انحسار الاستثمار السياسي بالأذرع الفاشية..!

انحسار الاستثمار السياسي بالأذرع الفاشية..!

تشكل الانتخابات التركية الأخيرة ونتائجها انعطافاً هاماً في لوحة المشهد الإقليمي، على اعتبار أن خسارة أردوغان في هذه الانتخابات تعكس جملة من القضايا، أهمها:
أولاً: استكمال هزيمة مشروع «الإخوان المسلمين» في مركزه الأكثر أهمية، وذلك بعد جملة من الخسارات والهزائم في تونس ومصر، ما يعني هزيمة أهم أدوات المشروع الأمريكي في المنطقة، وما يثبت، بدوره، الميل العام المنحدر لهذا المشروع على المستوى العالمي، وعلى المستويات الإقليمية والمحلية.

ثانياً: التراجع الأمريكي، من جهة، وانهيار المشروع الإخواني، الذي يشكل الجناح السياسي للأذرع الفاشية (داعش وأخواته)- التي سيزداد اعتماد واشنطن عليها مرحلياً-من جهة أخرى، يعني أن انهيار الإطار السياسي سيتلوه لاحقاً انهيار الأداة العسكرية الفاشية الجديدة، بعد انسداد الأفق أمام أي استثمار سياسي، من أي طرف كان، لجرائمها على الأرض، بالتوازي مع استمرار تبلور ميزان القوى الدولي الجديد لمصلحة قوى إطفاء بؤر التوتر في العالم.
ثالثاً: هزيمة أردوغان وحزبه، تعني هزيمة النهج الذي ساد في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في طريقة التعامل مع المحيط الإقليمي، ومع الوضع السوري تحديداً. وهو ما ينبئ بتغيرات قادمة على لوحة الصراع في الداخل السوري على مستويات عدة.. ابتداء من نقل المركز السياسي للجزء من المعارضة المرتبط بتركيا إلى مكان آخر سيكون الرياض، على الأرجح، ومروراً ببداية انحسار الإمدادات من جهة تركيا التي تتلقاها «داعش» وفصائل أخرى مرتبطة بالإمداد التركي، وصولاً إلى احتمال ميل مركز ثقل ضغط الصراع العسكري في الميدان السوري من الشمال نحو الجنوب.
رابعاً: تشير نتائج الانتخابات التركية إلى بدايات انكفاء تركي نحو الداخل، بما يؤدي إلى تخفيض الوزن التركي السلبي ضمن الواقع السوري حالياً، ولاحقاً ضمن عملية الحل السياسي، وهو أمر إيجابي يعكس بدوره استمرار نضوج الظرف الدولي والإقليمي، ضمن الميزان الدولي الجديد، باتجاه وضع عملية وقف التدخل الخارجي على السكة المطلوبة في ظرف الحل السياسي القادم.
ترافقت الانتخابات التركية مع استمرار تورط السعودية في تدخلها العدواني في اليمن. ومع تفاقم هذا التورط، بما فيه الكلف المالية العالية، بدأت تتجلى انعكاساته العميقة على الوضع الداخلي السعودي، بما في ذلك الدخول في حالة من اللااستقرار الأمني، تدفع أكثر فأكثر بالمحصلة نحو الانشغال بالذات، وبدء انحسار أشكال التدخل الإقليمي، وعلى رأسها التدخل في سورية، الأمر الذي يعزز بدوره من فرص تقدم الحل السياسي للأزمة السورية، ونجاحه اللاحق.
بالتزامن مع هذه التطورات الإقليمية، وفيما يخص الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة على الأزمة السورية، جرى الإعلان غير المبرر عن تمديد مشاورات دي ميستورا، بالتوازي مع تصعيد ميداني بارز، من بين عناوينه الأساسية، محاولات إبراز طابع طائفي للصراع على الأرض. إن تزامن هذه العمليات جميعها يشير، في العمق، وخلافاً لما يجري ترويجه، إلى جملة من الأمور:
أولاً: اقتناع جميع القوى الداخلية والخارجية، إقليمية ودولية، باقتراب الحل السياسي اقتراباً شديداً، وبالتالي دخول عملية الصراع على شكل هذا الحل ومضامينه مرحلة نشطة متسارعة.
ثانياً: بناءً عليه، سعي قوى التشدد من الأطراف المختلفة على نحو محموم، وبائس بآن معاً، لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه طوال السنوات الماضية من إعطاء صبغة طائفية وعرقية للصراع، تسمح لها بتسيّد المشهد اللاحق الذي يريدونه منصات لأمراء الحروب، في محاولة لتغييب صوت الشعب النازف والمنهوب من لوحة سورية القادمة.
إنّ مجمل التغيرات الإقليمية، تعيد التأكيد على الحقيقة الأساسية الكبرى، وهي تغير ميزان القوى الدولي في غير مصلحة أعداء الشعب السوري، من واشنطن وعملائها، وصولاً إلى المتشددين الداخليين والفاسدين الكبار، وهذه الحقيقة هي التي ستطبع الحل السياسي القادم بطابعها في نهاية المطاف.