«الحل السوري»:  من المجرد للملموس..!

«الحل السوري»: من المجرد للملموس..!

يستمر المشهد السوري الحالي، وما يسير عليه من تقدم عسكري وسياسي، إثر العمليات العسكرية الروسية، في تقديمه أحد أبرز ترجمات مستوى تغير الميزان الدولي، في غير مصلحة قوى الإمبريالية الغربية التي كانت مهيمنة حتى الأمس القريب.
تمخض الأسبوع الأخير عن مستجدات سورية وإقليمية ودولية هامة تسير بالأزمة السورية إلى طريق نضج الحل، كان أبرزها:

التقدم العسكري الذي حققه الجيش العربي السوري بإسناد من الطيران الروسي، الذي نسّق بدوره مع عدد من قوات المعارضة المسلحة، وهو ما أفضى بمجمله إلى هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في معركة كسر حصار مطار كويرس. وإن ذلك يفتح المجال للحديث عن خطوات ملموسة للتنسيق على الأرض بين مختلف البنادق التي تريد فعلاً قتال «داعش» وأشباهه الوافدة ومن بحكمهم من السوريين، ويفضي لإعادة فرز قوى المعارضة السورية المسلّحة بأشكالها المختلفة، ليمثّل ذلك بروفة عملية لسيناريو التحالف الدولي الإقليمي للحرب على الفاشية الذي دعا إلى تشكيله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أشهر.
يشير ذلك التقدم، وبالإضافة إلى ما جرى في الساحة العراقية من هزيمة لداعش في منطقة «سنجار»، إلى انحسارٍ هامٍ وملموسٍ لقوى «التنظيم» الفعلية لأول مرة منذ نشوئه، والذي كان متوقعاً بفعل الخطوات الروسية الأخيرة،  التي فرضت على «الأمريكي» اتخاذ خطوات جدية في مكافحة «داعش» في العراق لمجاراة التقدم الروسي في سورية، تماماً كما استدعى عملياً إعادة ضبط التصريحات الأمريكية على خطا هذا التقدم. فبرز تصريح جون كيري الأخير في هذا الصدد والذي تحدث عن أن «أيام تنظيم داعش باتت معدودة»، في تراجع عن تصريحات أمريكية سابقة كانت تتحدث عن أن هزيمة داعش تتطلب سنيناً، بل وعقوداً من الزمن.
سياسياً، سارت الأمور أيضاً خطوة للأمام، حيث بدأ الحديث جدياً في عملية تحديد وفد المعارضات السورية التي ستشارك في الحوار المرتقب، فتم تقديم وتبادل قوائم للمعارضة، واحدة من إعداد مصر وأخرى أعدتها السعودية، وهو مؤشر لتقدم عن الفترة السابقة التي ناور فيها «الأمريكي» و«السعودي»، فامتنعا عن إعداد قوائمهما، فيما قدمت موسكو قائمتها المقترحة منذ أشهر.
برز في هذا الأسبوع، وفي إطار التمهيد لاجتماعات فيينا، الحديث عن موضوع تحديد القوى الإرهابية ضمن المسلحين في سورية لتمييزها عن غير الإرهابية. تعكس هذه النقطة تحديداً الوصول إلى إحدى نقاط الاختلاف الأصعب في الأزمة السورية، حيث تمثل عملية التحديد هذه من حيث الظاهر تحديد حجم وأوزان وتقليم أظافر القوى الإقليمية المتدخلة في الأزمة السورية كتركيا والسعودية، كما تمثل بالعمق، وفي نهاية المطاف، تأريض وزن القوى الدولية الداعمة للفاشية. إن هذا التحديد سيؤدي إلى انحسار أدوار القوى الإقليمية، كما سيضع على طاولة البحث عملية تمويل وإمداد وتسليح قوى الفاشية الدولية وصلاتها الإقليمية والدولية.
يغدو مفهوماً، في ظل خطوات التقدم المرصودة آنفاً، استنفار بعض القوى الدولية أو الإقليمية الداعمة للفاشية والمعادية للحل السياسي، في محاولاتها لمواصلة التشويش والإعاقة. فشرعت بعض التصريحات التركية والأمريكية بوضع عقبات قبيل اجتماع «فيينا3»، بهدف التقليل من أي طموح بتقدم كبير نحو الحل، بما يصفي أدوار داعمي الفاشية بالكامل. ولكن سرعان ما تم التراجع عنها، أقلّه أمريكياً، فيما بدا أنه إقرارٌ بصعوبة الخيارات التي باتت متاحة أمام مختلف القوى المعرقلة، في ضوء الدخول العسكري الروسي لتخديم الحل السياسي في سورية، ليكون بالعمق إقراراً بواقع تغير ميزان القوى الدولي وانعكاساته، الذي سيفضي إلى تنفيذ اتفاقات ملموسة، تؤرض تباعاً الآثار الجدية لتشويش تلك القوى على جدية وجذرية الحل السياسي للأزمة السورية.