بوظو: لن يحل مشكلة اللاجئين السوريين سوى الحل السياسي الواعد بالتغيير

بوظو: لن يحل مشكلة اللاجئين السوريين سوى الحل السياسي الواعد بالتغيير

نشرت صحيفة «دنيفيك»، الصادرة في مقدونيا، على موقعها الالكتروني يوم الثلاثاء 8/9/2015، نص الحوار الذي أجرته الصحفية زانا بوزينوفسكا مع الرفيق عبادة بوظو، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، مسؤول العلاقات الخارجية والإعلامية، ونائب رئيس تحرير صحيفة «قاسيون»، حيث تركز الحوار على مسائل حقيقة الوضع في سورية، وظاهرة الهجرة السورية إلى أوربا، والخطر الذي يمثله تنظيم «داعش» الإرهابي. وفيما يلي نص هذا الحوار:

كل يوم تصلنا معلومات وصور عن المعارك والقنابل في سورية ما حقيقية الوضع في سورية الآن؟ ما الذي يجري حقاً؟ إلى أي حد تعد الحياة طبيعية (فيما يتعلق بالمدارس والجامعات والمشافي والشركات والمصارف)؟

تعاني سورية والسوريون من كارثة إنسانية هي الأسوأ في نوعها في العالم أجمع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حسب توصيف الأمم المتحدة ذاتها. وتشمل آلام السوريين فقدان الأبناء والأقارب والأصدقاء في كل ثانية، إما بواسطة حمام الدم المتنقل أو القصف أو البراميل المتفجرة أو السيارات المتفجرة من مختلف أطراف الصراع، مثلما تشمل ازدياد أعداد المعتقلين والمخطوفين والمفقودين، وانخفاض المداخيل بالتوازي مع ارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر التي فاقمتها العقوبات الأمريكية والغربية التي تلحق الضرر بالمواطنين وليس بالنظام، وكذلك ارتفاع أعداد المشردين واللاجئين داخل سورية وخارجها، كما تتضمن عمليات الحصار العسكرية وشبه العسكرية التي تصيب المدنيين أولاً. وبهذا المعنى فإن مدى طبيعية الحياة هو أمر نسبي يتعلق بأين «تعيش»؟!

في المناطق التي تسيطر عليها الدولة، تتواصل أعمال المشافي والمدارس والجامعات والمحاكم والشركات والمصارف والخدمات العامة، مع كل المخاطر والصعوبات المذكورة أعلاه. أما معاناة السوريين القاطنين في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، ولا سيما «داعش» وجبهة النصرة، فهي أكثر صعوبة ومشقة، لأنهم علاوة على ذلك كله يخضعون للقوانين والفظائع المجنونة المفروضة عليهم أو الممارسة بحقهم من المتطرفين. ولذلك فإن السوريين بحاجة ماسة إلى قيام الحل السياسي الشامل الفعلي والحقيقي المنوط به وضع حد لمعاناتهم، عبر وقف العنف والتدخل الخارجي بهدف تأمين أرضية لإطلاق العملية السياسية فيما بين السوريين أنفسهم، والتي تضع نصب عينيها تحقيق هدفين متلازمين ومتداخلين: تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياًــ اجتماعياً، وإعادة توحيد السوريين في حربهم ضد داعش ومثيلاتها من المجموعات والمنظمات الإرهابية.

كيف ظهرت داعش في سورية وهل هي قوية بما يكفي بما يتعلق بالأموال لكي تصمد في حرب؟

«داعش» و«النصرة»، اشتقاق عن تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي استنبتته الاستخبارات الأمريكية والسعودية والباكستانية في ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان. وعليه فهي ليست منتجاً سورياً، بل جاءت لسورية بعد انهيار الدولة العراقية بحكم الاحتلال الأمريكي في 2003، ولكنها ازدهرت بسورية في ظل ضعف جهاز الدولة بحكم الأزمة، التي انفجرت في سورية في عام 2011، ولكن بدايات الأزمة وأسبابها تعود إلى ماقبل ذلك العام بكثير، ومنها ارتفاع معدلات الفقر، والإمعان في تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية، مقابل انخفاض مستوى الحريات السياسية.

ومن ناحية أخرى، فإن «داعش» كمثال عن تنظيمات الفاشية الجديدة هي أداة في أيدي الدوائر الأشد رجعية وإجراماً لدى رأس المال المالي العالمي. داعش هي مجرد برغي في لعبة دموية مصممة أمريكياً لبسط الهيمنة العالمية، استناداً إلى نشر الفوضى من خلال تسعير سيناريو ما يسمى بـ«صراع الحضارات»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ميزان القوى الدولي لم يعد في صالح واشنطن اقتصادياً، وسياسياً وحتى عسكرياً. إضافة إلى ذلك وفيما يتعلق بسورية فإن ممارسات وذهنيات النظام، وتسليح الحركة الشعبية التي كانت سلمية في البداية، وازدياد تورط التدخل الإقليمي والدولي مع بقاء هدف واشنطن في إحراق سورية من الداخل، وكذلك إعاقة الحل السياسي للأزمة لمدة تتجاوز أربع سنوات الآن، كل ذلك شكل التربة لظهور داعش، الذي لا يمتلك جذوراً حقيقية في سورية، وهو غريب عن النسيج الاجتماعي والعاطفي والعقلي السوري. لكن، وبوصفه منظمة إجرامية، فإنه يتكاثر على مخاوف الناس واستيائهم وإحباطهم. اعتاد داعش على الحصول على التمويل من مشغليه الرئيسيين في الغرب وتركيا ودول الخليج، ولكنه انتقل لمرحلة التمويل الذاتي جزئياً، من خلال الاستيلاء على النفط السوري وسرقته والإتجار به في شمال البلاد.

هل تعتقد أن تنظيم داعش يحظى بدعم الغرب أو بلدان أخرى؟ وكيف يجذب الناس للانضمام إليه على اعتبار أنه هناك العديد من عناصر التنظيم قادمون من أوروبا بما فيها مقدونيا ودول البقان؟

في السياقين السوري والدولي، فإن «داعش» يمثل حاجة للأطراف المتورطة في الصراع السوري كلها، حيث أن كل طرف يستخدمه، إما كآلة لممارسة الإبادة الجماعية، أو كذريعة للتمويه عن ممارساتهم الإرهابية هم أنفسهم، من جانب آخر، بحق الشعب السوري. وبوصفه أداة إجرامية مصممة لأداء دور وظيفي محدد، قائم على تأجيج الانقسامات والصراعات الطائفية في سورية والمنطقة، فإن داعش كان يحظى إلى الآن بالدعم والتغطية من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية والسعودية والتركية والقطرية كلها، ومن جامعي الأموال الداعمين له. كيف يمكن لأي أحد أن يفسر تدفق وتسلل المقاتلين الإرهابيين من العالم أجمع إلى سورية في ظل وجود قوانين مكافحة الإرهاب كلها، في البلدان كلها، ولا سيما في الغرب، حيث يجري جمع وتخزين وفحص حتى البيانات الموجودة على أجهزة الهواتف المحمولة الشخصية وبشكل دوري؟ 

غير أن داعش يتراجع، فهم لا يتحملون صراعاً عسكرياً جدياً، وما جرى في عين العرب- كوباني، شمالي سورية، في السنة الماضية، هو دليل على قدرة مجموعات مقاومة شعبية صغيرة، ولكنها منظمة وتمتلك الإرادة، على هزيمة الوحش الورقي، الفاقد لأي مشروع أو بديل حقيقي ومستدام، لأن السوريين سئموا من الميليشيات كلها، ويتطلعون للحياة في ظل تغير حقيقي وواعد. لن تكون هذه مهمة سهلة ولكن إطلاق الحل السياسي والعملية السياسية يلوح بالأفق. 

وفي هذه الأثناء، فإن عمل داعش يقارب على الانتهاء، إلا أن واشنطن، التي لم تكون يوماً جادة في مهاجمة داعش واجتثاثه، حتى مع تشكيلها غير المشروع خارج مجلس الأمن الدولي لتحالفها ضد ذاك التنظيم، ومع عملياتها وغاراتها الخجولة على مواقعه، ستحاول استخدام بقية أوراقها الاحتياطية القذرة من خلال محاولة تأجيج النزاعات العرقية والقومية.

هل يستطيع الجيش السوري إلحاق الهزيمة بداعش؟

إن الجيش السوري، بطبيعته وتشكيله وعقيدته، هو أهم ضمانة داخل جهاز الدولة السورية للوحدة الوطنية السورية. وعلى مدى السنوات الماضية كان هذا الجيش يواجه بشجاعة مقاتلين قادمين من أكثر من مائة بلد، ضمن حرب استنزاف مفروضة عليه. 

من جهة أخرى، ومع الأخذ بعين الاعتبار درجة ارتفاع مستوى تدويل الأزمة السورية، والمخاطر الإقليمية والدولية التي يفرضها «داعش»، فإن مكافحة ذاك التنظيم الإجرامي الدولي، وإلحاق الهزيمة به، ليس شأناً أو مهمة سوريةً فحسب. ومن هنا تأتي أهمية الاقتراح الروسي لإيجاد التنسيق المطلوب بين البلدان المعنية في المنطقة، بما فيها سورية والعراق وتركيا والسعودية ومصر وإيران، لتشاطر جهودها في القتال ضد داعش، بطريقة تخدم في الوقت ذاته تسهيل الحل السياسي للأزمة السورية.

هناك أعداد متزايدة من اللاجئين وعلى الأقل طبقاً للمعلومات الرسمية الذين يتوجهون إلى أوروبا. هل يهربون من الأعمال العسكرية أم هناك البعض منهم الذي يريد ببساطة أن يغادر البلد، أو ربما هناك من ينصحهم بالرحيل؟

كل ما ورد في السؤال، إلى جانب انخفاض موارد العيش ومستويات المعيشة، يخلق أسباباً لبعض السوريين لكي يبحثوا عن ملاذ في الخارج، رغم كل الأخطار والحوادث القاتلة الضمنية، وكل الإهانات وأشكال الاستغلال الظاهرة التي يتعرضون لها. إن اللاجئين السوريين سيتحولون إلى مشكلة أوروبية ودولية، وبالدرجة الأولى سورية، جدية، لن يحلها سوى الحل السياسي السلمي الواعد بالتغيير، وإلا فإن هذه المشكلة ستستمر في بازار الأوجاع السورية.

كما نرى هنا في مقدونيا وغيرها أيضاً فإن معظم اللاجئين لديهم ما يكفي من المال للوصول إلى أوروبا. ولكن ما الذي يجري مع غيرهم الذين لا يملكون المال؟ هل لديهم فرصة للمغادرة أم يجري إجبارهم على البقاء؟

من وجهة نظر طبقية فإن أوربا والغرب يمتصان شرائح البرجوازية السورية، وقسم لا بأس به من الكفاءات العملية والمهنية، في حين أن الغالبية العظمى من الفقراء إما موجودون بالداخل أو موزعون على مخيمات اللجوء في دول الجوار بظروف إنسانية صعبة. أما غالبية تلك الغالبية التي يتحدث عنها السؤال فقد باعوا ممتلكاتهم، وربما استدانوا أموالاً إضافية ليجمعوا المبلغ المطلوب الذي يصل إلى 8000 يورو تقريباً للشخص الواحد، والذي يتجاوز حالياً ثروة تتجاوز 2.7 مليون ليرة سورية، في حين أن غالبية الأغنياء غادروا البلاد مع أموالهم في وقت سابق. أما أولئك الذين لا يمتلكون الأموال، ويعتزمون المغادرة لأي سبب أو تخوف، فينبغي عليهم أن يدخروا، أو أن يجمعوا المال، وينتظروا الفرصة وشروط الرحلة الملائمين. من جانب آخر، في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، لا أحد يجبر الناس مباشرة على المغادرة، فأساساً هذا خيار وقرار شخصي.

كم عدد الناس الذين غادروا البلد إلى الآن، وهل تتوقع منهم أن يعودوا؟

بعض الإحصائيات الدولية تتحدث إلى الآن عن قرابة 4.5 مليون شخص غالبيتهم موجودون في الدول المجاورة، في حين أن قرابة مليون واحد منهم موجودون في أوروبا. وحالما تلوح أفاق الحل السياسي السلمي والتوافقي الحقيقي استناداً إلى تحقيق التغيير الديمقراطي العميق المطلوب، ويبدأ بإعطاء ثماره، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين سوف يختارون العودة. فسورية هي وطنهم وجذورهم التي لا يضاهيها شيء، حتى في عيون السياح والباحثين الذين كانوا يزورون البلد قبل الأزمة الحالية.

إلا أنه كلما بذلت البلدان والأطراف المختلفة المتأثرة بالأزمة بهذا الشكل أو ذاك جهوداً مخلصة لتسريع الوصول إلى ذاك الحل، كلما كان حسم هؤلاء اللاجئين لخياراتهم أسرع.