على مفترق طرق أم ماذا؟
جبران الجابر جبران الجابر

على مفترق طرق أم ماذا؟

اتسمت العلاقات الأمريكية التركية بالتحالف خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وظلت تركيا خلال عشرات السنوات «حليفاً وصديقاً» للولايات المتحدة، ولم تعرف تلك العلاقات خلافات علنية وحادة كما هو حالها الآن. وقد تسارعت وتيرة التعابير عن الخلافات إلى درجة أن أردوغان وصف إدارة أوباما بأنها «إدارة شريرة»

لم تقتصر الخلافات بين الحليفين على الموقف من الأزمة السورية وهي خلافات تتعدى رفض للشروط التي طرحتها تركيا والمتعلقة بانضمامها إلى التحالف لمحاربة «داعش»، وقد اتهم نائب الرئيس الأمريكي تركيا بدعم الإرهاب ومساعدته بأشكال ومجالات متعددة. 
وهكذا تشكل تباين واختلاف في الاستراتيجية حيث يرى أردوغان أن النظام السوري مهمة آنية في حين ترى الإدارة الأمريكية أنها مهمة لاحقة وأن حل الأزمة السورية هو حل سياسي، ناهيك عن أنها تبقى استمرار الحرب سنوات أخرى.
أما البعد الأخر للخلافات فهو مرتبط بمفهوم الدولة الإقليمية وصلاحياتها. أن الإدارات الأمريكية ترى أن الدولة الإقليمية وسيطه وحلقه في الهرم الاستعماري الذي تتربع على قمته الولايات المتحدة الأمريكية، أما أردوغان فإنه يريد دوراً اساسياً استراتيجيا في معالجة قضايا الشرق الأوسط، ومعرفة أن أحد المبادئ المعلنة للسياسة التركية هو عدم تدخل الدول الأخرى في شؤون الشرق الاوسط، ومعروفة جيداً أبعاد النهضة التركية في العقد الأول من هذا القرن حيث احتلت المركز (15) اقتصادياً على المستوى الدولي، ويحتل جيشها، من حيث عدده، الموقع الثاني في الحلف الأطلسي، وتمثل ما يسمى الإسلام السياسي المعتدل ولها تاريخ في العلاقات مع المنطقة العربية، كما لها تأثير وعلاقات وطيدة مع العديد من منظمات الإسلام السياسي وخاصة مع الإخوان المسلمين.
ويبدو أن أحد الخلافات التركية الأمريكية يدور حول مستوى التسلح التركي والتخلف الأطلسية المتعلقة بالدفاع عن تركيا بوصفها مهمة الحلف الأطلسي هو شكل للرد على المطامع والمطالب التركية المتضمنة تطوير الترسانة الحربية التركية المستقلة عن قيادة الحلف الأطلسي، قد وسعى أردوغان إلى علاقات عسكرية مع الصين وكان من مقرراتها تصنيع أجيال من الصواريخ إلا أن ذلك قد توقف، فعضوية تركيا في الأطلسي لم تشجع الصين على المضي في تلبية الطلبات التركية.
كان الامتعاض التركي يتزايد من السياسة الأمريكية وخاصة تسليح المدافعين عن عين العرب «كوباني»، وبعد ذيوع خبر رسالة أوباما إلى خامنئي وبعد زيارة كيرى لإقليم كردستان العراق، وبعد الإعلان عن استفتاء لاستقلال كردستان العراق وجعلها دولة مستقلة، وقد زاد الطين بله تصريحات إيرانية يعزم إيران على تشكيل جيش من مجموعات المسلحين الداعمة للنظام السوري.
وبدلاً من أن ينفذ أردوغان اتفاق «السلام» لحل القضية الكردية في تركيا، اجج الخلافات مع الأكراد والأتراك وبرزت ردود الفعل الشو فينيه والمخاوف التركية من أفق المشكلة الكردية في المنطقة.
إن الأوضاع الاقليمية وما نسجته الأزمة السورية من توجهات لاحقة عند الدول الإقليمية يدفع للقول أن الحرب السورية تؤدي إلى تداعيات جديدة وخطيرة حيث تؤجج الطائفية على صعيد إقليم الشرق الأوسط وتوسع نطاق الحرب إلى تشكيل جيوش على الأراضي السورية وليست زيارة وزير الخارجية التركي إلى السعودية خارج نطاق المضاعفات التي تطرحها الحرب، وبعبارة أخرى هل يتطور دور الدول الإقليمية بحيث يصبح جيوش على الأراضي السورية، وهي جيوش تابعة للمراكز التي تقيمها وتسلحها وتمولها. وبذلك تحقق الولايات المتحدة والصهيونية وضعاً جديداً كلياً وهو حرب إقليمية تحت تأثير الطائفية التي يزداد نطاق نيرانها.
إن عاملاً وحيداً يمكن أن يحبط تلك الخطط التي تنتهي إلى النهر الأمريكي «شاء من شاء وأبى من أبى»، إن ذلك العامل هو الوطنية السورية التي من شأنها إنقاذ الوطن وإنقاذ الشعوب العربية من أشكال استعمارية جديدة تلك الوطنية التي تؤمن بالحل السياسي وإنهاء الحرب والانعطاف نحو وضع جديد يؤمن سبل تأمين الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية ويقطع الطريق على الأشكال الاستعمارية الجديدة.

آخر تعديل على الإثنين, 17 تشرين2/نوفمبر 2014 18:58