ما هي المعارضة؟

ما هي المعارضة؟

يكاد لا يمسك المواطن السوري جهاز التحكم حتى يقفز في وجهه معارض ما. يقلب السوري القنوات ويقلب الوجوه وعند كل زاوية فضائية «تسوّك» مجموعة ما من المعارضين.. كان الأمر للوهلة الأولى وربما للشهور الأولى مدعاة للسرور والدهشة، إذ من غير المسبوق بالنسبة لجيلين على الأقل أن تكون هنالك معارضة في سورية! أما وقد بدأت الوجوه المعارضة بالتكاثر وبالتصادم فيما بينها فقد صار لزاماً عليه أن يعيد قراءة المشهد كاملاً ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود..

 تختلط المواقف وتتناقض لدى كثير من الشخصيات المعارضة، كأن يتباكى أحدهم، وهو علي صدر الدين البيانوني، على دماء الشعب السوري ولكن من القناة «الإسرائيلية» الثانية!، ويرفض «المجلس الوطني السوري» التدخل الخارجي رفضاً قاطعاً ويصر مع ذلك على دعوة الأمم المتحدة والدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا، لحماية المدنيين التي تعني حظراً جوياً وقصفاً للدفاعات الجوية السورية وتعني ليبيا جديدة.. ويرفض حسن عبد العظيم التدخل الخارجي العسكري!، وليس التدخل الخارجي على العموم ويضيف إلى ذلك استقباله السفير الأمريكي في مكتبه!، ويتنطح برهان غليون لرفض التدخل الخارجي ورفض قرار في مجلس الأمن ثم يندد بالفيتو الروسي- الصيني ويكرر الدعوة الممجوجة لحماية المدنيين.. ويبرر حمل السلاح، ولا تستبعد قوى معارضة أخرى «ضرورة» حمل السلاح.. كما ترى في «العرب»، والمقصود الخليج العربي وعلى رأسه السعودية، إضافةً إلى أمريكا والغرب عموماً، حليفاً للشعب السوري. في حين أن إيران وحزب الله وروسيا والصين هم الأعداء.. الخ.. الخ.

تسعى القوى ذات المواقف الملتبسة مدعومةً بالإعلام البترو- دولاري ومواقف الدبلوماسية الغربية ومستندة إلى تخلف وضعف الإعلام السوري، بل وتحكم قوى الفساد والقوى الأمنية به إلى هذا الحد أو ذاك.. تسعى تلك القوى إلى تكريس الفكرة القائلة بأن المعارضة هي تعريفاً المطالبون بإسقاط النظام، وبالمقابل فإن الموالين هم المطالبون بإسقاط الحركة الشعبية وبقاء النظام.. ويعملون ليل نهار – وهذا ينطبق على الإعلامين الداخلي والخارجي- على الشحن وإثارة العواطف وتخوين الطرف المقابل وإقصائه وتركيز الأنظار على القراءة الأخلاقية السطحية للحدث، في حين أن كل تلك الأخلاقية «العالية» لم تقترب مما يجري في الصومال مثلاً، رغم أنه في كل يوم تقريباً يموت بقدر ما يموت في سورية خلال أشهر.. وهذا ليس استرخاصاً بالدم السوري، ولكنه سؤال يستحق الوقوف عنده. فهل تحولت أمريكا وبريطانيا وفرنسا المسؤولون المباشرون عن موت عشرات الملايين في أفغانستان والعراق وليبيا والفيتنام ورواندا ويوغوسلافيا وإفريقيا إلى حماة للسلم العالمي؟!!

ينبغي على المعارض الوطني أن يجيب صراحة عن السؤال السابق، وأن يحدد موقفاً واضحاً من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، العدو الأول للشعب السوري ولشعوب العالم جميعها بمن فيهم شعبها، وهنا تظهر التخرصات التافهة حول الديمقراطية وحول مصالح الدول، فيذهب ثلة من السياسيين مدعي البراغماتية إلى ما يسمونه الاستفادة من التناقضات الدولية ومن المواقف الغربية، وهذا اسم آخر لجوهر واحد هو الاستقواء بالخارج، حيث لانعدام قاعدتهم الجماهيرية يحتاجون إلى التطبيل والتزمير الإعلامي المترافق مع الدعم الدبلوماسي لكي يصبح لهم وزن هو في الحقيقة وزن الأجندات التي يحملونها..

ويختفي خلف الطروحات جميعها الموقف من توزيع الثروة في البلاد، إذ تتلطى القوى المختلفة خلف المطالبة بالحريات السياسية والديمقراطية، ولا تقول لنا أي البرامج الاقتصادية تريد لأنها في الجوهر، وللقارئ أن يراجع ذلك أكانت إخواناً مسلمين أم إعلان دمشق أم غيرها الكثير، إنما تريد برنامجاً اقتصادياً ليبرالياً، وتعلن عن ذلك في برامجها الاقتصادية المخبأة اليوم بعيداً عن التداول السياسي- الإعلامي.. أي أنها لا تختلف عن النظام الذي تريد إسقاطه سوى في الشكل، فهي تقف اقتصادياً واجتماعياً إلى جانب النهابين والحرامية ضد الناس، فهي مثلاً مع رفع الدعم كاملاً وليس جزئياً، ومع تخفيض الضرائب عن المشاريع الكبرى، ومع الحد من دور النقابات، وضد رفع الأجور، ومع خصخصة التعليم والصحة والكهرباء..الخ..

الخلاصة، أن الموقف المعارض الحقيقي يحتاج إلى الأثافي الثلاث، الوطني والديمقراطي والاقتصادي- الاجتماعي، وبغير ذلك فإنه معارضة تداول سلطة ومعارضة تغيير وجوه.. الشعار الأهم والأكبر اليوم هو شعار إسقاط الفساد، بناء نظام سياسي جديد، تحرير الجولان.. وهو بالعمق أكبر بكثير من شعار إسقاط النظام الذي يقسم اليوم الشارع السوري ويجعل الاستعصاء مديداً، ويزيد إمكانيات التفتيت والتأثيرات الخارجية، وهذا الشعار الموحّد للشعب السوري هو من حيث الجوهر تغيير جذري للنظام السياسي القائم نحو نظام سياسي جديد يعبر عن مصالح الأكثرية الساحقة من السوريين. وإذا أجرينا إحصاءً دقيقاً لمن يؤيد مضمون الشعار السابق ويستعد للعمل من أجل تحقيقه، ستكون النتيجة هي أن الشعب السوري بأغلبيته الساحقة معارضة وطنية حقيقية..