كوكتيل: «هدنة» و«حرب» و«إرهاب» و«حل السياسي»..

كوكتيل: «هدنة» و«حرب» و«إرهاب» و«حل السياسي»..

أحداث التصعيد الأخيرة في حلب وغيرها، بمقابل الإصرار الدولي على تثبيت الهدنة واستمرار المفاوضات، جددت التأكيد على مسألة في غاية الأهمية، هي مسألة الفصل بين الحرب على الإرهاب، وبين حرب السوريين المستعدين للحل السياسي فيما بينهم.

 

إنّ ما أثبتته جملة «التسويات» و«الهدن» و«المصالحات»، أو أياً كانت تسميتها، التي جرت خلال أعوام الأزمة، وخصوصاً تلك التي جرت خلال العام الأخير بمساعدة الروس، أنّ هنالك بين المسلحين السوريين جماعات وأفراداً مستعدون للدخول في عملية الحل السياسي، ومنهم من هم مستعدون أيضاً لمحاربة الإرهاب.

إنّ هذه الهدن نفسها، وخصوصاً «وقف الأعمال العدائية» الذي بدأ في 27 شباط الماضي، أثبتت شيئين إضافيين، الأول: هو أنّ الوصول إلى تهدئة حقيقية أمر ممكن، وهذا أدى خلال الأشهر الماضية إلى انخفاض كبير في أعداد الضحايا السوريين اليومي بالمقارنة مع ما قبل الهدنة. أما الشيء الثاني، فهو: أنّ بعضاً من «الفصائل» و«الجماعات» المسلحة التي التحقت بالهدنة، لم تلتحق بها إلا مناورة وهرباً من وسمة الإرهاب، في حين أنها في حقيقتها أقرب لداعش والنصرة من أي شيء آخر.

تأسيساً على هذه الوقائع، وفي إطار التعامل معها، تبرز ثلاثة اتجاهات سياسية في سورية:

الأول: هو محاولة وضع المسلحين جميعهم تحت التصنيف الإرهابي، استناداً إلى حقيقة أنّ بعضهم وبالممارسة قد أثبتوا أنهم في صف الإرهاب، في تغاضٍ مقصود عن البعض الآخر الذي بقي متجاوباً مع الهدنة. إنّ تمسك متشددين في طرف الموالاة بهذه الطريقة في التصنيف هو محاولة لتطويع شعار «الحرب على الإرهاب» ليصبح قناعاً لشعار «الحسم العسكري»، وهو ما يعكس هلع هؤلاء من تقدم مسار الحل السياسي، وهو ما يفسر إسهامهم في عمليات التصعيد الجارية على الأرض السورية، في تقاطع مع مخاوف متشددي الطرف المقابل.

الثاني: هو محاولة تأريض عملية الحل السياسي، أو تأجيلها، على أمل الاستفادة من التصعيد العسكري بمختلف الجهات المسهمة فيه، بما في ذلك داعش والنصرة وأشباههما، لعل وعسى يتحول «الحل السياسي» إلى شكل آخر أكثر سلاسة لعملية «إسقاط النظام»، وهذا الطرف لا يفوت فرصة في الخلط بين الحربين، مروجاً لكذب إعلامي حول «قتل الروس للمدنيين السوريين» وإلخ.

الثالث: هو موقف القوى المؤيدة حقاً وفعلاً لحل سياسي للأزمة السورية، ولإنهاء الكارثة الإنسانية. هذه القوى ترى الواقع كما هو، بعينين، لا بعين واحدة، ترى ضرورة استمرار الحرب على الإرهاب حتى نهايتها، وترى ضرورة استمرار الهدنة بين السوريين الموافقين على الحل السياسي وصولاً لإيقاف نهائي للقتال. بالتوازي مع هذه وتلك، ترى ضرورة استكمال مسار الحل السياسي عبر حلول وسط، واقعية وعقلانية، هدفها الأول إنهاء الأزمة.

إنّ «التخادم» بين متشددي الطرفين لم يعد أمراً خافياً على أحد، فرغم التناحر الشديد بينهم، إلّا أنّهم أفراداً وجماعات، يرهبون الوصول إلى حل سياسي، ذلك أن معالم ذلك الحل في ظل تراجع الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع الفاشية الجديدة، باتت واضحة، ولعل اشتعال التصعيد العسكري خلال الجولة الثانية من جنيف3 دليل بذاته على المدى الكبير الذي وصل إليه الحل السياسي من التقدم.

إنّ نهاية الأزمة السورية بشكلها العنيف، والتي باتت وشيكة، هي بداية النهاية لقوى وتيارات من أطراف مختلفة، عملت في السوريين نهباً وتقتيلاً، ولذلك فإنّ استماتة هؤلاء في تصعيد الأمور وتوتيرها أمر مفهوم ومتوقع، ولكن الوقائع أشياء عنيدة، وهي تقول اليوم بشكل واضح وصريح، أنّ لا أفق في سورية لا للإرهاب، ولا للمتشددين.

آخر تعديل على الخميس, 12 أيار 2016 20:05