طور جديد من الاشتباك الروسي - الأمريكي

طور جديد من الاشتباك الروسي - الأمريكي

ظهرت إلى سطح التداول السياسي والإعلامي خلال الأسبوع الفائت جملة من «القضايا الساخنة»، المرتبطة بعدد من المسائل المتفجرة في العالم. وكما هي العادة دائماً، جرى إعلامياً تضخيم ظاهري لتلك القضايا لبناء «استنتاجات» تدخل في باب الدعاية السياسية، أكثر بكثير من كونها استنتاجات جدّية، حتى بالنسبة لأولئك الذين أطلقوها!

على رأس هذه «القضايا الساخنة»، القول بارتفاع منسوب الوجود العسكري الروسي في سورية، واشتراك جنود روس في المعارك على الأرض، الأمر الذي أطلقه الإعلام الصهيوني، وتلقفه الأمريكي، واستثمر فيه لاحقاً متشددو أطراف الصراع في سورية، كل من منظوره ولغاياته. 

والمفارقة أن استنتاجات هؤلاء، ومن مواقع متباينة، توافقت على نفخ الروح في مقولات «الحسم والإسقاط»، لتخرج بالقول أنّ «الحل السياسي انتهى أو بات مؤجلاً حتى إشعار آخر»، وأصبح الباب الآن مشرعاً باتجاه «الحل الميداني» الذي سيشكل «أرضية الحل السياسي في يوم ما»! 

إنّ جملة من المؤشرات التي رافقت الحديث عن ارتفاع الوجود العسكري الروسي في سورية تسمح بوضعه في سياق اشتداد حدة الاشتباك الدولي، ومن بينها:

• ارتفاع الضغط الروسي على الأوروبيين والولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة باتجاه حل الأزمة الأوكرانية.

• التلويح بسحب ورقة خطوط الغاز الرابحة من يد تركيا، بما يشير إلى ضغط عالٍ أيضاً.

• الضغط الروسي على التحالف الأمريكي ضد داعش من باب عدم جديته وعدم قدرته على تحقيق أي إنجاز حقيقي على الأرض.

إنّ هذه المؤشرات تقود نحو استنتاج أساسي هو أنّ الاشتباك الروسي- الأمريكي، في إطار فرض التوازن الدولي الجديد، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، قد انتقل إلى مرحلة جديدة من هذه العملية، وعنوان هذه المرحلة، فيما يبدو، هو انتقال الروس من الدفاع إلى الهجوم. 

وهذا يعني الانتقال من الاستفادة من أخطاء ومشكلات واشنطن، على الصعد المختلفة، إلى أخذ زمام المبادرة.

بالنظر إلى الأزمة السورية، فإنّ سياسة «الأمريكي» المتحولة والمتغيرة، والمحافظة على الأهداف الاستراتيجية، بطبيعة الحال، وصلت إلى مأزق حقيقي وخيارات محدودة وضيقة، عنوانها الأساسي «الحل السياسي»، وهو ما حاولت واشنطن ابتزاز روسيا بقبولها به مقابل بقاء مسألة محاربة الإرهاب في عهدتها عبر التحالف الذي تقوده، والتحاق موسكو به، وهو ما لم يقبل به الروس، ولا ينسجم مع ما كانوا يسعون إليه منذ البداية، لأن حلاً سياسياً لسورية تحت هدير الطائرات الأمريكية لن يكون حلاً بالفعل.

وعليه فإنّ ما يظهر من تصعيد سياسي روسي في مسألة التحالف الأمريكي، وعدم جديته، ووجوب ارتكازه إلى الشرعية الدولية، هو مفتاح العقد. ومختلف المبالغات الإعلامية فيما يتعلق بتصعيد عسكري روسي ليست إلا عوامل تشويش مقصود على هذه المسألة.

إنّ أكثر ما يهم السوريين من هذا الانتقال، ومن هذه المرحلة الجديدة من الاشتباك هو الأمور التالية:

أولاً: إذا كان الملف النووي الإيراني، في ظل توازنات دولية أخرى، قد تطلب سنوات ليصل إلى نهاياته، فإنّ المرحلة الحالية ستفرض حلولاً سريعة بالمقارنة، بل وستفرض تدحرجاً للملفات المتأزمة الواحد تلو الآخر.

ثانياً: بقاء الأزمة السورية بواقعها وأخطارها وتداعياتها مفتوحة «إلى ما لا نهاية» لم يعد مقبولاً لدى أطراف مختلفة، بما فيها بعض حلفاء واشنطن التقليديين في أوربا، مما يدفع بالحل السياسي في سورية لأن يتحول إلى أولوية على المستوى الدولي. وما يجري حالياً هو تحضير الإطار الدولي والإقليمي، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، الذي سيجري ضمنه هذا الحل، بحيث يجري في ظل التوازن الدولي الواقعي.

ثالثاً: إنّ شعار «محاربة الإرهاب» سيتحول سريعاً من ورقة يتلاعب بها المتشددون من الأطراف المختلفة، إلى ورقة يحاول الجميع كسبها عبر محاربة جدية وحقيقية للإرهاب. وهو ما سيضع نهاية غير بعيدة لهذه المسألة.

رابعاً: إنّ التلازم والتزامن بين الحل السياسي، ومحاربة الإرهاب، أصبحا أمراً محسوماً ومنتهياً، انطلاقاً من موضوعية هذا التلازم بداية، ومن الضغط الروسي- الصيني باتجاهه.       

خامساً: إن ترجمة هذا التلازم تعني كسر منطق التحالفات غير الجدية وغير المجدية في مكافحة الإرهاب ارتباطاً بإطلاق الحل السياسي عبر جنيف3، على أساس جنيف1، كصيغة توافقية لا بديل عنها، في الظروف الحالية.

آخر تعديل على الأحد, 20 أيلول/سبتمبر 2015 00:14