسالةً هامةً جداً ومؤثرة جداً.

الدلالة الأخرى، والهامة على هذا الصعيد، فمعروف أن خيار التسوية الآن إذا لم نقل إنه انتهى بالمطلق، فهو في مأزق، وليس هناك من يجرؤ على الحديث أن للتسوية فرصاً للنجاح، وأعتقد أن هذه القمة والاجتماعات التي عقدت على هامشها، والتي ضمت قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، تؤكد مرةً أخرى أو تبعث برسالة للولايات المتحدة ولإسرائيل ولما يسمى بالمجتمع الدولي ممثلاً بالدول الكبرى، مفادها بأنهم طالما قرروا إدارة ظهرهم للتسوية ووقفوا عاجزين أمام مواقف إسرائيل وتعنتها، وهم الآن لا مبالين إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، لم يبقوا أمام هذا الصراع خياراً آخر للتعبير عن نفسه غير خيار المواجهة والحسم العسكري، وهاهي قوى المقاومة التي نجحت في الفترة السابقة بصد الهجمات وصد محاولات إملاء إرادتهم على شعوب هذه المنطقة، ها هي قوى المقاومة تجتمع الآن وتتدارس الموقف فيما بينها من أجل بلورة الخيار البديل، وهذه القوى التي ثبت أنها قادرة على إلحاق الهزيمة أو على الأقل إفشال مخطط أكبر دولة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب الباردة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت أيضاً هذه القوى في إفشال قدرات إسرائيل التي كان يدور الحديث عن أنها قدرات لا يمكن لأحد أن يحتويها أو يعطل فعاليتها، إن هذه القوى قادرة على بلورة بديل غير المفاوضات، وهذا البديل تقف وراءه شعوب المنطقة وتراهن عليه، وهي مستعدة للالتفاف حوله، وأعتقد أن هاتين الرسالتين أو الدلالتين لقمة دمشق هما الأهم..

* ولكن في الفترة الأخيرة تعدت المسألة حد التهديدات المبطنة، وبدأت تأخذ طابعاً متصاعداً، كالحشد العسكري غير المسبوق في الجولان وارتفاع وتيرة التهديدات ضد إيران؟

لنكن واضحين، هل يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أن يقبلا بتقديم المزيد من التنازلات لمعسكر المقاومة والممانعة، وخاصةً في ظل أن التنازلات التي قدمت حتى الآن لم تؤد لنتيجة مقبولة بالنسبة لهما؟ أريد أن أكون صريحاً وواضحاً في هذا الموضوع، لدى الولايات المتحدة وإسرائيل مصالح في هذه المنطقة، ويسعيان إلى تحقيقها عن طريق القوة فقط، لأنها مصالح غير مشروعة، لذلك فإن النية بالعدوان لديهما نية قائمة وموجودة دائماً وأبداً، ولا يجب أن نسقطها في أية لحظة من اللحظات، ولذلك أعتقد أن الرئيس بشار الأسد كان واضحاً من هذه الناحية عندما شدد وقال: إن إسرائيل حتى عندما لا تصرح بالعدوان فهي تضمر العدوان، أي بمعنى أنه علينا ألاّ ننطلق من واقع التصريحات كاستدلالات على النية الإسرائيلية، فالنية الإسرائيلية قائمة في العدوان سواءً صرحت بذلك أم لم تصرح، والولايات المتحدة تحضر دائماً للعدوان بمقتضى مصالحها وطبيعة هذه المصالح، ولكن هذه الدول عندما تريد تنفيذ أي عدوان من أجل تحقيق مصالحها فعليها أن تأخذ بعين الاعتبار أنها ليست الجهة الوحيدة التي تتحرك على هذا الصعيد، فأولاً هناك جهة مقابلة، وإذا كانت هذه الجهة المقابلة سلبية وضعيفة إلى الحد الذي يجعل هناك إمكانية لتحقيق المصالح والأهداف الأمريكية والإسرائيلية بثمن بخس أو محدود جداً فإنهم لن يتوقفوا عن شن أي عدوان وبأسرع وقت ممكن، وتاريخ العلاقة بين العرب وإسرائيل وبين العرب وأمريكا وبين شعوب العالم وأمريكا مليئة بالأمثلة عن هذا الموضوع، ولكن عندما يكون هناك- في لحظة الإجابة عن هذا السؤال المطروح- حسابات تؤكد أن الفريق المستهدف يمتلك من القوة والقدرات ما يجعله قادراً على إفشال أي مخطط وتحويله من فرصة للأمريكيين أو الإسرائيليين إلى كارثة، فأعتقد أنه على هذا الصعيد علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مايلي: هل القرار الإسرائيلي أو الأمريكي سيكون قراراً- للمرة الثالثة بالنسبة لإسرائيل والمرة الثالثة للولايات المتحدة الأمريكية انطلاقاً من فيتنام وحرب أفغانستان والعراق- أحمق مرةً أخرى؟ من حيث العقل والمنطق يجب أن نستنتج أن عليهما أن يفكرا كثيراً قبل الإقدام على عدوان لم يوفرا له شروط النجاح، ومن حيث سلوك القوى الاستعمارية الأعمى علينا أن نتحضر لإمكانية وقوع مثل هذا العدوان في أية لحظة.

* الآن تشتد الأزمة الرأسمالية وتداعياتها الداخلية على كل من الولايات المتحدة و«إسرائيل»، أفلا تجد كليهما مضطرتين الآن للقيام بهذا العدوان؟

من حيث المبدأ، أعتقد أن منطق المصالح هو الذي يدفعهما، وليس هناك اضطرار، فالاضطرار بحاجة إلى تعريف هنا.. المقصود بالاضطرار هو أن مصالح أمريكا وإسرائيل والتي هي نقيض لمصالح شعوب المنطقة، هذه المصالح وصلت إلى مرحلة لا يمكن فيها أن تتعايش مع مصالح شعوب المنطقة، ولذلك فإن أحد الطرفين سيدفع الثمن على حساب مصالحه، والآن فإن قوى المقاومة والممانعة إما ستوجه لها ضربة لتحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وبهذا المعنى يأتي من يرجح بأن إسرائيل وأمريكا لن تقفا مكتوفتي اليدين وستقومان بعدوان قريب، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن قوى المقاومة وصلت إلى مرحلة من القوة والاستعداد بحيث أنه عندما تبادر الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الاثنتان معاً إلى تنفيذ عمل عسكري تحت عنوان «مضطرون له» للحفاظ على مصالحهما، فإن مصالح هذين الطرفين ستتضرر أكثر مما تضررت قبل العدوان، ولذلك أعتقد أننا في تحليل السياق والصيرورة التي لم تكتمل بعد، فإننا لا نستطيع القول على الإطلاق إنه من الممكن أن تكون إسرائيل وأمريكا في هذه اللحظة- إذا أردنا أن نفسر- مضطرتين إلى العدوان...

أنا لا أنفي العمل العسكري ولا أنفي إمكانية العدوان، بل أؤكد على الاستعداد من أجل هذا العدوان ولكن لا أستطيع الجزم بتوقيته، أو بإمكانية وقوعه في المستقبل، على اعتبار أنه من غير الممكن التنبؤ بصيرورة التطورات في المستقبل، وبمعنى أنه قد تخلق ظروف وتوازنات في إسرائيل أو أمريكا أو الاثنتين معاً تساعد على العدوان، وقد تخلق أو تتعاظم ظروف وقدرات قوى المقاومة والممانعة وتنشأ توازنات قوى تؤدي إلى زيادة كلفة العدوان على مصالح هذه القوى عن كلفة اللاعدوان، ولهذا السبب علينا أن نقول: إن إسرائيل وأمريكا تستعدان للعدوان ليل نهار، ويمكن أن تفاجئانا بعدوان في أية لحظة تحت ضغط مآزقهما وأزمات مصالحهما في هذه المنطقة، وفي الوقت ذاته علينا أن نثق بقدراتنا حتى هذه اللحظة، فنحن أفشلنا في السابق مخططات من هذا النمط، مثل عدوان 2006 واحتلال العراق والحرب على غزة، وبإمكاننا مالم نذهب بنشوة النصر، أن نبني قوة قادرة على الصمود في وجه القوى المعادية.

* ما انعكاسات هذه القمة على المستوى الإقليمي؟ هل يمكن أن تسحب أو تجر إليها وإلى مواقفها وخطها آخرين؟

أعتقد أن الانعكاسات الإيجابية لهذه القمة ستكون كثيرة بكل تأكيد، وستترك انعكاسات إيجابية على خط الممانعة، وأعتقد أننا إذا أخذنا هذه القمة في سياقها السياسي الإقليمي وحتى الدولي، بمعنى التحولات التي جرت على توازن القوى بين قوى المقاومة والممانعة من جهة والعلاقات الدولية مثل الصين وأمريكا من جهة أخرى، وروسيا نسبياً- رغم أنها ما تزال أقرب إلى الموقف الغربي-، والتحول الذي شهده الموقف التركي، والأحداث الحالية في تركيا لتعميق هذا التحول الحادث على مستوى تركيا كلها، إذا وضعنا هذه القمة كحراك وخطوة في وجهة محددة، فبإمكاننا القول: إنها ستكون قوة جذب لملء فراغ، ومنذ فترة طويلة هناك في الأوساط الأمريكية حديث عن الانكفاء الذي تشهده السياسات الأمريكية، وهناك حديث لدى النخبة الأمريكية القريبة من صانعي القرار حول من سيملأ الفراغ في الشرق الأوسط، فهم يرون أن الشرق الأوسط يضم شعوباً قاصرة كما كانت الحال بعد الحرب العالمية الثانية عندما فرضوا الوصاية، لأنهم يعتبرون أن هذه الشعوب غير قادرة، وما زالوا حتى هذه اللحظة يتصرفون على أساس أن هذه المنطقة منطقة مصالح للدول الكبرى، وعندما تصبح قوة هذه الدول الكبرى أضعف من السيطرة على هذه المنطقة يتحدثون عن فراغ، وفي سياق هذا الفراغ تحدث الأمريكيون عن عدة قوى ستملأ هذا الفراغ ومن بينها قوى إقليمية. أعتقد أن تركيا وإيران كأكبر دولتين في المنطقة والدولتين المستقلتين الآن في سياستهما عن الدول الكبرى، تلاقيان سورية التي تمثل قسماً كبيراً من الشعب العربي باتجاه أن تكون حكومات هذه المنطقة التي تعبر عن إرادة شعوب هذه المنطقة هي التي يجب أن تملأ هذا الفراغ، وأعتقد أن القمة بالتحرك الذي شهدته والمشاورات التي جرت فيها والنتائج التي ترتبت عليها.. ستعزز هذا المنطق وهذا الخيار، وبكل تأكيد طالما أن القمة تعزز معسكر المقاومة والممانعة في المنطقة وتعزز استقلالية شعوب المنطقة عن الدول الكبرى، وتملأ الفراغ الذي تحاول الدول الكبرى أن تملؤه نيابةً عن شعوب هذه المنطقة، فإن المتضرر بالتأكيد، هو الدول الكبرى وأصحاب المصالح الاستعمارية، والدول التي ترغب بإحياء صيغ جديدة للهيمنة، ولهذا السبب أعتقد أن المستفيدين هم شعوب المنطقة، والمتضررين هي الدول الكبرى أو الدول ذات الماضي الاستعماري أو التطلعات الاستعمارية.

◄◄

د. كمال خلف الطويل لـ«قاسيون»:

القمة.. إعلان ولوج مرحلة الردع الأقصى الشامل 

* د. كمال، هل يمكن قراءة قمة دمشق الأخيرة بين الرئيسين السوري والإيراني، بأنها إعلان عن استعداد لحرب وشيكة، أم هي اجتماع تنسيق رفيع للقادم من أحداث، أم أنها بمثابة رسالة عن تلاحم قوى المقاومة والممانعة في المنطقة؟!

هذه القمة بكل المعاني، هي قمة إعلان ولوج مرحلة الردع الأقصى الشامل والمترابط اتقاءً لحرب على المحور الرباعي، وخوضاً لها بنجاح إن شنت!.

*  كيف يمكن توصيف ما يجري اليوم في المنطقة؟

هناك استحكام في المنطقة بين المحورين: المقاوم يقدر على الردع وعلى تجنب الخسارة، بل والفوز في حال الاشتباك، لكنه غير قادر بعد على المبادرة بهجوم تعرضي بسبب القدرة المعادية على الإيذاء الفادح.. لذا وإلى أن تتعقد أكثر أمور المؤسسة الداخلية، ومن ثم الكونية، سيبقى هذا الاستحكام قائماً في المدى المنظور، أي من سنتين إلى ثلاث سنوات.

*ما انعكاسات هذه القمة على المستوى الإقليمي، وخاصةً على العلاقة بين معسكر الممانعة والمقاومة ومعسكر الاعتدال العربي؟

في الإقليم هناك هدنة وليس انفراجاً بين أطراف من معسكر الخصم «أي التبعية العربية»، وبالتحديد السعودي، وبين المعسكر المقاوم، وهو يتجلى في لبنان. هم، أي معسكر الاعتدال، في انحسار تدريجي، وستجعلهم القمة يتآمرون في الخفاء أكثر، ويسايرون أكثر في العلن... بالتحديد:

1) وسائط العمل الخفي على أشدها الآن لفتح القلعة في طهران من الداخل ولتقويض قاعدة النظام الشعبية.

2) هي أيضاً على أشدها طلباً لرؤوس مفصلية الطابع في المعسكر المقاوم.

3) تركيزها الآن ببليون دولار على تمكين إياد علاوي من الفوز في الانتخابات العراقية، ومن ثم الاطمئنان لبيان سياسي تابع يغطي على الانسحاب الأمريكي التام مع نهاية 2011.

4) المثابرة على محاولة خنق حماس في غزة تمهيداً لتركيعها مصرياً.

5) المواظبة على تخليق لوبي حليف في أحشاء النظام السوري على شاكلة رأسمالية مصر الجديدة.

بالنسبة للأزمة الاقتصادية المشار إليها فهي في المهاد، ولم تبدأ جدياً بعد.. لننتظر لنهاية العام وسنرى كيف أننا سنلقي نظرة راجعة ونقول: كان عام 2007 عام التأسيس لجرف قاري بلغ مداه بعدها ببضع سنوات!!.

◄◄ 

ميخائيل عوض:

القمة.. انتقال من الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي 

* أستاذ ميخائيل، كيف يمكن توصيف قمة دمشق السورية – الإيرانية بما خرجت به من مواقف ورسائل؟

هذه القمة في الشكل كما قال الرئيسان السوري والإيراني، تقنية وتقليدية، فمنذ واحد وثلاثين عاماً، أي منذ نشوء العلاقات السورية – الإيرانية، كانت القاعدة عقد لقاءين في السنة الواحدة على أعلى المستويات، أحدهما يعقد بين الشهر الأول والثاني من كل سنة بحضور الرئيسين، إما أن يزور الرئيس السوري إيران ويعقد قمة أو بالعكس، وبالتالي فالقمة لجهة شكلها وموعدها هي قمة تقنية وتقليدية وعقدت بموعدها التقليدي، ولكنها اكتسبت أهمية نوعية وما فوق استراتيجية لأسباب كثيرة منها، البيئة السياسية؛ وما تورطت به وزيرة الخارجية الأمريكية من تصريح قبل يوم واحد من انعقاد القمة؛ والتطرف والعدوانية اللفظية التي دأبت إسرائيل عليها خلال السنوات الأخيرة ولاسيما في الأشهر الماضية بالتصعيد الإعلامي في محاولة لممارسة حرب نفسية للتأثير على خيارات المقاومات العربية وسورية وإيران، أو لمعالجة المأزق النفسي ومأزق الثقة في الكيان الصهيوني بعد سلسلة الهزائم التي مني بها؛ وهناك سبب آخر وهو هام جداً ويتجلى بأن المنطقة كما كل العالم تقف على عتبة انعطافة تاريخية تؤسس أو تشهد على ولادة جديد في المنطقة وعلى المستوى الكوني، ونحن في مرحلة حرجة.

وفي المعطيات، فإن هذه القمة اختلفت عن سواها من القمم بعدة مسائل ونقاط، منها على سبيل المثال الحضور العلني والمباشر والواضح لقيادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فسابقاً كانوا يحضرون بشكل غير معلن، أما أن يبرز الإعلام هذا الحضور، ففي ذلك مؤشر واضح على أن حلف المقاومة والممانعة قرر الانتقال من استراتيجية الدفاع الاستراتيجي إلى التأسيس لاستراتيجية الهجوم الاستراتيجي!! وإن إظهار حلف المقاومة بصورة وصوت والتزامات هو أمر هام جداً من شأنه أن يقرر حقيقةً أن أي عدوان ضد أي من الجبهات الأربع هي حرب ستخوضها الجبهات الأربع، وهذا أمر هام جداً وله تأثيرات نوعية. والأمر الآخر أن القمة شكلت صفعة عملية للأمريكيين ليس فقط بالتصريح والنكتة، بل أيضاً بشكل عملي حين ردت على تصريحات كلينتون وقالت: إن شروط باول في تلك الفترة لم يستجب لها فما بالك بأن تعاد وتصاغ في المرحلة الحالية؟ وهذا ما أثار حالةً من السخرية في كل الأوساط الصحفية والدبلوماسية والسياسية بدءاً من الأمريكية وصولاًًً إلى كل العالم، وكشفت هذه السخرية كيف أن الأمريكي والإسرائيلي يفقدان القدرة، ويعوضان عن ذلك بالتصريحات والصوت، أي تتحول قدرتهما إلى قدرة الحبال الصوتية فقط.

والأمر الثالث المهم هو إعلان القمة بصورة لا لبس فيها أن العراق بات جزءاً من هذا الحلف الإقليمي، سواءً من خلال تصريحات الرئيس الأسد أو من خلال تصريحات الرئيس نجاد، والجاري عملياً هو أن تكون سورية وإيران وتركيا ومعها العراق في حلف إقليمي، وهذا يسمى في علم المستقبل استناداً إلى التاريخ إعادة تأسيس المنطقة وكيانها وحضورها ودورها وإعادة تأسيس التوازنات الدولية، أي أن المنطقة موعودة بشيء كبير جداً..

والأمر الرابع أنها وضعت حداً وبصورة فورية ونهائية لكل تصريح أو تهويل أو تهديد أو تحليل أو قراءة مغلوطة حول المقاومة والممانعة، مؤكدة بأن هذا الحلف لا يرتهب ولا يخاف، وبات حاضراً وجاهزاً وقادراً على رد الصاع بعشرة أمثاله، وبالتالي فإن على الإسرائيلي وحلفه الغربي الأنكلو- سكسو- صهيوني أن يختار الآن وليس بعد عشر سنوات أياً من الخيارات يريد، خيار الحرب ونتيجتها إزالة إسرائيل أياً كان الثمن، حتى وإن كان باهظاً، أو خيار السلام وحده الأدنى استعادة الحقوق. وبهذا المعنى يمكن الجزم باختصار بأنها قمة نوعية استراتيجية ما قبلها ليس كما بعدها بالضرورة، وعلى كل المستويات، ويمكن أن نلحظ كثيراً من التأثيرات في البيئة العربية على النظم العربية التي استسلمت وانحازت لمصلحة التطرف اليميني الإسرائيلي، وبإرادة الشعب العربي وشعوب المنطقة التي بدأت تعتد بوجود قوة قوية وقادرة وتستهزئ بالأمريكي وتلجم الإسرائيلي، كل هذا يمكن قراءته في القمة إضافةً إلى عشرات المعطيات والملاحظات.

* بهذا المعنى، هل يمكن اعتبار القمة بأنها قمة حرب، وهل الأمور في المنطقة بدأت تمضي بهذا الاتجاه؟

التوصيف الحقيقي لها أنها قمة حق، وعندما نقول قمة حق فهذا يعني أن الحق يؤخذ بإحدى وسيلتين؛ إما السلمية أو العسكرية.. نعم، الآن قرر حلف المقاومة بأن الحق يجب أن يعود، وأعطى جزءاً من الخيار لقوى الظلم، فإما أن تعيد الحق بالسلم، وهي جاهزة وقادرة على تلقفه، أو بالوسائل المشروعة الأخرى والحرب إحداها! ويمكن القول إن القمة مؤشر على انتقال حلف المقاومة والممانعة من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي، بمعنى أنه علينا أن نضع في حسابنا وأن نعتاد على إمكانية العيش أو ضرورة العيش في منطقة بلا إسرائيل، فإذا غامرت القيادة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية بحرب، فهي حرب لن تتأخر ولن تطول مدتها عن شهر واحد، وستعيش المنطقة مع هذه الحرب أياً كانت تكلفتها، وإن لم تغامر هذه القيادة بالحرب قريباً فإن هذه المغامرة لن تتأخر كثيراً، ونحن نتحدث هنا عن سنوات وليس عن عشرات السنوات.

* في استشراف انعكاسات القمة على المستويين العربي والإقليمي، ماهي برأيك أبرز الانعكاسات؟

إن حلف الممانعة من حيث المبدأ، هو حلف متين وقوي وتاريخي واستراتيجي وقادر على تغيير المنطقة والكون، لأننا نتحدث هنا بالإضافة لسورية عن إيران وتركيا ومعهما العراق، ثم ثلاث جبهات مهمة جداً هي الجبهة اللبنانية والفلسطينية، وأبعد من ذلك اليمنية، وإذا عدنا إلى التاريخ وعناصره، سنجد أن هذه المنطقة التي تحتضن هذا الحلف، احتضنت عبر التاريخ الحضارات والأديان والإمبراطوريات، ويمكن أن نلمس بوضوح أن السعودية وبعض دول الخليج، إن لم نقل انحازت، فهي خرجت من حلف الاعتدال، واقتربت من حلف الممانعة بصورة أو بأخرى، وهذه كتلة إضافية مهمة ونوعية يمكن توصيفها بكل التوصيفات، ويبقى الحديث عن ثلاثي الارتباط بالإسرائيلي المصلحي والأمني والاقتصادي المتجلي بالأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية ومصر، وهؤلاء الآن بعد هذه القمة قد دخلوا المأزق التاريخي، فالآن يسأل المواطن المصري، وسيسأل نفسه الجندي والضابط المصري بوضوح قاطع: ماذا يجري؟ وأين نحن؟.. سورية عوضت، والمقاومات عوضت، أما مصر أم الدنيا وكل قوتها ومكانتها وموقعها قد بدأت تهزل شيئاً فشيئاً، خاصةً عندما يلتقي ثلاثة من القادة قادرون على صناعة مستقبل المنطقة، ومصر بعيدة عن هذا الاتجاه. ومن وجهة نظري، يمكن أن نلمس سريعاً على سبيل المثال أن الشعب السوري واللبناني والفلسطيني والإيراني ومن يواليهم أو ينشد تمثلهم يعتد بنفسه اعتداداً كبيراً، وهذه حقيقة، أما النظامين المصري والأردني وأبو مازن فسيجدون أنفسهم محصورين في الزاوية: ماذا إذا اندلعت الحرب وانتصر فريق المقاومة؟ ماذا إذا خضعت إسرائيل تحت الخوف من الحرب- وهذا غير مستبعد- ألاّ يشعر كل عربي مصري أو أردني بعزة عندما يخرج الرئيس بشار الأسد ويستهزئ بكلينتون؟ أليس من دلالة لذلك؟ إن انعكاس ذلك هو وضع هذه النظم والائتلافات في مواجهة الجدار، ستذهبون مع إسرائيل وتصرفها اليميني، أو ستعودون إلى رشدكم؟ حلف المقاومة والممانعة يريد منهم العودة إلى رشدهم، فليس لديه غايات ثأرية تجاه أحد، أما إذا قررت هذه النظم والائتلافات الذهاب والاستمرار بالقطار القديم المتدهور فلا ردهم الله، فهناك قطار حديث وسريع وسائر على سكته، والقمة قالت هذا الكلام بوضوح وفسحة الزمن قصيرة، فالحسم لن يطول عشرات السنوات، بل كلها أيام أو شهور قليلة قبل أن تتضح الأمور، إما أن يعود هؤلاء إلى رشدهم أو أن يتابعوا رحلتهم على القطار المتدهور.