الأغلبية لأردوغان.. هل تنتصر الفاشية؟!

الأغلبية لأردوغان.. هل تنتصر الفاشية؟!

حقق أردوغان الأغلبية في الانتخابات البلدية (45% من الأصوات). وتوعد خصومه بـ"دفع الثمن" وبناء "ديمقراطية أقوى" بآن معاً!!. قبلها حظر "يوتيوب" و"تويتر" بسبب المؤامرة على حد تعبيره!. وقبلها أيضاً أمر بإسقاط طائرة سورية تمهيداً لغزو مدينة كسب السورية من المتطرفين.

لم ينجم عن غزو كسب أي متغير سياسي جديد على الساحة السورية. ورفضت المحكمة الدستورية العليا قرار حظر اليوتيوب وتويتر، واحتج آلاف المتظاهرين على نتائج الانتخابات في أنقرة.

بين الأزمة الداخلية والإقليمية

لا يختلف اثنان في أن تورط حكومة حزب العدالة والتنمية في الشأن السوري وتبنيها الخيار الغربي بالحل العسكري سبب لأردوغان أزمة حقيقية، وهي انكشاف حكومته للمعارضة التركية بمختلف أشكالها، حيث تعمقت كل المشاكل الداخلية في تركيا وعلى رأسها الاقتصادية والسياسية والديمقراطية أيضاً.

رأى القوميون الأتراك ممثلين بحزب الشعب الجمهوري (نال 28% وحزب الحركة الوطنية 15%من الأصوات في الانتخابات الأخيرة) في تدخلات أردوغان في الشأن السوري مساساً بالأمن القومي التركي وضرباً للثقافة القومية لمصلحة طموحاته المستندة على "الإسلاموية". أما المعارضات اليسارية فرأت في سياسات أردوغان إمعاناً في إهدار ثروات تركيا في صراعات تهدد وحدة شعوب المنطقة وتهرباً من مواجهة تراجعاته الاقتصادية، حيث فقدت العملة التركية 17% من قيمتها في عام 2013 وفقاً لمسؤولين أتراك. حرك الوضع التركي أيضاً طموحات الأكراد،(نال حزب السلام والديمقراطية الكردي 4% من الأصوات)، في الضغط لمزيد من التنازلات رغم إبداء "العدالة والتنمية" مرونة استثنائية في الملف الكردي وصل إلى حد وعده بإطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان مقابل وقف إطلاق النار. 

مالم يحسب حسابه أردوغان هو زيادة الضغط عليه من حليفه التاريخي "فتح الله غولين" المستقر في الولايات المتحدة والذي يتمتع بالإيديولجية ذاتها، والذي استخدمته الولايات المتحدة للضغط على أردوغان حينما لاح في الأفق إمكانية استيعاب الدور التركي في المنطقة من قبل الإيرانيين والروس، واستند غولين إلى فضائح الفساد التي سُرّبت عن أردوغان في الأشهر الأخيرة.

"كمون" الفاشية..

مع كل ذلك حقق "العدالة والتنمية" الأغلبية في الانتخابات، ورغم كل ما يمكن قوله عن مدى تعبير صندوق الاقتراع عن مصلحة المصوتين، إلا أنه يعتبر "نصراً" انتشى أردوغان له.

تشكل هذه الصورة "اتساع حدة المعارضة لأردوغان خلال السنة الفائتة" المتناقضة موضوعياً مع "شعوره الحالي الهائل بنشوة النصر" فرق كمون واستقطاب هائل يضع الوضع التركي أمام خيارين سيكون حزب العدالة المسؤول التاريخي الرئيسي عنهما:

فإما أن يستوعب أردوغان وحزبه هشاشة "النصر" وعمق الأزمة الداخلية، ليقوم بتوظيف نصره في الدخول بتفاهمات جدية بينه وبين معارضيه، مستنداً لعمق الأزمة وضرورات الالتفات للمصلحة العليا للدولة، والتي تقتضي التراجع عن سياسات التدخل التركي في الشأن السوري أيضاً. 

وإما أن تدفعه نشوة النصر الحالية وضرورة مواجهة كل خصومه بقوة، إلى ممارسة حكم فاشي في الداخل التركي. 

يلقى خيار الفاشية دعماً كبيراً خلال السنوات الماضية من واشنطن التي لاتزال ترى في تفتيت الإقليم من بوابة سورية مدخلاً لحل كبرى أزماتها، وهي وإن فشلت بذلك حتى اللحظة في سورية، فلن تتورع عنه في تركيا. 

معيقات تاريخية 

يواجه خيار الفاشية معيقات موضوعية عديدة فلا الولايات المتحدة قادرة على الاستمرار بالدعم المطلق لهذا الخيار كونها في تراجع مستمر، فهي تتلقى ضربات سياسية من الخصوم الصاعدين في كل مكان. كما أن ردة الفعل الروسية حيال إجراء كهذا قد تكون معطلة،لا سيما أن العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا، قوية. يضاف إلى ذلك حضور الدور الإيراني الذي حاول خلال الأشهر الماضية استيعاب التركي، وإن لم ينجح كثيراً في لجم تحركات تركيا في الأراضي السورية إلا أنه لن يكون متفرجاً وحسب على خيار قد يحرق المنطقة. 

لا شك أن أكبر المعارضين للفاشية سيكون الداخل التركي، فتطويع القوى اليسارية والمعارضات الأخرى وحزب العمال الكردستاني وحتى بعض من قيادات "العدالة والتنمية" التي باتت تعبر مؤخراً عن امتعاضها من هذه السياسات، لن يكون نزهة لأردوغان. ويبقى حجر الزاوية هو الجيش التركي الذي كان غالباً على خلافات مع سياسات "العدالة والتنمية"، حيث يتطلب الحكم الفاشي دوراً أساسياً للجيش خاضعاً كلياً لأردوغان وموافقاً على سياساته..  

تضع نتائج الانتخابات البلدية، والتي ستليها انتخابات برلمانية ورئاسية لاحقاً، الدولة التركية أمام مفترق طرق حقيقي لن يكون من السهل على أي سياسي أن يمشي في خياراته دون دفع تكاليف باهظة خاصة وأن الشعب التركي يعرف خيار الشارع جيداً والذي لا يرحم أي خيار خاطئ ولا يؤمن بصناديق الاقتراع المصممة على قياس النخب الحاكمة فقط.