لن يعدموا الذريعة..!

لن يعدموا الذريعة..!

يستطيع المتتبع الجدّي لمواقف القوى السورية المختلفة «معارضة» و«موالاة»، أن يلتقط لدى جزء منها جملة من الذرائع والحجج التي اشتغلت بها ضد الحل السياسي عبر مراحله وتطوراته المختلفة..

ابتداءً من اللقاء التشاوري في تموز 2011 مروراً بـ«جنيف-2»، ووصولاً إلى الجولة الأولى من موسكو، ومن ثم الجولة الثانية، التي ستعقد قريباً، لم «تبخل» بعض القوى السورية بالذرائع التي ألقتها بالأطنان فوق رؤوس الناس، وعبر الإعلام لكي تبرر اعتراضها على هذا المؤتمر أو ذاك، ولتخفي رفضها الضمني للحل السياسي. وبين جديد وقديم تلك الذرائع تظهر بشكل متكرر المقولات التالية:

أولاً: القول بأن موسكو ليست طرفاً نزيهاً، وما يرافق ذلك من تحليلات «استراتيجية» خلّبية اشتغل عليها متشددون في طرفي الصراع عن وجود «ضوء أخضر» أمريكي، وعن كون واشنطن لا تزال «الحاكمة بأمره»، التي لا يمكن لأحد أو قوة، أن تشق عليها عصا الطاعة. وليس ذلك بغريب على قوىً لا تتلمس لها مكاناً جدياً في مستقبل لا يكون مفصلاً على قياس الماضي! وليست هذه القوى «سلفية» بالاسم بل بالفعل، فأسماؤها تتراوح بين التكفيري والعلماني، لكن يجمعها الانتماء إلى الماضي الأمريكي..

ثانياً: القول بأنّ وحدة المعارضة شرط لا بد منه للحل السياسي، وهذا اشتراط مسبق تعجيزي، يشترك فيه متشددون من النظام والمعارضة، فهؤلاء يعلمون يقيناً أنّ المعارضة تعددية ومتنوعة، إلى حد لا يمكن معه إطلاقاً توحيدها، وإحدى المشكلات التي تجعل من توحيد كهذا مستحيلاً هي أنّ بين ظهراني هذه المعارضة من هم وطنيون ومن هم متأمركون  متصهينون، فكيف يمكن توحيد هؤلاء! وبكلام آخر فإنّ القول بوحدة المعارضة، يشبه تماماً القول بالحسم العسكري أو بالإسقاط بل ويزيد، كلها أقاويل وأوهام لا مكان لها على الأرض، ومؤداها كلها استمرار الكارثة واستمرار العنف والإرهاب والدمار.

ثالثاً: المطالبة بحضور جميع أطراف المعارضة كشرط مسبق للحل، وهذه المطالبة تعني منح كل طرف من أطراف المعارضة، كبيراً أم صغيراً، وطنياً أم عميلاً، الحق بتعطيل الحل السياسي وبتقرير مصير سورية والسوريين. و«ترقى» هذه المطالبة في تطبيقها العملي إلى صيغة «الحزب القائد» التي كررها ائتلاف الدوحة، مدعياً لنفسه حق التحكم بسورية وبالشعب السوري، ودعوة من هذا النوع هي بالضبط ما ينتظره أعداء سورية العديدون، وبينهم الفاسدون الكبار الموزعون بين معارضة وموالاة..

رابعاً: «المؤتمر الداخلي بديلاً عن المؤتمر الدولي»، ويقدم أصحاب هذا الطرح أنفسهم بوصفهم «الأكثر وطنية» لأنهم ضد جميع «التدخلات الخارجية»، وهم بذلك كمن يدفن رأسه، ويغمض عينيه عن وجود التدخلات الخارجية ودرجة التدويل، متمنياً أن تختفي إن هو تجاهلها! كما أنّ أصحاب هذا الطرح يتناسون مستوى الثقة المتدني بين الأطراف الداخلية للأزمة والحاجة لوجود ضمانات.

خامساً: «الدعوات الشخصية لن تؤدي إلى شيء»، وها هي تؤدي إلى أشياء! فعقد الجولة الأولى بدعوات شخصية هو بالذات ما سمح بالعمل على عقد الجولة الثانية بدعوة جهات وتنظيمات، و«عدم وجود جدول أعمال» هو أيضاً ما سيسمح بعقد الجولة الثانية بجدول أعمال، ذلك أنّ إقناع الجميع بإمكانية وضرورة الحل السياسي من حيث المبدأ، وبإمكانية الحوار وتحقيق النتائج، هو لبّ المشكلة التي حلّتها الجولة الأولى، ودون حل هذه المشكلة ما كانت ممكنة لا الدعوة على أساس القوى والتنظيمات ولا وضع جدول أعمال.

إنّ أولئك الذين يبحثون عن ذرائع يهاجمون من خلالها مسار الحل السياسي، لن يعدموها. ولكن الفارق الأساسي هو أنّ تلك الذرائع باتت ضعيفة واهيةً لا تقنع أحداً، وسيزداد وهنها وضعفها باستمرار، مضعفاً معه مطلقيها والشادّين على أيديهم والمروجين لهم.