حول الفاشية الجديدة والأزمات..!
هشام الأحمد هشام الأحمد

حول الفاشية الجديدة والأزمات..!

يمثل بقاء الأزمات السياسية والعسكرية في العالم دون حلول، عاملاً أساسياً في صعود القوى الفاشية الجديدة وتمددها. ذلك أن هذه الأخيرة باتت تمثل أداة رئيسية في خوض وتوليد الحروب، والتي تختنق الرأسمالية المأزومة دون إشعالها.

في ثلاثينيات القرن الماضي، قدم ديمتروف إلى مؤتمر الأممية السابع التعريف التالي للفاشية: «ديكتاتورية إرهابية مفتوحة لكل العناصر الأكثر رجعية والأشد شوفينية وإمبريالية في رأس المال المالي». ضمن هذا التحديد يمكن النظر إلى الفاشية بوصفها ظاهرة مرتبطة بالأزمة الرأسمالية، تعبر عن الميل لدى القوى الأكثر رجعية في رأس المال المالي نحو خوض الحروب للحفاظ على مواقعها، وضرب الخصوم الصاعدين. ويمكن أيضاً تمييز هذه الظاهرة عن الأشكال الأخرى من الممارسات الإرهابية، وسلوك الأنظمة الديكتاتورية التقليدية في العالم خلال القرن العشرين، والتي وإن تشابهت من حيث الشكل مع الفاشية إلا أنها تعبر عن مصلحة قوى طبقية أخرى.


في أي الظروف تنشأ الفاشية؟

بالعودة إلى فاشيات القرن العشرين، التي نشأت قبيل الحرب العالمية الثانية، ومن أبرزها الأحزاب النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والفرانكوفونية في إسبانيا، نلاحظ أولاً: الأصابع الإمبريالية الغربية، البريطانية والفرنسية في ذلك الحين، في دفع تلك القوى وإيصالها إلى سدة الحكم في البلدان الثلاثة المذكورة. والهدف من ذلك هو خلق مارد جديد ينهض من أنقاض الهزيمة التي منيت بها بلدان المحور الأوربية، ألمانيا وإيطاليا، في الحرب العالمية الأولى، بحيث تكون أولى مهامه ضرب الإتحاد السوفييتي. ولكن، ومن جهة أخرى، فإن الفاشية كأحزاب وقوى اكتسبت نفوذها ومدها في الشارع على أرضية نتائج أزمة 1929 الاقتصادية الرأسمالية الكبرى، فقد كانت ألمانيا وإيطاليا من أوائل البلدان التي ارتفعت فيها معدلات الفقر والبطالة بعد أزمة «الكساد الكبير»، لكونها كانت قد خسرت مناطق نفوذها وامتيازاتها الاستعمارية في الحرب العالمية الأولى. فالفاشية في تلك البلدان وجدت تربة خصبة للنمو بسرعة: أزمة اقتصادية وفقر وبطالة على مستويات شاملة، وأزمة سياسية نتيجة الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وتدخل إمبريالي واضح في دعم القوى الفاشية والإرهابية، بغية إطلاقها في وجه الإتحاد السوفييتي، وفي وجه البدائل الثورية في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.


الفاشية الجديدة

مع انفجار الأزمة الرأسمالية العالمية خلال السنوات الماضية، وتصاعد معدلات الفقر والبطالة والتهميش في بلدان الأطراف، وظهور قوى دولية جديدة صاعدة «البريكس»، عادت الرأسمالية المأزومة إلى أداتها القديمة، الفاشية الجديدة. فقد قامت أمريكا ومعها العديد الدول الغربية باستغلال التناقضات الموجودة في مناطق عدة من العالم لدفع العناصر الفاشية الجديدة، بهدف إدامة النزاعات المسلحة والحروب، وأوضح الأمثلة المباشرة على هذا الأمر، هو الدعم والتمويل العسكري والاستخباري للعديد من التنظيمات الإرهابية، كداعش في سوريا والعراق، والنازيين الجدد في أوكرانيا.


الخدمة الأكبر للفاشية

في المقابل، فإن الدعم الأكبر للعناصر الفاشية لم يأتِ عبر البوابة العسكرية المباشرة، بل جرى من خلال قيام الدول الغربية بتغطية ظهر الفاشية سياسياً، من خلال العمل على استمرار الأزمات، ومنع الحلول السياسية، واستنبات التناقضات الثانوية، الطائفية والعرقية والقومية وغيرها، واستفزاز ردود الأفعال المتشددة من مختلف القوى الأطراف. كل الممارسات المذكورة، كان المطلوب منها أمريكياً استمرار الأزمات بما يفسح المجال لصعود القوى الفاشية شيئاً فشيئاً، وساعدها في ذلك سلوك القوى المحلية المتشددة في البلدان التي تشهد الأزمات. وتعثرت المساعي الأمريكية في ذلك بقدر قامت القوى الدولية المقابلة لها، روسيا والصين، بالعمل على مبدأ الحلول السياسية للأزمات وتطويق بؤر التوتر والصراع بواسطة الحوار والمفاوضات.

إن أجدى الطرق في محاربة الفاشية الجديدة، هي في تغيير الظروف المولدة لها، من خلال الدفع بإتجاه الحلول السياسية، وفسح المجال أمام القوى الديمقراطية والوطنية، لكي تكون بدائل جذرية في مرحلة الأزمات، وإفساح المجال للقوى الجماهيرية والشعبية لمواجهة القوى المتشددة أينما كانت.