كي يكسب الوطن والشعب

كي يكسب الوطن والشعب

 

 

مرحلة ما بعد الفيتو الروسيالصيني الأخير تؤكد ثبات الميل الذي ظهر في الأشهر الأخيرة دولياً، وهو بدء تكون وضع عالمي جديد تضعف فيه سيطرة القطب الأوحد إلى الحد الأقصى.. ولا يفيد هذاالميل حالة التخبط والإنكار التي يعيشها الخاسرون في هذه المعركة عالمياً وإقليمياً، فهذا الأمر متوقع، ولن تستطيع الطبول الإعلامية التي تصم الآذان أن تغطي الوقائع الجديدة على الأرض..

فقرارات مجلس التعاون الخليجي، والمجلس العالمي لعلماء المسلمين، وسيل التصريحات والتهديدات الأمريكية والأوروبية، ما هي إلا تعويض خلبي عن خسارة حقيقية..

والأمر هكذا، فإن ذلك يعني أنه تنفتح فرصة تاريخية ذهبية أمام الحل السياسي الشامل للأزمة السورية، فالتدخل الخارجي أصبح ممنوعاً وغير ممكن، وبحال لم تجر الاستفادة من هذه الإمكانية،فالأزمة السورية لن تجد طريقها إلى الحل، لأن العامل الخارجي المتوفر اليوم يسمح بإمكانية حلها، ولكن لا يحلها، لأن حلها بيد السوريين أنفسهم، والذين إن لم يجدوا القدرة على حلها فإنها ستذهب إلىمزيد من التعقيد بما يحمله ذلك من احتمال زيادة المخاطر على البلاد، عبر ارتفاع التكلفة والضحايا والخطر على الوحدة الوطنية ووحدة البلاد.

إن الحل السياسي الشامل يعني إعادة رسم الخريطة السياسية للبلاد وكذلك خريطة النظام السياسي الجديد الذي يأخذ بعين الاعتبار تطلعات ومصالح كل الشعب السوري ويعكس موازين القوى الجديدةالتي ظهرت واضحةً جليةً في الأشهر الأخيرة.

فالشعب السوري موحد بأكثريته الساحقة ضد أي تدخل خارجي، وهو مصمم على الاستمرار في النضال من أجل تحرير كل الأراضي المحتلة، وهو موحد أيضاً بأكثريته الساحقة ضد قوى الفسادالكبير التي لم تحترم كرامته وأضرت بلقمته وأخلت بأمنه الوطني.

وهو لذلك تحديداً، يريد مستوى عالياً جديداً من الحريات السياسية، يسمح له بالتغيير للدفاع عن أرضه ولقمته وكرامته، كي تتحول هذه الحريات إلى أداة فعالة في التغيير والتحرير.

إن الثقة لدى الشعب السوري بأن طريق التغيير قد بدأ نحو الحل السياسي الشامل لن تتكون عبر الإعلانات والتصريحات عن النيات بذلك، بل بإجراءات ملموسة مقنعة ضد الفساد الكبير وأذرعهالضاربة والمتنفذة في جهاز الدولة وخارجه، إجراءات علنية، حاسمة، عادلة.. وللشعب السوري كل الحق في أن يطالب بالمحاسبة الجدية لكل من يتحمل مسؤولية إيصال البلاد إلى الأزمة التي تعيشهااليوم، والتي كلفت عدا عن الخسائر المادية، الآلاف من الضحايا، بالإضافة للأخطار الكبرى التي سببتها لدورها الوظيفي في المنطقة ضد المخططات الأمريكيةالصهيونية..

إن طريق التغيير الوطني الديموقراطي الجذري الشامل سيوحد كل القوى النظيفة وصاحبة المصلحة بذلك في البلاد، إن كانت في الموالاة أو في المعارضة، وستؤسس لسورية الجديدة التي ستنفتحأمامها آفاق كبيرة كي تتحول إلى نموذج جاذب لكل شعوب المنطقة.

إن الذي أعاق طريق الحل السياسي الشامل حتى الآن، ليست الضغوطات الخارجية فقط بما فيها احتمال التدخل الخارجي، وهي كلها كانت تقصد ذلك لأن هدفها هو زيادة تعقيد الأزمة وليس حلهاوصولاً إلى إحراق البلاد من الداخل على حد تعبير «هينري كيسنجر» مؤخراً، وإنما أيضاً الرؤية القاصرة على مدى أحد عشر شهراً، والتي رأت في الحل الأمني للأزمة نقيضاً للحل السياسي،وسوّفت في الحل السياسي الشامل على أمل إنجاز الحل الأمني الذي كانت كلفته تزداد كل يوم ويزيد الأمور تعقيداً، فهي قد تعاملت مع هذين المفهومين كحلين متلاحقين ومتسلسلين زمنياً، ما أجّل الحلالسياسي الشامل ورفع كلفته إلى حد كبير.

إن الحلول الأمنية إذا كانت ضرورية أحياناً في مكانها، فهي تكون فعالةً فقط في إطار حل سياسي شامل، وعدا عن ذلك تصبح مضرةً ومعيقةً للحل الحقيقي، بل يمكن أن تصبح مقبرةً له.

إن مصلحة البلاد الوطنية العليا اليوم، تتطلب بالدرجة الأولى من النظام والمعارضة الابتعاد عن الحلول الثأرية، والاحتكام إلى لغة العقل، والارتقاء إلى مستوى الحل السياسي الشامل بما يتطلبه منتنازلات جدية متبادلة تجاه بعضهما البعض، وهي لن تكون في نهاية المطاف إلاّ مكاسب كبيرة للوطن والشعب.