نحو وحدة أكثر عمقاً

نحو وحدة أكثر عمقاً

بعد انتصار خيار الحل السياسي، وتثبيته حلاً وحيداً للأزمة السورية، اتسعت دائرة الجدل، في جانب منها، حول شكل الدولة اللاحق، وتحديداً ما يخص العلاقة بين السلطات المحلية والسلطة المركزية، وفي هذا السياق فإن مصلحة السوريين تقتضي تثبيت جملة قضايا: 

إن أي طرح يتعلق بتطور سورية في ظل توازن القوى الدولي الجديد، يجب أن يستفيد من منطق هذا التوازن ودور القوى الصاعدة فيه في الحفاظ على وحدة البلدان وسيادتها، ومنع محاولات التفتيت والتقسيم.             

أياً كانت طبيعة وشكل العلاقة بين السلطات المحلية، والسلطات المركزية لاحقاً، فإنها يجب أن تقرّ بموافقة السوريين عموماً، باعتبارها جزءاً من عملية أشمل هي عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، وصولاً إلى بناء دولة ديمقراطية تعددية سياسياً. 

إن شكل العلاقة السابقة يعتبر أحد الأسباب في حدوث تصدعات عميقة في الوحدة الوطنية، وبات من الضروري البحث عن شكل جديد، قادر على حل التناقضات المتراكمة التي ظهرت كنتيجة لطبيعة النظام السياسي وشكل إدارة الدولة والمجتمع خلال العقود الماضية، حيث شهد التطور الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي في البلاد تشوهات بنيوية تجلت بضعف عام في تنمية البلاد إضافة إلى تهميش بعض المحافظات، من خلال الضعف المزمن لعملية التنمية فيها، وإحياء البنى التقليدية في المجتمع، وسياسات التمييز القومي والديني.

إن الشكل الجديد يجب أن يوفر الهوامش الفعلية اللازمة التي تسمح للسوريين بإدارة شؤونهم، بما فيها اختيار سلطاتهم المحلية، بعيداً عن التحكم القسري للسلطة المركزية، ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن يكون ذلك في خدمة تعزيز وحدة البلاد أولاً وقبل كل شيء، الأمر الذي يعني بالضرورة ألّا تأخذ اللامركزية محتوىً قومياً أو دينياً أو طائفياً.

إن أية «لامركزية» فعّالة، تتطلب حكماً مركزية قوية، فالعلاقة بينهما هي علاقة تكامل، و«اللامركزية» الحقيقية هي التي لا تتناقض مع وجود سلطة مركزية قوية، تستمد قوتها من سياساتها التي يجب أن تؤمن أعلى نسب نمو، وأعمق عدالة في توزيع الثروة، ومستوى متقدماً من الحريات السياسية، بما فيها تثبيت الحقوق الثقافية القومية دستورياً. وإذا كان ذلك كله ضرورياً بالمعنى الاستراتيجي لبناء سورية الجديدة والقوية، فإنه ضروري أيضاً من جهة الاستحقاقات الملموسة أمام السوريين مثل عملية إعادة الإعمار، وحل كل التشوهات السابقة. وإنّ من غير المنطقي في هذا السياق استبدال عملية الضبط القسري للمجتمع، بدولة مترهلة. 

إن اللحظة التاريخية الراهنة سورياً، هي لحظة انطلاق الحل السياسي. وإنجاز مثل هذا الحل، هو المهمة الأولى، باعتباره بوابة حل جميع القضايا الأخرى، فدونه لا يمكن حل أية مهمة أخرى، وبالتالي فإن كل موقف، بما فيه الموقف من «اللامركزية»، يجب أن يكون في خدمة هذه المهمة التاريخية، ويتوافق معها، بعيداً عن منطق الابتزاز، وإحياء العصبيات المختلفة، ويجب أن يكون في الاتجاه الذي يفضي إلى بقاء سورية موحدة أرضاً وشعباً.

آخر تعديل على الأحد, 13 آذار/مارس 2016 18:16