استمرار الحرب يفتح الباب للحل السياسي الأمريكي
جبران الجابر جبران الجابر

استمرار الحرب يفتح الباب للحل السياسي الأمريكي

تستمر الحرب والأزمة السورية، وتتصاعد وقائعها في العديد من مواضع القتال، وفي نفس الوقت، تتزايد القوى الساعة إلى حل سياسي.

إن الوقائع والتصريحات تجعلنا أمام حزمة من الحلول السياسية المتناقضة أو المتباينة، وحتى الآن، قلما يعثر المرء على نقاط تقاطع بين السوريين، والأمر عينه في مواقف وأراء الدول الاقليمية، ودول مجلس الأمن، وتكتفي إدارة أوباما بترداد أنه لا سبيل للأزمة إلا الحل السياسي.

إن ذلك لا يفي أن الولايات المتحدة لا تملك تصورها الخاص لمستقبل سوريا، كما تقبع في أدراج البيت الأبيض الاتجاهات التي تعتمدها الولايات المتحدة للحل السياسي، ولنا فيما جرى في العديد من الدول العربية ما يدلنا على ما تبغية الإدارة الأمريكية وما تخطط له.

في الطائف، وفي عام 1989، توصل اللبنانيون إلى اتفاق كانت الولايات المتحدة، في الكواليس، المهندس الأكبر لذلك الاتفاق، وقد كرس الاتفاق ورسخ دستورياً وقانونياً اقتسام الطوائف لمواقع المسؤولية في الدولة وكذلك في مؤسستها ودوائرها، وجرى اقتسام أخر بين مكونات كل طائفة.

لم يخرج الأمريكيون من العراق إلا بعد أن دقوا الأوتار العميقة التي ترسخ دستورياً اقتسام الطوائف للدولة، وتقوم الآن بتكوين جيوش الطوائف، ووجدت تلك التوجهات ترحيبا علياً أو خفياً من العديد من الدول، وقد وجدت تلك الدول في المعالجات الطائفية قوة دفع لتحقيق استراتيجيتها.

أما اليمن فتعددت قواه المسلحة، وأخذت الطائفية مفاعيلها رغم أنها غريبة عن اليمن وعادة شيوخ القبائل إلى أفضل أيام عزهم، خاصة وأن انفجار الوضع يمكن أن يحول اليمن إلى مقاطعات وكانتونات، وذلك ما يفسر السياسة الأمريكية إزاء تطورات الأزمة، وكان المهم عندها تحقيق تطور شامل لحرب أهلية تفتح الباب أمام حرب إقليمية وتقسم اليمن إلى مناطق نفوذ، وفي كل الأحوال ما يهم الولايات المتحدة قطع الطريق على دولة يمنيه ديمقراطية تحقق مطالب الثورة السلمية اليمنية.

ونفس الأوضاع تريدها الولايات المتحدة لليبيا، وتبذل أنشطة خفيه وعلنيه لا يهدأ الوضع وكي تستمر الحرب حتى تنضج عوامل تفرض اقتسام الدولة بين الفصائل المتحاربة وبذلك تؤمن الولايات المتحدة عوامل عدم قيام دولة ليبية وطنية ديمقراطية.

إن عمليات تفتيت الدول الذي شكل اقتسام الدول بين الطوائف أو القبائل أو المناطق صورته الراهنة، لا يمكن له تأمين الوحدة الوطنية، حيث يحاول المسؤولون الأميركيون تزييف ذلك المفهوم وتفريغه من مضامينه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

من المعروف تاريخيها أن مفهوم الوحدة الوطنية تلازم مع الوطنية والانتماء الوطني والنضال ضد الاستعمار قديمة وحديثة، وكما أنه يتشكل الركيزة لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي أصبح وجودها يتنافى مع مصالح الاحتكارات الكبرى ومع العولمة الامبريالية ناهيك عن أنه يتنافى مع الطائفية والقبلية والإرهاب والتطرف، إن أحد أخطر أهداف الولايات المتحدة الالتفاف على ظواهر رفض السياسات الأمريكية والهيمنة وأساليب الاستعمار الجديد وتمزيق الصف الوطني في كل بلد خاصة مع تنامي الحراك الاجتماعي من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

ولا يخفي الساسة الأمريكيون كافة عداءهم للدولة الوطنية الديمقراطية ويرون أنها من بقايا الحقبة السوفياتية، وأن الوضع بعده يتطلب إلغاء السيادة الوطنية الملازمة لمصالح الشعوب السياسية وحقوقها في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تؤمن المرتكزات للسيادة الوطنية عبر الديمقراطية التي لا تستقيم أمورها مع الطائفية والقبلية كما أن الطائفية لا توفر مناخ التنمية الوطنية وسيادة القانون لكنها تسعر الفساد ونؤججه وتعمق الظلم السياسي والاجتماعي وتذهب لإنكار مغلي لحقوق «الأقليات» بما فيها الحقوق القومية المشروعة ذات الطابع الوطني العام والتحرري الذي يتنافى مع الشوفينية والتعصب القومي والذي انتهى في العراق إلى الطائفية ثم العشائرية أثناء حكم صدام حسين للعراق، ومعروف أي عداء تكنه الدول الطائفية للفكر القومي التحرري والذي لعب دوراً هاماً في التحرر من يثر الاستبداد العثماني وفي النضال ضد الاستعمار الكولونيالي والصهيونية.

إن الولايات المتحدة تنتظر أن تستمر الحرب في سورية حتى تتوفر العوامل كافة لتنفيذ حلها السياسي، فهل هناك مواجهة لذلك الحل أفضل من إنهاء الحرب والانعطاف كلياً وفعلياً باتجاه الحوار الذي قد يشهد مراحل متعددة وصولاً لحل يؤمن اعتماد بناء دولة وطنية ديمقراطية، وبات واضحاً أن تعقيدات خلقتها الحرب لا يمكن الشروع في تجاوزها إلا بالحوار الوطني، فما من شيء يولد إلا باعتماد بداية أولية تتطور كي تترسخ بنود الحل السياسي الوطني الذي أضحى أكبر وأعظم مهمة للسوريين تلك المهمة الشاقة التي أضحت المقياس الأعظم للوطنية.